الأربعاء 03 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

كيفَ نَقرَأ ونُحَلِّل المُوازَنَة السُّوريَّة الجَدِيدَة..؟

25 ديسمبر 2020، 05:22 م
كيفَ نَقرَأ ونُحَلِّل المُوازَنَة السُّوريَّة الجَدِيدَة..؟

يحيى السيد عمر

كاتب سوري

25 ديسمبر 2020 . الساعة 05:22 م

أصدر رئيس النِّظَام السُّوريّ قرارًا باعتماد مُوازَنَة الحكومة بقيمة 8,500 مليار ليرة سوريَّة، وتأتي هذه المُوازَنَة في ظروف اقتصاديَّة استثنائيَّة، فما حقيقة هذه المُوازَنَة؟ وكيف يمكن قراءتها وتحليلها اقتصاديًّا؟

تُعتبَر مُوازَنَة عام 2021م الأضخم في تاريخ سوريا من ناحية قيمتها بالليرة السُّوريَّة، والمتتبِّع لتاريخ المُوازَنَة السُّوريَّة في السّنوات السّابقة يجد أنّها تزداد بوتيرة متسارعة منذ عام 2011م، فمُوازَنَة 2011م بلغت 835 مليار ليرة، بينما المُوازَنَة الحالية تبلغ 8,500 مليار، أي بزيادة تبلغ 10 أضعاف مُوازَنَة 2011م، وذلك من ناحية قيمتها بالليرة السُّوريَّة، فهل هذه الزيادة حقيقيَّة؟ وكيف يمكن فهمها؟

أدَّت الأزمة السُّوريَّة لخسارة النِّظَام السُّوريّ لـ 83% من موارده الماليَّة، فالإنتاج النفطيّ تراجع من 386,000 برميل يوميًّا إلى 22,000 برميل يوميًّا، فغالبيَّة النفط بيد "قسد"، بينما لا يسيطر النِّظَام إلَّا على 22,000 برميل ينتجها من ريف حمص الشرقي، إضافةً لتراجع الإنتاج الزراعيّ لا سيّما القمح، وتراجع الإنتاج الصناعيّ والتّصدير، وزيادة فاتورة الاستيراد، فاقتصاد النِّظَام خسر غالبيَّة موارده وأصبح يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على مساعدات الحلفاء وعلى التمويل بالعجز.

تعاني سوريا من نشاط اقتصاد الحرب؛ فبعض الموارد باتت تنتهي في جيوب الميليشيات التابعة للنِّظَام، لا سيّما العوائد المتحصّلة عن التهريب وإتاوات الحواجز، وغيرها؛ فهذه العوائد لا تدخل في المُوازَنَة، بل تُستخدم في تمويل أنشطة الميليشيات.

المُوازَنَة السُّوريَّة تشهد ارتفاعًا مضطردًا في قيمتها بالليرة السُّوريَّة نتيجة التَّضَخُّم، فلا يمكن القول في ظل تراجع الموارد: إنَّ المُوازَنَة في نموٍّ، فالحقيقة أنّها في ضمورٍ، وهي مُوازَنَة انكماشيَّة، فالمُوازَنَة الحاليَّة وفقًا لسعر صرف السُّوق السوداء تبلغ 2,8 مليار دولار، بينما مُوازَنَة عام 2011م بلغت 16,7 مليار دولار، لذلك يمكن القول بأنَّ مُوازَنَة 2021م أكبر بعشرة أضعاف من مُوازَنَة 2011م من ناحية قيمتها بالليرة السُّوريَّة، إلَّا أنَّها أقلّ منها بالدولار بنسبة 84%.

التَّضَخُّم المرتفع في سوريا والبالغ مستويات غير مسبوقة انعكس زيادة في القيمة الرقميَّة للمُوازَنَة، وهو الأمر الذي انعكس بدوره على تفاصيل المُوازَنَة، لذلك يمكن القول: إنَّ النظرة الاقتصاديَّة لهذه المُوازَنَة تَشِي بالواقع الاقتصاديّ المتردّي للنِّظَام.

إنَّ سعر صرف الليرة السُّوريَّة يعاني من انخفاضٍ مستمرّ منذ عام 2011م، وهذا ما يُؤثِّر على القيمة الفعليَّة للمُوازَنَة، ففي كلّ عام تخضع الليرة لتَراجُعٍ جديدٍ، وفي العام الحالي تعاني الليرة من مشكلة جديدة، وهي تعدُّد أسعار الصرف؛ فالسوق السوداء 2,900 ليرة، بينما سعر المركزي 1250 ليرة، وسعر تصريف البدل العسكري 2550 ليرة، إلَّا أنَّ السعر الحقيقيّ هو سعر السوق السوداء.

المُوازَنَة السنويَّة تُعتبر من المؤشِّرات الاقتصاديَّة المهمَّة في الدُّول، إلَّا أنَّها تفقد أهميتها في سوريا، فهي حاليًا 2,8 مليار دولار، إلَّا أنَّها قد تنخفض خلال الشهور القادمة كنتيجة لتدهور قيمة الليرة، فهذه المُوازَنَة ليست ثابتةً، بل متغيرةً تبعًا لواقع الليرة، ولذا لا تُعتَبر مُؤشِّرًا اقتصاديًّا حاسمًا.

تدلّ المقارنة بين القيمة الحقيقيَّة في المُوازَنَة بين العام الحالي و2011م إلى تراجُع الإنفاق الحكوميّ على الفرد بنسبة 70%، إلَّا أنَّ هذه المقارنة ليست صحيحةً بالمطلق؛ وذلك لأنَّ عدد الأفراد الذين تنفق عليهم حكومة النِّظَام قد انخفض بشكلٍ واضحٍ، ففي عام 2011م كانت تنفق على 23 مليون فرد إلَّا أنَّها حاليًا لا تنفق إلا على الأفراد ضمن نطاق سيطرتها، وبالتالي فقيمة الإنفاق على الفرد أكثر من 70%.

إنَّ تفاصيل المُوازَنَة السُّوريَّة تنطوي على أرقام ضخمة، وهنا قد يتساءل السُّوريُّونَ: هل ستنعكس هذه الأرقام على واقعهم المعيشيّ، لا سيّما في ظلّ التردِّي الاقتصاديّ وشُحّ الموارد والطوابير الضخمة على الخبز والغاز والخدمات الرئيسة، فالرقم المخصَّص للمشتقات النفطيَّة 2,700 مليار ليرة، والخبز 700 مليار، والكهرباء 1,800 مليار.

إنَّ الأرقام السَّابقة لا تعكس حقيقة الحاجة السُّوريَّة، فعلى سبيل المثال تبلغ فاتورة استيراد القمح 400 مليون دولار، بما يعادل 1,200 مليار ليرة، بينما الرقم المخصَّص في المُوازَنَة 700 مليار، والأمر ذاته ينسحب على باقي تفاصيل المُوازَنَة، وبالتالي يُتوقَّع أن تشهد الخدمات الأساسيَّة تراجعًا واضحًا.

تُعتبر العقوبات الأمريكيَّة على النِّظَام السُّوريّ عاملًا ضاغطًا على المُوازَنَة، فمن شأن هذه العقوبات رَفْع فاتورة الاستيراد نتيجة التكلفة الزائدة للالتفاف على العقوبات، ناهيكَ عن تأثيرها السلبيّ على قيمة الليرة، وبالتَّالي انخفاض قيمة المُوازَنَة الفعليَّة، وهذا ما يُضْعِف قيمة المُوازَنَة كمُؤشِّر اقتصاديّ؛ كونها خاضعةً للتذبذب.

تُمثّل نسبة الإنفاق الاستثماريّ القيمة الأدنى في موازنات سوريا، فنسبة الإنفاق الاستثماريّ في المُوازَنَة تبلغ 18%، وهذا يُوضِّح بشكلٍ جليٍّ أنَّ غالبيَّة المُوازَنَة مُوجَّهَة للإنفاق الجاري، وهذا ما يُؤكِّد حاجة النِّظَام لغالبيَّة موارده في تأمين الحدّ الأدنى من الخِدْمَات، وبالتَّالي فتمويل إعادة الإعمار استُبْعِدَ في المدى المنظور.

ختامًا: لا بُدَّ من توضيح قيمة المُوازَنَة الحاليَّة بالمقارنة مع الأعوام: 2020م، 2019م، 2018م، 2011م، وتوضيح قيمتها بدولار السوق السوداء، وبذلك تتَّضح الصورة المتعلِّقة بواقع المُوازَنَة الحاليَّة:

2011

835 مليار ليرة

16,7 مليار دولار

2018

3,187 مليار ليرة

6,9 مليار دولار

2019

3,890 مليار ليرة

7,7 مليار دولار

2020

4,000 مليار ليرة

4,3 مليار دولار

2021

8,500 مليار ليرة

2,8 مليار دولار