الجمعة 05 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

الجامع العُمري بدرعا .. وشاهد جديد على ثأر إيران من المساجد في سورية

14 سبتمبر 2021، 01:20 م

"أنا أول واحد اقتحم الجامع العمري بحذائي هذا؛ فمَن أنت حتى توقفني؟!"

بهذا الجواب "التشبيحي" صرخ مَن يُفترض أنه طالب جامعي بوجه صديقي الأستاذ الجامعي الذي استوقفه لأنه تأخر بعده ورفس الباب يريد دخول القاعة بعد الدكتور في جامعة البعث بحمص؛ ولها من اسمها نصيب كبير!

فـ"الشبّيح" من حظيرةٍ يخافون فيها "الجامع العمري" ويدركون مكانته عند أهله؛ فحينما لم يكسرهم حصار ولا تهديد لم تجد ميليشيات إيران الطائفية -وإن حملت اسم الجيش السوري ولباسه- إلا أن تضرب الجامع العمري وتهدمه. وكذلك كانت قد فعلت لكسر مهد الثورة من قبل؛ فاقتحمته سنة 2011، ثم هدمت مئذنته عام 2013؛ ليكون ثأر إيران وعصابتها من درعا عند كل محطة نضالية ضرب الجامع العمري.

وعلى ما للجامع العمري بدرعا من الرمزية والاعتبار – وكل بيوت الله معظَّمة عندنا ولها اعتبار – إلا أن هذا الحدَث لابد من وضعه في سياقه لفهم المشهد بشكل أفضل؛ فالمتابع الواعي يدرك أنّ قصف الجامع العمري بدرعا يُسلك في سياق ضرب زبانية إيران للجامع الأموي بحلب من قبل، وتخريب جامع خالد بن الوليد في حمص؛ بل يستحضر أن وكيل إيران الأكبر حزب الله حينما دخل القصير لم يقصد جامع الشيعة الموجود فيها ليُعلن انتصاره في الطريق إلى القدس من القصير! بل اعتلى عناصره الحاقدون جامع عمر بن الخطاب فيها ليرفعوا رايتهم ويرددوا شعاراتهم الطائفية.

ويستحضر كذلك ما فعلوه في مساجد الزبداني بعد تهجير أهلها منها قسراً؛ فقد علّقوا صور قتلاهم في المساجد واستدعوا أهاليهم يعدونهم بمساحات من الفردوس المغصوب من أهله.

وهذا الاستهداف من إيران وتحريض أدواتها ضد المساجد، خاصة منها ذات الرمزية التاريخية والدينية عند أهل سورية، ليس تدميراً همجياً مجرداً؛ وإنما هو جزء من مشروع إيران في "التغلغل الثقافي" داخل سورية لتغيير هويتها وتدمير الأمن الطائفي فيها، لتحقيق وجود دائم لإيران في سورية وإنْ بأدواتها الناعمة إذا اضطرت لإخراج ميليشياتها العسكرية.

فسياسة إيران في هذا السياق متكاملة: استهداف المساجد وتدمير رمزيتها الدينية والتاريخية كونها جزءاً من الهوية السورية مع سرقة الوثائق والآثار منها – احتلال واختراع مقامات لا أصل لها – البناء والترميم وفق النموذج العمراني الإيراني حصراً حتى تبدو كأنها قطعة هاربة من أرض فارس – التوسع في الاستيلاء حول المساجد والمقامات للسيطرة على الأوقاف الإسلامية.

فالدراسات تتحدث عن أكثر من 500 حسينية و69 حوزة شيعية لإيران في سورية حتى منتصف 2019! فضلاً عن 50 مشهداً لآل البيت تخترعها إيران وتبعثها زوراً وافتراءً على التاريخ، ونصفها في دمشق!

ولتأكيد أن ما سبق ذكره من ممارسات إيران الطائفية ضد مساجد سورية هو جزء من مشروعها للتغلغل الثقافي وتغيير الهوية فقد سبق أن مارست مثله في العراق؛ فرفع عناصرها رايات طائفية في سامراء وغيّروا مساجدها السنّيّة وجعلوها حسينيات.

بل إنّ من أعلام الشيعة الأحرار مَن فضح ممارسات إيران تلك بحق مساجد أهل السنّة، واتهمها بشكل مباشر بتفجيرها في العراق، كالسيد محمد علي الحسيني.؛ لأن العقلاء الأحرار من الشيعة -العرب خاصة- لا يخفى عليهم أن إيران تستعملهم أداة في مشروعها الاحتلاليّ التخريبي، فتضرب بهم إخوانهم وتخرب بلدانهم، وتضحّي بهم في سبيل أهدافها الخارجة عن التشيّع لآل البيت؛ بل هي مجرد أحلام امبراطورية فارسية تمتطي لها "التشيّع السياسي" وسيلة لتحقيق أوهام كبيرها الذي ابتدع مبدأ "ولاية الفقيه"، وعارضه أئمة من علماء الشيعة وكشفوا زيفه وخطره، كما في وصايا الإمام الشيخ مهدي شمس الدين.

ولكن!

