الثلاثاء 16 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

الديكتاتور الشجاع.. والديكتاتور الجبان!

22 ابريل 2021، 11:57 ص

صحيح أنها كانت لسنوات، أو لعقود طُرفةً مُضحكة في سورية والعالم العربي تلك الكلماتُ لنهاد قلعي "حسني البورظان": "إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا فعلينا أن نعرف ماذا في البرازيل"؛ إلا أن الواقع السوري خلال عشر سنوات قامت فيه شواهد كثيرة على اجتماع خيوط وعُقد كثيرة خارج سورية تفرض نفسها عبر الفاعلين الدوليين للتوافق فيما بينهم على الحل في سورية؛ ونحن – السوريين - "شاهد ما شافش حاجة".

وبعيداً عن طلاسم المؤامرة والتِّيه في دهاليز التحليل السياسي لإقامة روابط أو التنبيه عليها بين أحداث في الشرق والغرب تتراءى ظلالها في حقول النفط والفوسفات وعلى شواطئ الموانئ والطرقات في سورية نتجاوز الحدود؛ لا حدود بلدنا هذه المرة، بل حدود قارة آسيا كلها، لنصل القارة السمراء ونشاركها الأفراح أو الأحزان لمقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي!

مع فارق كبير يظهر في خبر مقتل الديكتاتور التشاديّ وهو أنه قُتل على جبهات القتال، حتى أُطلق عليه وصف الديكتاتور الشجاع، وفي تفاصيل سيرته ما يثبت شجاعته رغم ديكتاتوريته؛ ليعظم أسف السوريين بالديكتاتور الذي اغتصب السلطة عندهم أنه جبان رِعديد، ضحّى بمئات الآلاف من أبناء طائفته قبل غيرهم، دون أن يظهر على جبهة يوماً إلا بعد انتهاء المعارك، ليضحك ببلاهة فوق الأنقاض والدماء، حتى صار مثار السخرية داخلياً وخارجياً؛ بل إن أمنَه الخاص تشترك فيه دولتان خارجيتان على الأقل؛ فلا عجب أن يُهزأ به في لقاء سيده الديكتاتور الأكبر "بوتين" ويُعامل كأجير جبان يقف في الصف خلف أسياده، وأن يُستدعى إلى طهران للقاء وليّه خامنئي ويُعاتب بشدة لتقديمه الروس ببعض الأمور؛ ليقع الديكتاتور الهزيل بين شركائه المتشاكسين!

لكنّ هذا الفارق لا يُلغي نقاط التوافق؛ فنِظرة غير عميقة في سيرة "ديبي" تكفي القارئَ السوريَّ ليتذكر وهو يطالع سيرته "النضالية" مسيرة قائد "الحركة التصحيحية" الهالك حافظ الأسد، ومن بعده ابنه الديكتاتور بشار!

فأول خطوة لديبي لاغتصاب السلطة أنه انقلب على رفيق دربه "حسين حبري" الذي سلّمه قيادة الجيش، فجاء على ظهر الدبابات بانقلابٍ أطاح بزملائه وبالحكم المدني، ليفرض حكماً عسكرياً يتزعّمه؛ ثم يشرعن انقلابه بانتخابات بقي يفوز فيها لثلاثين عاماً؛ كما فعل حافظ الأسد بتصفية مَن عيّنوه أولاً، ثم بأكل مَن ساعدوه، ثم بتحليل انقلابه بانتخابات وهمية في ظل دولة بوليسية حكمت البلد لعقود متتالية بالحديد والنار! فهذا ديدن المستبدّين ينسفون الشرعية، ثم لعجزهم عن تحقيق شروطها يخترعون شرعية تناسبهم، يفرضونها على الشعوب بالقوة على أنها أسمى ما يمكن من الحرية والديمقراطية!

ومن طريف الموافقات أن "ديبي" و"حافظ" كلَيهما استمدّ قوته من القوة الجوية، وبدعم وتوجيه من متزعّمي الحرية؛ فكلاهما ثمرة خبيثة من تربية راعية الاستبداد وسليلة الإرهاب "فرنسا" قبل غيرها. ولا يخفى أن الدعم الخارجي هو الذي أسّس للحكم الطائفي في سورية منذ السبعينيات، وأن الدعم الخارجي هو الذي منعَ سقوط حكم الديكتاتور الجبان؛ وفيما سُرّب عمداً من استجداء بشار الروس وتوسّله بهم ما يكفي!

وكلاهما هوَى باقتصاد البلد حتى الحضيض؛ مع وفرة الخيرات فيهما، وانتشر الفساد حتى نخر مفاصل الدولة كلها، وتحولت المكاسب الاقتصادية والفرص الدولية لدعم الاقتصاد التشادي لتعزيز أركان الاستبداد؛ في تكرار لتجربة الأسد في سورية وقد اقتسم ثروة البلد مع أخيه، وحُرم السوريون من عوائد النفط وغيره؛ لتنزل في حسابات العائلة المجرمة في البنوك الخارجية لعقود، وما زال السوريون الواقفون في طوابير لا يُرى آخرها للخبز والمازوت يشاهدون أبناء عائلة الأسد كيف ينعمون على حسابهم!

