الثلاثاء 16 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

سفينة الروح

20 نوفمبر 2020، 05:52 م

.. كانت لحظات سكينة بعد زوبعة صراع مع الجسد المنهك، ثم تأمل هو أشبه بالغوص في قعر الذات.. هناك في أسفل سلم النفس الممتد عبر جبال من الشوائب، المنعرج عبر انزلاقات الهوى.. هناك حيث تصل إلى القعر لتسمع صداك وتواجه  نفسك بدون تجمل، متجردا من كل الأقنعة التي أجبرتك الحياة وأجبرت نفسك على ارتدائها لتعيش وتعتاش وتتعايش مع بقية الكائنات من فصيلتك ومن غير فصيلتك .. هناك وبعد إفراغ أكياس المبررات من مبرراتها، وفتح دفاتر الأكاذيب الظرفية والبعيدة والقصيرة المدى، و فرش نسيج حكايات الوهم التي كدت أنت نفسك تصدقها.. بعد تبادل الاتهامات بين أناك وأناك الأعلى وهو وهي.. وكل تلك المركبات الغريبة التي تكونك، بعد نقاش طويل.. تتنفس أنت وبقيتك نفسا حقيقيا نقيا  تحسه يتجول فيك ليطرد كل هواء فاسد اختلج أركان فؤادك فلوثه.. أنا وبقية أنايا لا شيء.. ضعفاء نكابر لنغطي ضعفنا بعنترية سابحة في النرجسية والحقيقة أننا لا شيء بدون ذاك الشيء الوحيد الحقيقي الذي يجعل منا شيئا له قيمة في عالم الموجودات.. الإيمان
.. أن تؤمن فتحس بيد العظمة تمتد إليك مرارا لتذكرك بأنك لست وحدك، ثم تضل الطريق فتشدك شدا إلى طريق الحق.. ثم تضل من جديد ومن جديد وتنكسر وتنتصر وتفرح وتحزن وتتفوق وتفشل.. َتضحك وتبكي وتحب وتبغض .. متغيراتك كثيرة لكن الثابت الذي يحميك ويحصنك ويقويك ويدعمك هو إيمانك..
.. حين تؤمن سيرسل لك الله إشارات تدلك على الطريق، رسائل تطمئن قلبك وقت الضيق.. أو توبخك لأنك ظلمت نفسك بذنب أو معصية.. أو تهديك فرحة لأنك عملت عملا صادقا لله.. سأحكي لكم موقفا ربما يكون بالنسبة للبعض عاديا لكنه بالنسبة لي في وقت حدوثه شيء كبير..
في اليوم الذي علمت فيه أني مصابة بورم للأسف من بلغني طبيبة من أولئك الذين حولوا المهنة المقدسة إلى تجارة رخيصة، جعلتني أظن أنه ورم خبيث يجب التخلص منه حالا.. "حياتك في خطر".. سيل من الأفكار تدفق بداخلي "كنت أعلم أني قد أقتل في رابعة، حاولوا اغتيالي من قبل.. أنا لا أخشى الموت.. لكني لست مستعدة له.. زادي قليل ولقاء ربي به يخجلني.. زادي قليل... هل هي النهاية أن أموت بأرض أخرى لوحدي بعيدا عن أهلي ووطني.. زادي قليل.. تطوعت من قبل في المستشفى لمساعدة مرضى السرطان الذين لا أهل لهم ورأيت معاناتهم وألمهم.. رأيت النور في أعينهم يخبو وكأن شعلة روحهم تنطفئ ببطء.. هل سأعيش هذا.. إن كنت كتبته لي ربي فامنحني  القوة لأواجهه.." وبينما أنا هائمة في حسرتي وجدت يدا صغيرة تمتد لتمسك يدي.. طفل صغير كان رفقة والدته أمسك يدي وهو يلاعبني ويسابقني ومشينا طويلا وهو يحدثني بلغة لم أفهمها ليس فقط لأني لا أجيد  التركية لكن لأن لسانه الفتي لا يزال يتعلم النطق، لم أفهم الكلمات لكنه كان حديثا ممتعا.. وصلنا لمفترق طرق فسحبته والدته المستغربة من تصرفه وافترقنا.. لحظات وأسمع خطوات متسارعة تلاحقني فاستدرت.. كان هو.. حضنني بشدة ثم نظر إلي بعيونه الواسعة التي  تعانقت الوان الفصول فيها لتجعلك تحس وأنت تنظر اليه أن كل شيء بخير.. ثم ابتسم .. وانصرف..
ربما بالنسبة للكثيرين هو تصرف متوقع من طفل صغير.. مجرد صدفة جميلة.. مجرد حكاية قد تحدث يوميا.. لكن بالنسبة لي كانت رسالة رحمة لأطمئن وأتذكر أن الذي نجاني من جنود السيسي وجنود النظام عندنا  ومحن الحياة لن يتخلى عني حتى وإن ابتلاني بالمرض فلعل المرض رحمة تستدرك ما فوته تقصيري وغفلتي وحماقاتي..
حين تؤمن .. لن تصلك فقط الرسائل بل ستحدث لك  معجزات قد لا يصدقها الناس لو حكيتها لهم.. ستكون لك علاقة خاصة بخالقك لا يعلم تفاصيلها إلا أنت وهو، وصدقني يا قارئ كلماتي أن أجمل شعور ستذوقه روحك هو شعورك في تلك اللحظات التي تعيشها لله.. مع الله، وصدقني إن روعتها في كونها تجردت من أي هدف فانٍ أو مادي وابتعدت عن عيون الخلائق لتكون لك وحدك مع ربك..
لن  تتوقف عن الأخطاء فذاك طبعنا نحن البشر ننسى و نخطئ.. لكنك ستهرع إلى ربك تائبا ومع الوقت ستدرب نفسك على الابتعاد عن الأخطاء وكلما زاد إيمانك قلت أخطاؤك.. وكلما قلت أخطاؤك اقتربت منك ، وحكمت روحك في جسدك ، لتكون ربان سفينة ذاتك وروضت النفس لتحولها إلى جندي في رحلتك لا قائدا لها ..
جسدك سفينة فانية لروحك وما أنت فيه الآن  مجرد رحلة للروح وسط عالم زائل لن  تحمل منها سوى عملك الطيب.. أتمنى لكم رحلة طيبة