الأربعاء 03 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

القتال خارج سوريا ... لييبا نموذجاً

29 سبتمبر 2020، 03:17 م
القتال خارج سوريا ... لييبا نموذجاً

د. أيمن هاروش

كاتب سوري

29 سبتمبر 2020 . الساعة 03:17 م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، وبعد:

فهذا مقال وجيز حول القتال خارج سوريا، لعله يفتح بابا للنظر وينير الطريق قليلاً أمام الطالبين للحكم فيه.

أولاً : تمهيد

من عاصر الثورة السورية منذ أول قيامها وإلى اليوم وجدها ساحة ولادة بالنوازل، والتي تحتاج لبيان الحكم الشرعي أو الرأي السياسي فيها، وهي من طبيعة الصراع فهو مليء بالمستجدات، ولا يخفى على طلاب العلم أن النوازل محل اجتهاد واختلاف، تختلف فيه الآراء لاختلاف التصورات، ومعلوم أن الفتوى لها ثلاث مراحل، ثبوت النص وفهم النص وهما جانبا الحكم، وتنزيل النص على الواقعة وهو متعلق النازلة، وقد يكون الخلاف بين الباحثين في الثبوت والفهم يسيراً لأنهما جانبان قتلا بحثًا وسبقنا علماؤنا بما لم يبق لنا إلا أن نختار ونقلد، وأما جانب التنزيل فهو المرحلة الأصعب والأخطر، لأنها تتوقف على فهم دقيق ودراسة مستفيضة للنازلة، ليصل الباحث إلى تصور صحيح وكافٍ، ليعطيه الحكم المناسب، ومن البداهة أن هذه التصور يحتاج لآراء أهل الاختصاصات المتعلقة بالنازلة، وليس لأهل العلم الشرعي أن ينفردوا بها، فإن كانت النازلة طبية استعنا بأهل الطب كما في نازلة كورونا، وإن كانت اقتصادية استعنا بأهل الاقتصاد كما في نازلة البتكوين وهلم جرا.

ومن هنا ندرك أن خوض غمار الكلام في النوازل ليس أمرًا سهلاً بل هو حريم مصان لا يسمح بالدخول له إلا لمن حمل وثيقة مرور وتصريح عبور، وهذا التصريح هو الأهلية الشرعية للناظر من الزاوية الشرعية والأهلية الاختصاصية للناظر من زاوية الاختصاص، ولك أن تدرك حجم الكارثة عندما تعج مواقع التواصل بالتحليل والتحريم أو التخوين والتكفير والزندقة في النوازل من أناس لا يملكون أهلية قراءة الفاتحة ولا يعرف من الفقه والأصول الشرعية شيئا البتة، وكذلك لا يملكون من فن الاختصاص شيئاً، وينتقد ويخون أهل العلم إن لم يوافق قولهم هواه، وقائمة الاتهامات الباطلة جاهزة، وهو أمر خطير ونذير شؤم يدل على جرأة قبيحة على الشريعة وانعدام شعور بمراقبة الله ولا مبالاة بعاقبة الكلمة والمحاسبة عليها يوم القيامة.

أما فيما يخص أهل العلم أنفسهم فلا يليق أن يقدم الباحث رأيه وكأنه الذي لا يصح في دين الله سواه وأن من خالفه جاهل لا يفقه شيئاً أو ينزل إلى حضيض العوام الجهال يالاتهامات والتخوين، فالنوازل كما أسلفت مظنة الاختلاف، ومن فقه الاختلاف الإنصاف واحترام المخالف.

ثانياً: طبيعة الصراع

أول منطلق للحكم هو فهم طبيعة الصراع الذي نعاصره، فليس الجهاد في سوريا غصناً مقطوعاً من شجرة كما يقال، بل هو لبنة في جدار الصراع المعاصر يتأثر بحركات اللبنات الأخرى ويؤثر فيها، وإن أخطر من سايكس بيكو الجغرافية هي سايكس بيكو الفكرية والشرعية والسياسة، حيث ينظر البعض للصراع في سوريا من زاوية سوريا فقط بل بعضهم من زاوية بلده، إن خدم الحراك بلده فهو ثوري صحيح يرفع له القبعة وإن أضر بها فهو خيانة وعمالة، وهذا من قصور النظر ومحدودية الفهم، فسوريا جزء من الأمة وقضيتنا جزء من الصراع العالمي المعاصر، وأريد بيان لفتة تاريخية وجيزة ليتضح الأمر.