وفي سيرة الديكتاتور "ديبي" أنه اغتنم الفرصة لفرض نفسه على المجتمع الدولي للتعاون ضد إرهاب "بوكو حرام"، وكأنه بشار الأسد يحاضر في محاربة إرهاب داعش والقاعدة ويطلب مشاركة التحالف الدولي لكسب الشرعية، وللنجاة من تهمة الإرهاب وجرائم الحرب التي تلبّس بها لسنوات ضد الشعب السوري! ولا عجب أن يستجدي بشار الدول ليشرعن حكمه الديكتاتوري؛ لكنّ العجب من دول تصدّقه وتتعامَى عن جرائمه وهي تدّعي الحرية ودعم نشر الديمقراطيات!

وفي خبر مقتل "ديبي" محطتان أُخرتان تُعيداننا إلى سيرة الديكتاتور حافظ ووريثه الديكتاتور الهزيل بشار؛ فأما الأولى فمع خبر مقتل الرئيس التشادي أن الذي تسلّم الحكم المؤقت هو ابنه "الجنرال محمد كاكا"، وهو "جنرال" وإن كان من عُمره 36 سنة! فباسل الأسد جمع قبل هلاكه جملة ألقاب في سطرين أو ثلاثة، مع سلطات لم تكن لوزير ولا لرئيس أركان، وحين استدعوا بشار الأسد لتوريثه السلطة انتقل في أيام من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية، وترقّى في المراتب على شكل لا يكون إلا في ظل حكم استبدادي ديكتاتوري، بل وعدّلوا في دقائق دستور البلاد ليكون على مقاسه؛ فلم يُعلنوا هلاك حافظ الأسد حتى أنجزوا كامل الديكور المطلوب للديكتاتور، حتى جاءت العجوز الأمريكية لتعميده بعد ذلك ومباركة حكمه!

وللأمانة فهذا عامّ في بلداننا العربية؛ فأكثر الزعماء أعدّوا أبناءهم وجهّزوهم لاستلام الحكم من بعدهم، ولست أعني أنظمة الحكم الوراثية فهي قائمة على ذلك، بل أعني التي تدّعي الجمهورية والانتخابية، في ظاهرة تستحق البحث تحت "الاستبداد الجمهوري الانتخابي"!

وأما الثانية فهي أن الذين أعلنوا الجنرال ابن الرئيس "ديبي" زعيماً للحكم الانتقالي هم كبار الضباط والقادة الذين حكموا تشاد مع "ديبي" وأعانوه؛ في صورة تستدعي للأذهان كبار المجرمين المحسوبين على الغالبية السنّية في سورية، وهم مَن أعانوا "حافظ" في حكمه الإجرامي، وختموا ولاءهم وعبوديتهم للديكتاتور الأب بترتيب انتقال سلس للسلطة إلى الديكتاتور الابن، بعد تطويع الدستور ليناسبه؛ فجاء توريثاً للحكم ولكن بقالب جمهوري دستوري في مبنى البرلمان!

وفي هذه الموافقات الكثيرة في السيرة بين "ديكتاتور شجاع" و "ديكتاتور جبان" رغم المسافات الشاسعة بين البلدَين، والفوارق العديدة بين الشعبَين، وكذلك فوارق جزئية بين الحاكمَين؛ في القواسم المشتركة التي مرّت تأكيد أن الاستبداد ظاهرة مرَضية تُفسد حياة الأمم وتُخرّب الدول، وهي ظاهرة قديمة يتغير لَبوسها وتتطور أدوات الإجرام والديكتاتورية فيها، وأن دولاً تدّعي الحرية ورعاية الديمقراطية تدعم في الوقت ذاته حكّاماً مجرمين تسلّطهم على رقاب الشعوب، لتستمرّ في جني المكاسب الاقتصادية والأمنية، بل وتدافع عنهم وتمدّهم بما يُعينهم على استمرار استبدادهم وترسيخ حكمهم الديكتاتوري؛ ولن تتدخل ضدّه إلا أن تجد خيراً منه في خدمتها وتأمين مصالحها.

على أن إنهاء الاستبداد كما تشهد الساحة الدولية يأخذ أحد اتجاهَين؛ فإما أن يأكل المستبدّون بعضهم وينتقل الحكم من استبداد لآخر، وإما أن تنهض الشعوب فتخرب على المستبدّين ورُعاتهم خططهم وأحلامهم، وتطرق باب الكرامة والحرية مهما كلّفها من الدماء، وما أجمل قول أحمد شوقي في مواساة دمشق عند العدوان الفرنسي عليها:

وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ ......... يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحقُّ
 

وللحريّة الحمراء بابٌ.......…بكلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدقُّ