عائشة صبري - آرام
تتعدّد الوسائل لإيصال رسائل الثورة السورية إلى جميع أنحاء العالم، فكان لحنجرة الشهيد عبد الباسط الساروت، وبندقية الشهيد حجي مارع، وأفلام وعد الخطيب، وصور الكثيرين من الإعلاميين، الوقع الكبير في نفوس الناس، بينما اختار، الفنان التشكيلي عزيز الأسمر، من جداريات مدمّرة مسرحاً يوصل به ما عجز عنه الآخرون.
وتجاوز عدد الجداريات التي زيّنها بريشته "الفريدة" في المناطق المحررة شمالي سوريا الثلاثمئة لوحة، لكلٍ منها حكاية وعبرة وهدف، يُحقّق الرسام ذو 48 عاماً مبتغاه فيها من خلال تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويعود الرسم الذي يتمتع به عزيز الأسمر، وفق حديثه لشبكة "آرام" إلى أنّه أقرب إلى الوراثة منه إلى التعلّم، قائلاً: "والدي يتقن الخط العربي وأخوالي رسامين أقاموا معارض للوحاتهم في العاصمة السعودية الرياض، وأنا سعيت جهدي لأطوّر هذه الموهبة الربانيَّة".
إيصال الرسائل
قبل أن يُباشر عمله بالرسم على جداريات إدلب، كان الرسام المنحدر من مدينة بنش بريف إدلب الشمالي ولديه ثلاثة أطفال، يعمل في العاصمة اللبنانية بيروت في دار للنشر، وحينها واكب الثورة برسومات على الورق تعبّر عن المظاهرات والاعتقال وأحلام الثائرين.
وعندما سنحت له الفرصة عاد إلى مدينته بنش ليشارك أهله معاناتهم، ويختار الجدران المدمّرة ليرسم عليها رسائل عن الثورة ومعاناة الشعب السوري، وعن إجرام نظام الأسد وحلفائه، وكانت الجدران المدمّرة كفيلة بإيصال الرسائل بشكل "أقوى وأسرع". حسب وصفه.
ويقول: إنَّ "الرسم يمكن توظيفه في إيصال الرسائل كما الكاميرا أو الصوت أو القلم، فالمهم هو الإخلاص للثورة وإيصال وجهها النقي، والدفاع عنها بكل الأسلحة المتاحة، والرسم أحد تلك الأسلحة".
وانتهى "الأسمر" من رسم آخر لوحة مساء اليوم الجمعة، وكانت من نصيب الطفلة الموهوبة سارة كيالي، التي نالت المركز الأول في الحساب الرياضي (الذهني) على مستوى العالم في الصين، وهي تقيم في بلدة حزانو شمال إدلب.
تأثير واضح
ويرى الرسام الثائر أنَّ رسوماته الجدارية المستمرّة منذ خمس سنوات بما تضمنته من أفكار ثورية وسياسية وشعبية واجتماعية وأفكار عن الصمود والأمل، لها "تأثير واضح" وخاصة على فئة الأطفال الذين كانوا يشاركون معه في التلوين وإبداء الأفكار، ولاسيَّما فيما يتعلّق بالعلم والقيم الإنسانية التي تُرسم على جدران مدارسهم.
ويعلّم الأطفال الرسم من خلال تزيين جدران المدارس والروضات برسومات عن العلم والتربية والنظافة والوقت والترتيب، وقد زين معظم مدارس بنش وبعض مدارس المناطق المحررة بتلك الرسومات، مضيفاً: "كنا نلبّي قدر استطاعتنا دعوة المعلمين لتزيين مدارسهم".
وينوّه "الأسمر" إلى أنَّ تزيين المدارس هو نشاط يعتبره "واجبه ورسالته" دون تقاضي أجر مادي، بينما يلبّي احتياجات أسرته من خلال عمله بطلاء المنازل ورسم الإعلانات على أبواب المحلات التجارية.
مهرجانات دولية
لم يشارك "الأسمر" في مسابقات دولية بعد، لكنّه شارك بـ"رسومات عن قضيتنا" في مهرجان باريس الذي انعقد في التاسع من الشهر الجاري، سبقها مشاركته في أنشطة لجامعة ألمانية، وفي عدد من الأفلام الوثائقية.
وحول ما يواجهه الرسام من انتقاد سلبي ورأي مغاير للمعجبين بفنّه، يوضح أنَّه من الطبيعي أن يواجه انتقادات ونصائح وآراء أخرى لا توافقه في الأفكار والرسومات، معتبراً هذا الأمر "عادي" ويستفيد منه ليُطوّر رسوماته.
ويستدرك، "لكن ما كان يحزّ في نفسي أن يشتمني البعض، ويجرح شخصيتي، مع أنَّ الهدف من الرسومات هو فضح جرائم النظام وتكذيب افتراءاته بأنّنا إرهابيين".
ويضيف، "حاولنا تصحيح الصورة عالمياً، والتوضيح بأنَّ ثورتنا ثورة فكر، وفيها علم وثقافة وإبداع وإنسانية، وقد أوجعت رسائلنا النظام كثيراً".
اقرأ أيضاً: "آرام" ترصد الوضع المعيشي بمناطق نظام الأسد
ويواكب "الأسمر" عبر جدارياته كلّ القضايا الإنسانية والمفصلية العالمية، وقد انتشرت على معظم الوكالات والمحطات والصحف العالمية كان آخرها لوحة للفتاة اليابانية المختطفة ميغومي يوكوتا، والتي نشرتها شبكة التلفزيون اليابانية "أساهي" في نشرتها الإخبارية يوم 16 تشرين الثاني الفائت، وكان لها تأثير كبير بلفت نظر اليابانيين لجرائم الأسد.
كما نشرت معظم الصحف العالمية المهمة لوحة لاعب كرة القدم الأرجنتيني "مارادونا"، إذ أحدث نشر الرسمة على موقع "برشلونة نيوز" جدلاً واسعاً وتفاعلاً بين المتابعين، سبقها رسمة طبيب الغلابة المصري محمد مشالي، التي لاقت صدىً كبيراً.
ويذكر أنّه بدأ برسومات عن القضية الفلسطينية، والطالبة الفرنسية مريم بوجيتو، والرئيس المصري محمد مرسي، والصحفي جمال خاشقجي، والمصور الفلسطيني معاذ عمارنة، إضافة إلى شخصيات معروفة مثل: المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والأمريكي جورج فلويد، والشيخ الأندنوسي، والرئيس الفرنسي ماكرون، مع مواكبة جائحة "كورونا"، وغيرها من القضايا.
ويختم حديثه معنا بأنّ الرسام والنحات، أنيس حمدون، الذي يملك خبرة سنوات طويلة في هذا الفن، يشاركه في كثير من لوحاته، ويجتمع معه ومع عدد من الشعراء والرسامين والنحاتين والإعلاميين، في مرسم متواضع بمدينة بنش، لمناقشة الأفكار والقضايا والرسومات.
شاهد إصداراتنا