الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

حزب البعث العربي الاشتراكي مبادئ التأسيس وانحراف المسارات

06 مايو 2021، 07:45 م
حزب البعث.jpg
حزب البعث.jpg

حسين طالب

كاتب صحفي سوري

06 مايو 2021 . الساعة 07:45 م

"أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"

شعارات يلقّنونها لأطفالٍ أبرياء، يلقبونهم بـ "طلائع البعث"، يهتفون بما لا يفقهون، ليكبروا وفي قلوبهم هيبةَ أو رهبَةَ حزب البعث.

"الرفيق الطليعي ... كن مستعدًا لبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد والدفاع عنه ... مستعدًا دائمًا"

لطالما رددنا هذا الشعار الذي يشبه القَسم، رافعين ذراعنا اليمنى مشدودة كذراع هتلر، لنتعهد باستعدادنا للدفاع عن شيء نجهله.

مستعدٌ دائمًا ... للدفاع عن وطن لا يتّسع إلا للبعث، لا يعرف من الوحدة إلا اسمها، ولا من الحرية إلا قمعها، والاشتراكية عنده هي (حكم القائد إلى الأبد).

حزب البعث العربي الاشتراكي.. مبادئ التأسيس وانحراف المسارات

"نحن فلاح وعامل وشباب لا يلين ... نحن جندي مقاتل نحن صوت الكادحين"

"فلاح وعامل" ... بالفعل هذا هو حصل؛ ففي السابع من نيسان عام 1947 وفي المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي، حضر فلاح واحد وعامل واحد فقط، من أصل 217 مندوبًا، معظمهم من المثقفين والجامعيين، تبنوا مفهوم البعثية، أي النهضة والصحوة، التي تدعو إلى توحيد الوطن العربي في دولة واحدة، متحررة من أي قيد غيرِ عربي، تقوم على الاشتراكية اللاإمبريالية.

اتخذ البعث شعار: أمةٌ عربية واحدة ذات رسالة خالدة، ولخص أهدافه بـ (الوحدة والحرية والاشتراكية).

تحت ظلال هذه الصورة الجميلة، مضت سبعة عقود ... بدأت بمفهوم الثورة التي قام بها ضباط بعثيون انقلبوا ضد الاستبداد، ليكونوا رموزًا للاستبداد والإجرام معًا ... ظاهرة بدت باهتة في أغلب الدول العربية، التي فتحت أبوابها لحزب البعث كالأردن ولبنان والسودان واليمن وتونس وموريتانيا ... عدا سوريا والعراق قطبي حزب البعث العربي الاشتراكي.

أولى الأهداف الفاشلة

(المسيحي) ميشيل عفلق، و(المسلم السني) صلاح بيطار، مع أبتاع (العلوي) زكي الأرزوسي، أسس كل هؤلاء حزب البعث العربي، في السابع من نيسان عام سبعة وأربعين، والذي اندمج سنة اثنيتن وخمسين بالحزب العربي الاشتراكي، الذي يقوده أكرم الحوراني، ليتشكل حزب البعث العربي الاشتراكي، وبعد عامين فقط أصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان السوري، واستطاع مع الحزب الشيوعي السوري، تحقيق أول أهدافه في الوحدة مع مصر، منشئين الجمهورية العربية المتحدة، تحت قيادة جمال عبد الناصر سنة ثمان وخمسين، مقابل حلِّ حزب البعث على يد مؤسسه عفلق، بطلب من عبد الناصر ... وهو ما لم يرق لكثير من البعثيين، وعلى رأسهم الضابط المبتعثُ للتدريب في القاهرة، حافظ الأسد.

عقد المؤتمر الوطني الرابع في أغسطس سنة إحدى وستين، الذي انتقد قيادة عفلق وبيطار، ودعا إلى إعادة تأسيس الفرع القُطري السوري، والتقليل من التزام الحزب بالقومية العربية، وفي الشهر التالي أعلن العقيد عبد الكريم النحلاوي انقلاب البعث على الوحدة، وإعلان الجمهورية العربية السورية، ليفشل الحزب أمام أول هدف من أهدافه في الوحدة على مستوى دولتين فقط، فكيف لو كانت على مستوى كامل الوطن العربي!؟

البعث الجديد

غادر ميشيل عفلق إلى بغداد، وكان قد انتُخب هناك فؤاد الركابي كأول أمين سر للقيادة القطرية لحزب البعث، بعد عشرة أيام فقط من انقلاب يوليو ثمان وخمسين، والذي أطاح بالملَكية العراقية.

حاول عفلق إقناع العراقيين بالانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة، لكن الحزب الشيوعي العراقي نادى بعبد الكريم قاسم كزعيم أوحد للعراق، والذي انتهج سياسة "العراق أولاً"، فحاول الحزب اغتياله سنة تسع وخمسين، لكن العملية -التي قادها الشاب صدام حسين- باءت بالفشل.

استمر الرئيس قاسم حتى انقلاب فبراير عام ثلاثة وستين، الذي أوصل حزب البعث للحكم، وعُين الضابط البعثي أحمد حسن البكر نائبًا لرئيس الجمهورية عبد السلام عارف.

وبالعودة إلى سوريا ... فقد تزامن انقلاب العراق مع آخرَ في سوريا، سمي بثورة الثامن من آذار، حيث قامت اللجنة العسكرية لحزب البعث، بقيادة محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، بالانقلاب على القيادة المدنية بزعامة الرئيس ناظم القدسي، وحكومة خالد العظم.

رغم رضى عفلق عن الانقلاب، لكن ميوله القومية، دفعت معسكر صلاح جديد -الذي يروج لإنشاء سوريا الكبرى- للانقلاب ضد زعامة عفلق وبيطار، وذلك عام ستة وستين، فانقسم الحزب إلى قيادتين وطنيتين متنافستين، واحدةٍ يهيمن عليها السوريون وآخرى يهيمن عليها العراقيون تناصر أفكار عفلق.

تصفية الرفاق

عام أربعة وستين أوصى ميشيل عفلق بتعيين صدام حسين عضوًا في القيادة القطرية لفرع حزب البعث العراقي.

وفي صيف ثمانية وستين تحالف حزب البعث العراقي مع ضباط غير بعثيين، وأسقط نظام عبد الرحمن عارف ليعيّن البكر رئيسًا لمجلس قيادة الثورة ورئيسًا للجمهورية وقائدًا عامًا للجيش، بينما بات صدام حسين مديرًا لجهاز المخابرات ثم نائبًا للرئيس عام اثنين وسبعين.

استطاع صدّام بعد سبع سنوات فرض الإقامة الجبرية على الرئيس البكر، كما أعفاه من جميع مناصبه، ثم نفذ حملة إعدامات طالت 500 عضو من أبرز أعضاء حزب البعث، وثلث أعضاء قيادة مجلس الثورة، وهو ما وضع علامات استفهام كبيرة حول نوايا عفلق، الذي لم ينتقد ممارسات صنيعته في الحزب صدام حسين.

وفي الجزيرة الأخرى للبعث ... فقد انتهج حافظ الأسد سنة سبعين منهج صدام، فقام بتصفية زملائه أو نفيهم، واعتقل رفيقه صلاح جديد، ليموت في السجن بعد ثلاثة وعشرين عامًا، لتتحول البلد إلى سوريا الأسد، التي يقودها الأمين القطري لحزب البعث حافظ الأسد وهو القائد العام للجيش والقوات المسلحة، فشكل عامُ 1970 انعطافًا كبيرًا في مسيرة الحزب.

نهاية بعث صدام

في ذكرى ميلاد البعث عام 2003، دخل الجيش الأمريكي قصر صدام، وأصدر الحاكم المدني الأميركي بول بريمر "قانون اجتثاث البعث"، فصُفي أكثر أعضائه أو هربوا.

بعد إعدام صدام عام 2005، سُمي نائبه "عزت الدوري" كأمين لسر القيادة القطرية والقومية لحزب البعث، ولم تتمكن السلطات من اعتقاله، بل ظل طليقًا يبث رسائل مصورة من حين لآخر، كان آخرها في عيد تأسيس الحزب عام 2018، ثم تضاربت الأنباء حول مقتله.

في عام 2007 طُرح قانون المساءلة والعدالة، والذي يسمح للآلاف من أعضاء حزب البعث السابقين باستئناف النشاط السياسي وممارسة أعمالهم، لكنه جُمد بقانون 2016 الذي سُمي بـ "قانون حظر حزب البعث والكيانات والأحزاب والأنشطة العنصرية والإرهابية والتكفيرية" وبذلك صُنف حزب البعث بين التنظيمات الإرهابية، لتنتهي مسيرته العراقية المليئة بالتناقضات.

البعث القائد

أصله الريفي ... وخطاباته المخملية، سحرت الملايين، تنبّه حافظ الأسد إلى خطأ ميشيل عفلق، الذي اعتبر البعث حَضَريًا، ولم يدعُ يوم التأسيس سوى فلاح واحد وعامل واحد، فصبّ حافظ اهتمامه على الطبقة الكادحة، ليصبح هويةً لازمة للمجتمع السوري.

للبعث يا طلائع ... للنصر يا طلائع

أقدامنا حقول ... طريقنا مصانع

بتلك الشعارات والأهازيج أصبح حزب البعث العربي الاشتراكي "الحزب القائد للدولة والمجتمع"، وهو ما جاءت به المادة الثامنة من دستور ثلاثة وسبعين.

بات الانتساب للبعث إلزاميًا لكل من بلغ الخامسة عشرة، ويسجل في صحيفته التزامُه بدفع الاشتراكات وحضور الاجتماعات الدورية في الفرق الحزبية، وطُبع شعار الحزب على الملابس المدرسية، وأرضع الأطفال حب البعث والقائد الخالد.

اتسمت سنوات حافظ بخضوع مؤسسات البعث لهيمنة الأجهزة الأمنية، وتجنيدهم للتجسس وزرع الفتن والدسائس، ومُنحوا مقاعد في البرلمان بالتزكية، بشكل ينافي التعددية السياسية التي يتغنى بها الحزب، وكانوا أداة حافظ في مجازر الثمانينيات.

البعث المجرم

ورث بشار عرش أبيه، وارتدى عباءة الأمين القطري لحزب البعث، وتابع سِنيهِ العشر الأولى في أحضان البعث الدافئة.

منذ انطلاق الثورة عام 2011، اقترن اسم البعث بإجرام نظام الأسد، خاصة بعدما قمع المدنيون البعثيون المظاهرات بوحشية، ثم بدأت الانشقاقات لتتحول أبنية الحزب إلى مقرات للثوار، وظهر للعيان بأن حزب البعث قد قدم استقالته فعلًا، خاصة بعد تعديل 2012 الدستوري الذي ألغى المادة الثامنة، فأزال البعث من قيادة الدولة والمجتمع، وفي العام التالي أقال بشار كامل القيادة القطرية من الحرس القديم كفاروق الشرع وعلي مملوك وفهد الفريج وغيرهم.

استقالة البعث كانت مع وقف التنفيذ، حيث سعى بشار لتجنيد البعثيين كقوة مدنية موازية، تدار بواسطة أجهزة المخابرات.

حزب البعث في سوريا، يعيش أزمة وجود حقيقية، وغابت شمسه كأمينه القطري، ففي اللحظة التي يسقط فيها بشار، ستكون آخر شهقة للحزب الهرِم.