وإن كثر الحديث في معركة درعا الأخيرة عن جهود إيران لإحكام قبضتها على الجنوب؛ إلا أنه من المحزن أن يمرّ استهداف الجامع العمري – وقبله غيره – دون الوعي الكافي من السوريين جميعاً بأبعاد ذلك، وكذلك محزنٌ ألا نجد إنكاراً واستنفاراً من المسيحيين وكل الطوائف؛ إلا إن كانوا قد صدّقوا نظام الأسد الطائفي – وراعيته إيران – بحمايتهم وتعظيم حرمات كنائسهم ودور عبادتهم!

فليس أهل السنّة وحدَهم في سورية هم عدوّ إيران وربيبها بشار، وإن حقدوا على المساجد لانطلاق صيحات التكبير والحرية منها فالجولة التالية على غيرها؛ فإنما تضحّي إيران بالعلويين قبل غيرهم لتحقيق مشروعها فكيف بغيرهم؟ فإيران تسعى مثلاً لنشر التشيّع في صفوف السنّة وغيرهم؛ فقد قدّرت دراسة "أنه إذا استمرّ معدّل نشر التشيع الذي كان قبل سنوات الثورة فإنّ الإسماعيليين سينقرضون في سوريا في غضون 10 سنوات، وسينقرض العلويون خلال 25 سنة"!! والعافية مِن الحماقة لكل مَن صدّقهم

"مخطئٌ مَن ظنّ يوماً ... أن للثعلب ديناً"

وليس من الطائفية إدراك حقيقة معركة إيران في سورية وقراءة أنشطة أدواتها المأجورة على وجه صحيح؛ فمعركة إيران اليوم في سورية معركة عقائدية كبرى كما يعبّر الدكتور فيصل القاسم، وأعوان إيران لا يُخفون ذلك؛ ففي بداية الثورة قال معمّم مقرَّب من المرشد علي خامنئي: "إنْ فقدنا سوريا فلا يمكننا أن نحافظ على طهران"، وقد سبقه مؤسِّس أول حوزة علمية في سورية حسن مهدي الشيرازي حينما كان أعلن سابقاً أن تأسيس تلك الحوزة في سورية يأتي "جبراً للتاريخ الأموي والتاريخ الماضي، ولإحياء ذكرى أهل البيت عليهم السلام في عاصمة الأمويين أعداء أهل البيت" وفق تعبيره، وفيما تفعله إيران في دمشق خلال احتفالاتها شواهد على ذلك؛ ولعل السوريين يتذكرون بذاك الكلام الطائفي الحاقد كلام الجنرال غورو لصلاح الدين عند قبره، على أن غورو كان قائداً عسكرياً يخاطب قائداً عسكرياً وفق منطق الانتصار والثأر؛ دون استدعاء الحملات الصليبية والفتوحات الإسلامية!

وفي إصرار إيران على إقامة كل المساجد والمراقد والحسينيات والحوزات وفق النمط المعماري الإيراني ليس عبثياً كذلك، وتتعمد ذلك فيما تنهبه وتغتصبه من المباني الأثرية حتى في قلب دمشق حيث لا يسمح عادة النظام المجرم للأهالي بأية تعديلات بحجة حمايتها؛ فإيران تعتدّ بحضارتها الفارسية وفنّها المعماري الذي هو جزء من هويتها الحضارية وأحد أدواتها الناعمة، وليس الاهتمام بالتزام النمط الفارسي ونشره في سورية بعيداً عن هذا، لأنه يمثّل جزءاً من الثقافة التي تتغلغل بها إيران في سورية؛ وبالتأكيد فإن هذا الأمر له دلالته الرمزية والنفسية للشيعة العرب خاصة وترسيخ علاقتهم الاعتقادية بإيران وتبعيتهم لها، والنهوض الإيراني الظاهري بلبوس إعادة الإعمار في سورية وترميم المراقد وفق النموذج الفارسي يأتي بعد الدمار الذي طال مدناً بأكملها، حتى لا يُرى إلا قبابٌ ومراقدُ عامرةٌ تزدهر بالزوّار والحجّاج؛ ما يُحدث تغييراً في ثقافة المجتمع السوري وهويته، ويجعله يتعلّق بهذه المراكز وأصحابها، فالتغيير في المعالم هو كالتتمة للتغيير الديموغرافي الكبير الذي تفعله إيران في سورية، ليكتمل الإخراج بأكمله وفق الرؤية الثقافية الإيرانية الفارسية.

لذا فإن استهداف الجامع العمري بدرعا حلقة – ليست الأخيرة – من مسلسل إيراني تخريبي طويل، وفصل من قصة دامية يهدف ضمن جملة مخاطر إلى تهديد الوحدة الوطنية، وإثارة الانقسامات الطائفية في سورية؛ وحتى لا تكون الشام إيرانية علينا توعية السوريين بمختلف توجهاتهم وانتماءتهم وطوائفهم إلى المخاطر المحدقة بمستقبل أجيالهم ودولتهم في حال استمرار مشروع إيران الكبير في سورية ونجاحه، ودفعهم لبذل جهود مضاعفة لمواجهة أدوات إيران الناعمة والصلبة وكسر مشروعها الطائفي.

اقرأ أيضاً:

شاهد إصدراتنا: