الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

التكنولوجيا تفرق ولا تجمّع

07 مايو 2021، 09:25 م
حسن الدغيم.jpg
حسن الدغيم.jpg

حسن الدغيم

مدير إدارة التوجيه المعنوي

07 مايو 2021 . الساعة 09:25 م

علمتنا التكنلوجيا أنها تفرق ولا تجمع  ، فلقد كان المذياع "عنتر" الصندوق الخشبي الذي يبث موجات الراديو هو مجمع أهل الحي الذين يجتمعون عند سمان الحارة أو مختارها لسماع نشرة الأخبار وكانت الإعجابات والتعليقات شفوية بين المستمعين بعد النشرة وكانت في الغالب تبني تصوراً جمعياً.

ثم دخل الراديو "عنتر" كل بيت ففرق الجلساء وصار كل مستمع يبني تصوراً خاصاً حول الأحداث الجارية وينتظر لليوم الثاني لمشاركة تصوراته مع الآخرين للحصول على التعليقات والإعجابات ،  ثم يموت "عنتر" تدريجياً أو يصبح مصدراً ثانوياً عندما ولدت شاشة "أبيض وأسود" والتي بدورها تعيد اللمّة في بيت المختار أو المبكرين في اقتناء الشاشة.

واللافت أنها رسمت تأثيرها بحيث بدأت تغيير حركة الشارع حسب مواعيد النشرات والمسلسلات، ولكن اللمّة لم تدم طويلاً لأن التلفزيون الملوّن ولو كان بقناة واحدة أو (غصب 1 وغصب 2) دخل كل بيت أيضاً فباعد بين الجلساء لكنه حافظ على الأسرة الواحدة وخاصة على المسلسلات البدوية بعد صلاة الجمعة ومرايا ومجلة التلفزيون وغداً نلتقي وطرائف من العالم.

وزادت كفاءة التلفاز بالجذب مع الأطباق الفضائية وانتشار البث الفضائي ودخول عصر العولمة الثقافية بأوسع أبوابه، ولكنه كان مع ذلك يساهم في صناعة مرجعيات دينية وثقافية بغض النظر عن المحتوى، فحافظ على شيء من الاجتماع الإنساني والخطوط العامة، ولكن هو الآخر بدأ يغادر الساحة مع دخول الإعلام التفاعلي المعروف بمواقع التواصل الإجتماعي.

وأما مواقع التواصل الاجتماعي فقد أطلقت فيضاناً شبكياً عرمرماً اجتاح ساحاتٍ هادئة وحفر أخاديداً عميقة في ضفافٍ هشة واقتلع جذوراً ضاربةً ونبش صناديق مقفلة كان الظن بأنها مرصودة من الجان ويصاب بالجنون من يفتحها ، فضرب من تحت الحزام ركائز الهيبة والموثوقية والمصداقية وصارت في حيز الدفاع أمام الشعبوية والاندفاعية والموسمية، ووسع على الشهوانية والتفاهة مسالك العمل والاستهداف.

ولم يكتفي هذا الفيضان بأن فرق بين الجلساء من بيت المختار بل فرق بين أفراد الأسرة الواحدة حتى صار كل فردٍ يعيش عالمه الخاص وشعوره الخاص وتوسعت مساحة التأثير لشاشة الهاتف على حساب منابر الأسرة والمسجد والمدرسة وثقافة الحي.

وعلى أساس أنها كانت للتواصل وتقريب البعيد... ولكن الحقيقة أنها كانت لتبعيد القريب، ولأنه متاح لكل أحد أن يقول ويتحدث عن نفسه ولكثرة الهموم التي ستبث لن يستطيع التواصل بناء رأي عام بسهولة، بل سيعود الانطواء والانعزال ضمن حدود المجتمع ثم المحلي ثم الحي ثم الأسرة ثم الفرد، لينتظر هذا الفرد ماتطالع له الأيام من هجمات الذكاء الصناعي على ماتبقى من فيه من إنسانية.