الثلاثاء 23 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

التَّرِكَةُ السُّوريَّة لـ"بايدن"

18 ديسمبر 2020، 02:17 م
التركة السورية لبايدن
التركة السورية لبايدن

فراس العرودكي

كاتب سوري

18 ديسمبر 2020 . الساعة 02:17 م

بقي ما يقارب الشهر حتى يستلم جو بايدن منصب الرئاسة ليكون الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، وليرث سياسات خارجية متضاربة وخيارات صعبة في منطقة الشرق الأوسط.

سورية هي إحدى الملفات التي جعلت رأس باراك أوباما يشيب كما صرح مسبقاً، وهي التي أحدثت مشاكل كثيرة للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب لتكون إحدى العقد التي على الرئيس الجديد حلها.

ففي استعراض مختصر، فشلت إدارة الرئيس أوباما في تكوين استراتيجية واضحة منذ اندلاع الثورة السورية وكان موقفه سلبياً تجاهها على الرغم من إدانته لقمع نظام الأسد للمتظاهرين السلميين وقصف شعبه بشتى أنواع الأسلحة خاصة المحرمة دولياً.

بل تنازلت إدارة الرئيس أوباما عن سورية وغضت الطرف عن تدخل الميليشيات الإيرانية، حتى يقوم أوباما بإنجاح الاتفاق النووي مع إيران، ويكتب اسمه في التاريخ بأنه الرئيس الذي "أوقف" البرنامج النووي الإيراني.

وحتى تزيد هذه الإدارة "الطين بلة" وتعقّد الأمور أكثر وأكثر، استخدمت الميليشيات الكردية المعروفة بميولها الانفصالية، والتي لها علاقة عضوية مع حزب العمال الكردساتني (PKK) المدرج على لائحة الإرهاب في أمريكا وتركيا وغيرها من الدول، وكوّن منها ما يعرف اليوم بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) شرق نهر الفرات.

حدث هذا في وقت بدأ فيه نظام الأسد بشن هجماته على حلب الشرقية التي كانت تسيطر عليها الفصائل المعارضة لنظام الأسد بمساندة روسية لتبدأ حملات التهجير تباعاً في مناطق أخرى في عهد الرئيس الأمريكي اللاحق دونالد ترامب.

لم تضع إدارة ترامب، هي الأخرى، استراتيجية واضحة لسورية ولكن موقفها كان على الأقل أكثر تشدداً تجاه إيران ونظام الأسد، فعندما قصف الأخير منطقة خان شيخون جنوب إدلب بالكيماوي، لم يتأخر رد ترامب بقصف أماكن عسكرية ليدمر 20% من القوات الجوية التابعة للأسد.

خروج ترامب من الاتفاق النووي مع إيران ووضع عليها عقوبات اقتصادية والموافقة على قانون قيصر كان لهم أثر فعال في تخفيض مساهمة إيران في العنف في سورية، وعلى الرغم من عدم وجود استراتيجية واضحة كما ذكرنا إلا أن ترامب قام بفعل عكس ما فعلته إدارة أوباما، فخروج الميليشيات الإيرانية من سورية كان إحدى الشروط لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.

على صعيد علاقات أمريكا مع الدول المتدخلة في الملف السوري وخاصة تركيا، علاقة ترامب معها كانت عبارة عن احتوائها وتفهم مشاكلها والسماح لها بعمل تدخلات محدودة ضد قسد. هذا الأمر كان مقروناً برؤية ترامب بسحب كل جنوده من سورية لتتغير وتصبح منع إيران وروسيا والأسد من السيطرة على حقول النفط.

مع خسارة ترامب للانتخابات في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وعلى الرغم من رفضه للنتائج على العلن، فقد تحرّر من القيود التي تربطه وقام بإنزال عقوبات قاسية جداً على النظام الإيراني وشركائه وميليشياته في المنطقة في محاولة لتعقيد موقف الرئيس المقبل وإرباكه عندما ينوي العودة إلى الاتفاق النووي.

اليوم، يقف الرئيس الأمريكي المُنْتَخَبْ جو بايدن أمام "تَرِكَة ثقيلة جداً في سورية"، منها ما صنعته يداه ومنها ما صنعه خصومه له. فمن جهة، يعترف مقربون من إدارته الجديدة أن إدارة أوباما ارتكبت أخطاء جسيمة في سورية حسب تصريح المرشح لمنصب وزير الخارجية أنتوني بلينكن.

ومن جهة أخرى، يريد بايدن العودة للاتفاق النووي الذي سيمطر على إيران أموالاً تحتاجها لوقف نزيف اقتصادها المهترئ الذي تأثر بالعقوبات وتجميد الأموال ولاستكمال عملياتها التخريبية في سورية والعراق واليمن ولبنان.

تعديل الاتفاق النووي لن يكون مهمة سهلة إن كان بايدن يريد استثمار العقوبات التي وضعها سَلَفُه، فإيران نجحت في تحقيق مرادها من الاتفاق الأصلي، فلماذا ترضى بتعديله إن لم يكن لمصلحتها؟ كما أن موقف الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق ليس مشجعاً حتى تضغط على إيران ولا يرون مشكلة في عدم ربط الاتفاق مع الملفات الأخرى في المنطقة.

أما على صعيد العلاقة بين بايدن وتركيا، وهنا مربط الفرس، فهناك احتمال كبير بحدوث توتر ينعكس سلباً على الأرض في سورية. بايدن الذي كان نائباً للرئيس في عهد أوباما لم يعطِ أي اهتمام لمخاوف تركيا من شراكة بلاده مع حزب العمال الكردستاني.

كما أن إدارة أوباما لم تعط تركيا هامشاً لتكوين نفوذاً ميدانياً في سورية، وهذه الإدارة وصفت محاولة الانقلاب في تركيا بأنها "ربيع تركي!"، وفي تصريح لبايدن أمام صحفيين في أواخر العام 2019 أبدى استعداده للمساعدة في دعم المعارضة التركية ضد حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردوغان.

وفي موقف مفاجئ ولكنه بديهي، قام ترامب بتوقيع عقوبات بسيطة جداً على تركيا لشرائها منظومة المضادات الجوية S-400 من روسيا ولكن مع استلام بايدن للرئاسة، من الممكن رفع مستوى هذه العقوبات بشكل مؤثر جداً لتجعل تركيا تنكمش على نفسها مرة أخرى وتَحِدّ من نفوذها في المنطقة. يَتَسَلَّمُ بايدن الرئاسة لِيَمُدُّ يده ويتصالح مع الحلفاء الأوروبيين حيث أن هذه المصالحة ستكون حتماً موجهة ضد تركيا ومشاريعها التوسعية.

فاليوم، حتى إذا أرادت تركيا القيام بعمليات عسكرية في سورية، ستواجه معارضة شديدة اللهجة من الأوروبيين الذين سيستقوون بالرئيس الجديد الذي بيده زيادة جرعة العقوبات حسب قانون "كاتسا". قد يكون لدى تركيا نافذة ضيقة لا تتجاوز الشهر لتوسيع مناطق نفوذها ونفوذ المعارضة السورية لحين استلام بايدن للسلطة لأنها بعد ذلك ستواجه معركة شرسة احتمالية خسارتها كبيرة جداً.

من المبكر الحكم على سياسة بايدن تجاه سورية اليوم وقبل تشكيل فريقه الذي سيدير رؤية الإدارة نحوها، ولكن من الصعب التفاؤل في ظل وجود علاقات متوترة مع من يساند المعارضة السورية على الأرض وفي ظل نية لتخفيف الضغط على من يريد إبقاء نظام الأسد.

هذه الإدارة قد تعيد الثورة السورية أربعة أعوام للوراء أو أسوأ من ذلك (وهو مغالاة وبالتالي أمر مستبعد) بإعادة الأوضاع في البلاد إلى ما قبل الثورة نفسها بالقضاء عليها تماماً، وتسليم المناطق لنظام الأسد مع إحداث تغيير شكلي إرضاء للمجتمع الدولي. الأمر برمّته مرهون بما يريده الرئيس الجديد الذي له صلاحية شبه مطلقة في السياسة الخارجية. 

اقرأ أيضاً: سوريون يغردون .. "عدالة انتقالية لا تصالحية يا بيدرسون"

شاهد إصداراتنا