الأربعاء 03 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

أنا والعجوز: رماة أحد

19 ابريل 2022، 06:24 م

كنت أنتظر صديقي العجوز في مقهى على ضفاف إسطنبول الجميلة.. لا أعلم إن كان هناك منظر أكثر روعة من هذا.. أكثر رومانسية من هذا!.

ترتمي الشمس بكل دفء ودلال في حضن البحر الذي ترتعش أنامل موجه وهو يحضن نورها، وعلى ضفاف المشهد يسدل الغسق ستائره على لوحة الحب قبل أن تشبع عيوننا من التأمل في إبداع الخالق.. كم نحن بحاجة لتنقية أرواحنا الباردة بدفئ مشهد كهذا، نعم أصبحت أرواحنا باردة باهتة بعدما سجنتها التكنولوجيا في لوحات زجاجية تلتهم اللحظات والمشاعر.

"كنت أراقبك من بعيد وكأنك تحولت إلى طفلة وجدت السكينة المطلقة.."قال صديقي العجوز وهو يجر كرسيه ليجلس: "لقد مرت فترة منذ لقائنا الأخير.. دوامة الحياة تمتص رحيق العمر دون أن نشعر.. تابعت الأحداث الأخيرة وسمعت بعض الأقاويل.. هناك من يقول أنك تعرضت للتهديد و الابتزاز لذلك ابتعدت عن الظهور؟".

رشفت آخر قطرة في فنجان قهوتي.. ولا أعلم لماذا تكون الرشفة الأخيرة هي الألذ والأطيب وكأن الرشفات السابقة لم تكن!!.."كم هو صعب يا صديقي أن تحمل امرأة رسالة حق في زمن الخضوع.. ألسنة السفهاء من هذا الطرف أو ذاك تستعذب الخوض في أعراض النساء لأن الأنثى عند بعض المكبوتبن كائن ملعون يرون فيه ضعفهم وعجزهم، فما بالك بأنثى تناضل.. تلك الكائنات المنبطحة تستسهل القذف لأنه أقصر طريق لإخراج قاذورات عجزها عن مواجهة الفكرة بفكرة.. بندية الحجة.. أما بالنسبة لما يسميه البعض ابتعاداً، هل تعتقد يا صديقي أن بعد كل تلك الحملات الدنيئة من السابقين واللاحقين سأبتعد بسبب سفاهة سفيه أو تهديدات دنيء.. لقد ابتعدت لأني صعدت معك في لقاءات سابقة إلى قمة "جبل أُحد" وأجلسني كلامك وسط الرماة الذين طلب منهم الرباط، ورأيت لأول مرة أرض تلك المعركة بكل ملامحها، ووضعت بين خيار أن أبقى مرابطة أو أنزل.. أنزل كما نزل ثوار مصر أو تونس أو ليبيا لجني الغنائم.. أو ثوار سوريا لنصرة من في الميدان.. لقد تحدثنا طويلاً عن ضرورة الانتقال من عذرية الفعل الثوري التلقائي الذي لا يحسب خطواته إلى نضج معركة تفتك الحقوق.. وأنا الآن في "رباط أُحُد" مع المرابطين أفكر في كيفية الوصول لتلك المرحلة.."

ما رأيك في براد شاي أعشاب يضيف لروعة مشهد الطبيعة طعماً.. قال العجوز وهو يشير للنادل.. ثم أكمل: "بالنسبة للبعض النضال معركة مع النظام، بالنسبة لآخرين النضال معركة من أجل الحق، الفرق شاسع بين المنطقين، لأن من يخوض معركته ضد كيان متجسد في شخص أو تنظيم أو هيئة سيقع في فخ الذاتية حين تحتدم المعركة.. سيميل إلى تصفية الحسابات و الانتقام و البلطجة الفكرية أو اللفظية كلما زاد قمع النظام وظلمه وبدون أن يشعر سيتحول بدوره إلى متطرف مستبد تبرر له أهدافه استخدام كل الوسائل لكسب المعركة وسيمزق حقده كل صفحات المبادئ التي كانت في يوم من الأيام ميثاق نضاله".

لكن من يعتبر نضاله جزءاً من الحرب الأزلية بين الخير والشر، يدرك أن نضاله معركة في هذه الحرب وأنه جندي في جيش مقدس هو سليل جيوش الحق منذ نزل آدم عليه السلام الأرض، جيش قاده الأنبياء والرسل والصالحون.. لذلك سيلتزم بميثاق الجيش المقدس وسيذوب نضاله في إرادة الحق المطلقة، وإذا تمردت أهواء النفس ودغدغت شوائبها التزام روحه لتخرجها من وقار الجندية إلى سفاهة الإرتزاق، سيكبلها خوفه من الطرد إلى المنطقة الملعونة..منطقة "ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا"..

أعتقد أن استرجاع تلك اللحظات الفاصلة بين لحظات النصر والهزيمة التي عاشها "رماة أحد" يمكن أن يكون مرجعية لجنود الحق في كل أحول المعركة، هزيمة أو انتصار، لأن مقياس المعارك المقدسة يختلف عن المقاييس الآنية للفوز والهزيمة، في ميثاق المعركة المقدسة حتى الهزيمة في المعركة تتحول إلى نصر في الحرب لأنها تحفز على استخلاص الدروس وتغيير الاستراتيجيات وعدم الوقوع في نفس الأخطاء مراراً، بأسلوب أبسط هناك من يختزل السلسلة في حلقة وهناك من يفهم ان حياته و نضاله هو حلقة أخرى في سلسلة طويلة.

هل يعني هذا أن يتوقف النضال.. لا ولكنه يفرض عليه تصويب بوصلته، لأن من يصر على عبثية الخطوات ويكسر كل بوصلة في القافلة ويتهم حاملها بالدجل، هو بالتأكيد مرتزق يريد إيصال القافلة الي درب الاقتناص ليس إلا..".

سألته كما تتساءل أنت وهو وهي "وكيف يكون التصويب يا صديقي.. كيف تستطيع تعديل المسار و السهام تنهال عليك من كل حذب وصوب و أقصى ما يمكنك فعله هو حتمية البقاء التي تفرض عليك بدورها حتمية المسار..!؟"

سكت صديقي. وراح يصب شاي الأعشاب الزكي لتنبعث روائحه فتجعل خلايا بدنك تنتفض كرضيع جائع يشم رائحة أمه.."الشوق للطبيعة" لا أفهم لماذا تركنا العادات الصحية و استبدلناها بعادات مدمرة.

منعتني اللباقة من تكرار السؤال ولجم العقل لساني، لكن تمردي الفطري على المألوفات والذي لم أتمكن يوما من التحكم فيه ضرب بكل ذلك عرض الحائط.. "هل سأسمع منك جوابا اليوم" 

تبسم ابتسامة مزعجة.. نعم تلك الابتسامة التي ترتسم على وجه من يعرفك جيداً لدرجة أن تكون ردود أفعالك بالنسبة له متوقعة.. "عمق الجواب قد يحتاج لجمع كل الموجودين في هذا الفندق من الفارين من الاستبداد عبر المعمورة وجمع عصارة كل تجاربهم في فلسفة جديدة ترسم ميكانيزمات المرحلة القادمة، إذا أردنا التصويب فعلينا أن نضع كل أخطائنا وأخطاء غيرنا وكل ما أصبنا فيه على طاولة واحدة.. أن نعود إلى "رماة أحد" المرابطين الذين لديهم أمر مباشر بالرباط والاستعداد وانتظار الفرصة لقلب موازين المعركة.. لأنه هناك في "أحد" يستطيع المرابط أن يرى المشهد الكامل للمعركة.

يتبع..