أحسب أن الصراع المعاصر – والذي هو جزء من الصراع التاريخي بين الكفر والإيمان – قد بدأ منذ قيام الغرب بالحرب على الخلافة العثمانية والتي انتهت بسقوطها واقتسام العالم الإسلامي إلى دويلات يتحكم فيها الغرب، وفرقاء الصراع ثلاثة:

  • الغرب الذي تحالفت فيه اليهودية والنصرانية وقوى الكفر كلها.
  • والحامل للمشروع الإسلامي أو لعودة الهوية الصحيحة للأمة، والمتمثل بالشعوب الإسلامية.
  • الطابور المنافق العميل الذي يخدم الغرب وهم من أبناء الأمة، والمتمثل بكثير من الحكومات العربية والإسلامية.

ولا شك أن هذا الصراع لا يستطيع الفريق الثاني أن يقوم به دون أن يملك مقومات الصراع، وأقل أشكالها وجود قوة متكاملة، والتي تمثلها الدولة، أما أفراد وآحاد الناس فجهود مبعثرة لا تسمن ولا تغني من جوع إلا بقدر المحافظة على استشعار القضية والصراع في أجيال الأمة، ولأن الناس فقهوا هذه النقطة ولم يجدوا نصيرا متمثلا في دولة شكلوا جماعات وأحزاب تقوم بأعمال تسد شيئًا من الثغر الذي أحدثه فراغ وجود الدولة، فقامت جماعات إسلامية سياسية وجهادية في الأمة بعد سقوط الخلافة.

ولأزيد هذه النقطة وضوحًا أقول تأمل حال أعدائنا تجد الكل له قوة مرجعية متمثلة في دولة تخوض الصراع، ويرى أبناؤهم فيها مرجعيتهم ومشروعهم، فالشيعة لهم إيران، واليهود لهم إسرائيل، والشيوعيون كان الاتحاد السوفيتي واليوم روسيا وأخواتها، والنصرانية لها كل دول الغرب - وإن حاول البعض سلخ الغرب عن نصرانيته ليقنعنا أنه علماني، ولكن الواقع يكذبه والحديث هنا طويل وليس محل البحث -  إلا نحن أهل السنة، غنم بلا راعٍ، وأيتام على موائد اللئام، ليس لنا من يصارع لتحقيق هويتنا ومشروعنا، وليس لنا مرجعية سياسية دولية نراها تمثلنا وتعبر عن طموحنا، بل من كنا نظنه كذلك ظهر أنه خنجر في ظهورنا ونحورنا لصالح أعدائنا، وأعني بهم حكومات بلادنا.

إلى أن جاءت السنوات السابقة والتي انبثق منها وفيها فجران جديدان:

  • أولهما: حركة التحرير الشعبية الثورية، وما سميت بالربيع العربي، والتي انتفضت فيها الهوية الشعبية الحقيقية للأمة على الظالم الجلاد الذي سلخها عن هويتها وسلب خيراتها وجلدها لصالح عدوها.
  • وثانيهما:  وهو السابق للأولى تسلم زمام الحكم في تركيا جماعة تتوافق في أطروحاتها مع أحلام الأمة وتتماهى مع هويتها، والتي انتهجت سياسة جعلت من تركيا مشروع دولة مرجعية لأهل السنة تنافس وتصارع عنهم ويرى كل واحد منهم فيها نفسه، ولربما لم تصل إلى الغاية المرجوة لكنها تسير في الطريق، وندعوا لها بالتوفيق والسداد، وقد كنا نتطلع للقيام بهذا الأمر منها أو من غيرها، لكن فشلت أحلامنا  في غيرها، وهذا أيضّا محل بحث ونظر طويل ليس غرضنا التعريج عليه رغم أهميته وخطورته.

ومن هنا أقول تلاقت أحلام وأهداف هذين الفريقين، ودخلا في تحالف واحد، بل لا أبالغ إن قلت إنهما مشروع واحد، وليسا مشروعين متحالفين، ولك أن تنظر وتتأمل في الصراع فعدوهما واحد في العسكر والسياسة والإعلام وكل ميادين الصراع.

فإذا نظرنا إلى الصراع بهذه النظرة الشمولية العامة ندرك أن سوريا جزء منه، وهي عضو في جسده، لا يمكن للجزء أن يحيا بدون سائر الأعضاء، وبعبارة أوضح إن أي نصر في الساحة السورية هو نصر لكل أعضاء الفريق، في تركيا وليبيا ومصر والخليج وغيرها، وأي خسارة لأي عنصر هو خسارة لكل الفريق.

وإني لأعجب من أن كل أعدائنا ينظرون بهذه النظرة الشمولية ويدركون هذه الحقيقة إلا بعض أبناء ثورتنا حبسوا أنفسهم ضمن الحدود السورية، ألا ترون حزب اللات وإيران منذ أول صيحة ثورية في سورية أدركوا الخطر فجاؤوا بكل قوتهم وبكل شيعتهم من العالم لنصرة الأسد، لأنه جزء من مشروعهم الديني، وإن كان البعض يصفهم بالمرتزقة لكن بنظرة متجردة هم ليسوا مرتزقة، بل حملة مشروع يدافعون عنه، وتأمل روسيا لما أحست بالخطر في عام 2015 تدخلت بكل قوتها لأنها تدرك أن سوريا جزء من مشروعها السياسي النفوذي السلطوي، فجاءت لتدافع عن نفوذها وسلطانها وليس عن الأسد، وكذلك أمريكيا تدخلت بقوتها الناعمة والخشنة، لتحافظ على نصيبها في المنطقة، وكذلك قامت قوى الفريق الثالث العميل لتحارب كل من يسيء لأسيادها، فترى ابن زايد وحزبه قاتلهم الله يحاربون ثورات الربيع العربي ويحاربون تركيا ويحاصرون قطر، لأن كل هؤلاء فريق واحد في الصراع، فتأملوا يا قوم كيف عرف أعداؤنا بعد الصراع وأمميته، إلا بعض أبنائنا يحبس نفسه ضمن مشروع قطري، وبل ويشارك أعداءنا في بعض أحوالهم وإن بغير قصد في اتهام وتخوين باقي أعضاء فريقنا.

بل من تأمل يجد أن الصراع الذي بدأ منذ سقوط الخلافة هو هو، بفرقائه وأدواته، تركيا تصارع الغرب، وتطعنها الحكومات العربية، وتساندها الشعوب العربية والإسلامية، ولم يختلف إلا الأشخاص.

وأختم هذه النقطة وأقول إن رؤيتنا للقضية هي أن ثورات الربيع العربي وتركيا مشروع واحد، وجبهاته متعددة، ولأقرب لك الصورة كحالنا في سوريا كلنا مشروعنا الخاص سقوط الأسد، ولكن جبهات متعددة في حلب وإدلب والساحل والشرقية، فحين خسرنا الشرقية وحمص لم يجلس أبناؤها بل جاؤوا وقاتلوا في إدلب وحلب، ولم يقل أحد عنهم بأنهم خونة يقاتلون من أجل إدلب وحلب، وأهلهم في حمص والشرقية يهانون ويعذبون وبلادهم محتلة، لأنهم أدركوا أن المشروع واحد والخسارة والربح في أي جهة سيلقي بظلاله على الجميع، وسّع النظرة لتقول هذا عن الصراع الأكبر ولتنظر إلى سوريا على أنها جبهة من الجبهات، وجزء من المشروع وليست مشروعاً مغايراً.

 

ثالثاً: ضوابط القتال المشروع

ليس كل قتال يحمد، ويعتبر جهادّا في الشريعة، بل لا بد له من ضوابط، وأوجزها بما يأتي:

  1. مشروعية القتال وصحته، أي أن يكون قتالاً جائزًا في الشريعة، والقتال الجائز في الشريعة هو كل قتال في سبيل الله، ومعنى في سبيل الله أي في تحقيق أمر أباحته الشريعة وأجازته، فقتال الكفار المحاربين لرد حرابتهم في سبيل الله، وقتال الكفار ابتداء لتبليغ الرسالة إن وقفوا في وجهها في سبيل الله، وقتال البغاة والمحاربين في سبيل الله، وقتال الممتنعين عن بعض الشعائر في سبيل الله كقتال مانعي الزكاة، وقتال الطغاة الذين يحاربون الله ورسوله ويخدمون أعداء الأمة في سبيل الله، والقتال لرفع الظلم سواء من المظلوم أو من غيره  نصرة له في سبيل الله، ولا يحتمل المقام تفصيل كل مسألة بأدلتها.
  2. صدق القصد والنية، بأن تكون نية المجاهد مشروعة وهي القتال من أجل تحقيق هدف من الأهداف السابقة، فكل هدف منها صحيح وقصده جهاد، وإن قصد معه من الدنيا ما أحله الله له كغنيمة أو حصول عطاء مرتب فهو مشروع، وإن كان الأولى أن يخلص النية فالدنيا تبع.
  3. تحقيق مصلحة للمسلمين، فمعلوم أن الجهاد من أحكام الإمامة، أي منوط بالإمام، وتصرفات الحاكم منوطة بالمصلحة، وللمصلحة ضوابطها من  كونها شرعية حقيقية عامة لا تخالف حكماً ثابتًا، وهذه ضوابط يدركها المتخصصون.

فإذا حصرنا الحديث عن الذهاب للقتال في ليبيا، كصورة تطبيقية لما سبق،  وأردنا تنزيل هذه النقاط عليه، بعد تسليمنا لما سبق من حقيقة الصراع، فأقول:

  • أما الشرط الأول فالقتال في ليبيا مشروع لأنه قتال شعب مظلوم على رجل خائن وعميل تدعمه كل قوى الشر من الغرب والعرب، ليتابع مسيرة العمالة والظلم على الشعب، بل هو خائن حتى في الأعراف الدولية فحكومة الوفاق منتخبة من الشعب وهو من انقلب عليها وتمرد، وقتاله كقتال بشار الأسد، وقد يقول أحدهم بشار نصري كافر وحفتر مسلم، ولا شك أن هذا غاب عنه علة قتالنا لبشار فنحن لا نقاتله لنصيريته، على الأقل ليست هي العلة الجامعة لكل أبناء الثورة ولا المحركة لها، بل لظلمه واستبداده وسلبه كرامة وحق الناس ومحاربة الدين وتغيير معالم الشريعة وهوية الأمة، وهذه متحققة في حفتر وربما وزيادة، ومعظم أنواع القتال التي سبق تعدادها هي ضد مسلمين كالباغي والممتنع عن الشعيرة ونحو ذلك.
  • أما النية فهي ليست مؤثرة على الحكم على الفعل بشكل عام، بل هي مؤثرة على فعل الشخص نفسه، فالقتال مشروع وجائز وهنا ينتهي التوصيف العام للفعل، كجواز البيع أو وجوب الصلاة، أما تحقيق النية فهي خاصة في الشخص نفسه فمن صلى الصلاة الواجبة ونيته الرياء والسمعة فليس بمصلٍ وعمله محبط، ومن جاهد للسمعة والرياء أو للمال فقط ولا يهمه نصرة حق ولا رفع مظلمة، فليس بمجاهد وأمره إلى الله سواء قاتل في ليبيا أو في سوريا أو على أكناف بيت المقدس أو في صف النبي ، ومن هنا استحضار البعض لمسألة نية القتال فقط في البحث وأنها من أجل الدولارات فقط، هي نقطة يتوجه بها للمقاتل ليصحح نيته، ولا تؤثر على أصل الفعل، فالنبي كان في جيشه من قال عنه ( هو في النار) وأثرت النية على الفاعل ولم تؤثر على أصالة وحقيقة القتال.
  • أما المصلحة من القتال وهذا ميدان دقيق ويحتاج لتضافر نظر ورؤى، وقد يكون كلامي قاصرًا لأنه غاية ما انتهى نظري وبحثي وسماعي إليه، وقد يكون دقيقاً، فأقول ما قررته سابقًا: إن أي قتال يقوي أعضاء الفريق هو قتال لصالح كل أعضاء الفريق فتقوية الجبهة في ليبيا هو قوة لنا في سوريا وقوة لتركيا، وتقوية القتال في سوريا هو قوة لليبيا ولتركيا، وأكبر برهان تأملوا كيف نام الناس ليلة الانقلاب في تركيا، فقد حبست الأنفاس وبلغت القلوب الحناجر في كل بلاد الربيع العربي، لأنهم علموا أن الخسارة في الجبهة التركية خسارة لكل الفريق ولكل الجبهات، وتأملوا كيف يراقب أبناء الربيع العربي الانتخابات التركية أكثر من الأتراك، وتأملوا لغة وخطاب الساسة الأتراك عندما تكون النتيجة قوية على الأرض في سوريا أو في ليبيا، لذلك المصلحة متحققة وبقوة، وهي كمصلحة جبهة الساحل عندما كانت تنتصر جبهة إدلب والعكس صحيح، ولكن لا بد لتتحقق المصلحة بشكل حقيقي وكلي وعام، من ضوابط، ومنها أن لا يؤثر ذلك على باقي الجبهات، كما أنه لا يجوز أن يترك أبناء الساحل جبهتهم ليقاتلوا في إدلب، ولا مانع لو جاء منهم من لا يؤثر على الجبهة، كذلك لا يجوز أن يذهبوا للقتال في الجبهة الليبية بشكل يتم فيه إفراغ الجبهة السورية، وأحسب أن هذه النقطة مأمونة الجوانب فيما اطلعت عليه، لأن الذهاب محدود بنسبة معينة وبعدد محدد وليس مفتوحًا على مصراعيه.

 

رابعًا: تساؤل محق

وهنا يتساءل البعض ولماذا لا تفتح معارك في إدلب غيرها والعدو يتقدم، بل نرى ركودًا، وأقول لابد من الانتباه إلى  حقيقة ما آلت إليه الثورة السورية، لم تعد الثورة السورية شعبية كما انطلقت ولا فصائلية كما كانت في مرحلة من المراحل، بل منذ سنوات ولعله منذ سقوط حلب دخلت المشاريع الدولية بوضوح وبدأت الدول تقاتل، وصارت باقي الفصائل من الثورة ومن النظام تدور في فلك الدول، وفصائل الثورة تدور في فلك تركيا فليس خافيا وليس سرا نبينه أن الفصائل اليوم كلها بلا استثناء تتقاضى راتبها من تركيا وأسلحتها ودعمها، بل وتركيا تدير كثيرًا من الجوانب المدنية كالأوقاف والمجالس المحلية والمشافي والتعليم وغيره، بمعنى أوضح صارت المعركة بين الدول والفصائل الثورية جزء من فريق دولي، وليس هذا عيباً ولا انتقاصاً بل عن نفسي أراه خيراً من الواقع الذي كانت عليه من قبل، ولا يعني أنه النموذج الأمثل الذي أتمناه، وحين يصبح الصراع بين الدول فتكون حساباته مختلفة عن حسابات الفصائل، كما اختلفت سياسة النبي مع قريش بعد صلح الحديبية عن سياسة أبي بصير، فالنبي يمثل سياسة الدولة وأبو بصير يمثل سياسة الفصيل، ولذلك المعارك في إدلب وغيرها صارت خاضعة لتفاهمات وحسابات دولية، ولعل هذه نقطة تشجع على إدراك أن القتال في جبهة أخرى تسمح بها قواعد اللعبة الدولية  كليبيا فرصة جيدة ومهمة لتحقيق مكاسب لباقي الجبهات، وأقول لمن يتألم لخسارة المدن وتهجير الناس وهو تألم محق ويتفطر له القلب، لا تعلق هذا على شماعة الحسابات الدولية فربما لولا هذه الحسابات لم يبق هناك شيء اسمه محرر على الإطلاق.

وهناك تساؤلات أخرى أعرضت عنها لأنها محض جدل ولا تأثير لها على القضية .

 

خامسًا: تعليق على كلمة مرتزقة

أرت أن أشير بمنشور سابق إلى أصل معنى الكلمة في اللغة وهو من طلب الرزق، فالارتزاق افتعال، من ارتزق بمعنى افتعل، وافتعل أي طلب الفعل، وارتزق أي طلب الرزق، وهو معنى لا شيء فيه.

وأردت أن أشير إلى أن بعض من يطلقه يقصد به أنهم يريدون المال، وبينت أن هذا إن كان مع النية الصحيحة فهو تشريك في النية وجائز وسبق في هذا المقال التعريج عليها.

أما المعنى الاصطلاحي الذي يستعمل في العرف ويقصد به من يقاتل لأجل المال دون هدف آخر له، ولربما لا يحمل قضية، فهو إن وجد في بعض أو كل من يذهب لليبيا فكما قلت سابقأ لا يؤثر على مشروعية الفعل بل على أجر الفاعل، ومن كان صادقًا في نصحه وغيوراً على أبناء بلده فعليه أن يساعدهم لتصحيح النية لا أن يحكم على ضلال القتال بأصله وحرمته، فهذا منهج خاطئ، ثم هي نية قلبية، هل شقوا القلوب فعلموا أن كل الذاهبين هذا قصدهم، إنني لأعلم أناساً أكرهوا على الذهاب لأنهم إن لم يذهبوا سيفصلون، وأعلم أناساً تتوسط لتذهب من أجل المال، فليس الكل سواء، وليس كل من نوى المال سواء فهناك من نواه مع نيته الصحيحة ولولا إيمانه بمشروعية وصحة الجهاد ما ذهب خطوة، وهناك من أراد المال فقط، فوصف الكل بصفة مرتزق افتراء وبهتان، ثم إن كان القائل فعلًا يريد الخير لأبنائه وأن لا يكونوا مرتزقة فالمعنى الذي يقصده موجود عند بعض من يقاتل في سوريا، فلكم سمعت ورأيت من يأتي لفصيل ينتسب له من أجل الراتب فقط، بل وبعضهم يشترط على قائد الفصيل أن لا يدخل في معارك حتى لا يموت ويضعه في عمل إداري، أوليس هذا ارتزاقًا؟ بل من يحمل السلاح ويقاتل مع قائده في بغي أو ظلم لأنه إن عارض قائده فصله وبقي بلا عمل، أوليس هذا مرتزقاً ؟ بل من يعمل في منظمة مدنية براتب  عشرين ضعف من راتب المجاهد ويشترط عليه أن لا يتدخل بعمل عسكري ولا ثوري فيقبل من أجل الراتب ويترك قضية شعبه أوليس هذا مرتزقًا؟؟ ومن يسكت عن الحق ويداهن حتى لا ينقطع رزقه ولا يهجر خارج البلد كما هُجِّر غيره وحتى لا تلوكه ألسنة السفهاء أوليس هذا مرتزقًا؟

فمهلاً يا قوم ما أكثر المرتزقة، فلماذا صببتم جام غضبكم على مرتزق دون مرتزق، وبعض مرتزقة ليبيا، والله حالهم كحال التي جاء وصفها في حديث النبي في الثلاثة الذين سدت الصخرة عليهم الغار ورضيت بالفاحشة من أجل لقمة عيشها، وقالت: ( ما أقعدني إلا الحاجة) ولا أشرعن لهم الارتزاق كما أن النبي لم يشرعن عمل هذه المرأة، بل أصف حالهم كما وصف النبي حال تلك المرأة، فهلا قام من يشتمهم بالارتزاق بدفع آجار بيوتهم أو تقديم مساعدة لهم، أعلم أن هذا لا يؤثر في الحكم الشرعي ولكنها كلمات لا بد منها فليس كل الناس يصلح خطابها بالمنطق العلمي.

 

أخيراً:

وأختم بأمور:

الأول: لا  ننكر وجود أخطاء في العمل الثوري عامة وفي سياسة الأخوة الأتراك في إدارة الملف، وهذا طبيعي فمن يعمل سيخطئ والذي لا يخطئ هو المعصوم، أو القاعد، ولربما بعض الأخطاء نكون نحن المخطئين في رؤيتها، ولكن لو سلمنا بوجودها فالخطأ في العمل والتطبيق لا يبيح ولا يجيز ترك المشروع والقضية، ولا يبيح التخوين والافتراء

والثاني: هذه رؤيتنا وتصورنا للنازلة والواقع، وهو رأي نراه صوابا ولا نبرئه من الخطأ، ومن خالف وقال بغير ذلك فنحترمه ونقدره، ولا يفسد الخلاف للود قضية، وهي كما بدأت نازلة، والنوازل ساحات اجتهادية من طبيعتها الاختلاف في الرأي، والواجب أن نتحلى بفقه الخلاف وأدب الخلاف.

الثالث: أقول لبعض المتذمرين من الواقع الحالي وممن يرى ضرر التدخل التركي ويرى بطلان القنال خارج سوريا ويرى خيانة كل هذا، سلمنا لك جدلًا بكل ما تقول فيا أخي أولئك قوم هذا ما أداهم إليه اجتهادهم في العمل وهكذا كانت حساباتهم، وأنت تفضل وقدم واعمل بما يراه اجتهادك فشمر عن ساعديك واجمع إخوانك الموافقين لك ودونك جبهات القتال، فكن أنت أبا بصير وأبا جندل، ولا تتذرع بأن تركيا لا تسمح أو غيرها من الفصائل، فهناك ألف نوع للجهاد ولو صح منك الهوى لم تعيك الحيلُ، وكما أقسمت لك سابقًا أقسم لك هنا سأساعدك بكل ما أستطيع وإن اختلفت في اجتهادي معك.

لكن جهادك الميمون هو على جبهات الفيس والتويتر فكل يوم تخوض غمار منشورين أو ثلاثة وتقتحم صفحة غيرك لتكتب فيها تعليقاً نوعياً بعملية انغماسية تنتهي بحظرك أو إغلاق حسابه، ولا تنسى قبل أن تنام أن تمارس هوايتك في الفتوى والتحليل السياسي وتوزيع صكوك الغفران أو شهادات تزكية أو ألقاب الخيانة والعمالة على غيرك ثم تخلد لشخير طويل. كأنك تقول:

الوتس والفيس والتغريد يعرفني          والشتمُ والسبُّ والتخوين والقرفُ
وصدق رسول الله ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )، وأعتذر ممن وافقهم في الرأي ولم يسلك مسلكهم فليس مقصوداً في الكلام .

الرابع: ما قيل عن ليبيا يقال عن غيرها ويقاس عليه، فإن تحققت الضوابط فهو مثلها وإلا فلا.

 اللهم هذا اجتهادي، ما قلته إلا لأبرئ ذمتي أمام من يسألني ليل نهار ليكون على بصيرة، ولأبين ما أراه حتى لا أكتم، ولولا حاجة الناس وكثرة المتكلمين من غير أهل الاختصاص ما  تكلمت، فإن أصبت فلله الحمد والمنة، وإن أخطأت فأرجو أن لا أحرم أحد الأجرين، ولكم تمنيت لو قامت بهذا جهات ومؤسسات علمية، لكن لها رأيها الذي نحترمه في التعامل مع النوازل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم.

 

كتبه الدكتور أيمن محمد هاروش