الثلاثاء 19 مارس 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.06 ليرة تركية / يورو
39.73 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.62 ليرة تركية / ريال قطري
8.37 ليرة تركية / الريال السعودي
31.39 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.06
جنيه إسترليني 39.73
ريال قطري 8.62
الريال السعودي 8.37
دولار أمريكي 31.39

"العودة الطوعية".. دوافع الإعلان ومتطلبات التنفيذ

10 مايو 2022، 05:59 م
"العودة الطوعية".. دوافع الإعلان ومتطلبات التنفيذ

أنس الخطيب

كاتب سوري

10 مايو 2022 . الساعة 05:59 م

بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مشروع لإعادة مليون لاجئ سوري إلى بعض المناطق في الشمال السوري، ضمن خطة -نشرتها وسائل إعلام تركية- من ثماني مراحل تبدأ بتأمين المنطقة المراد تنفيذ الخطة فيها وتنتهي بإسكان العائدين وفق شروط حياتية تؤمن الحد الأدنى من مقومات العيش، يتساءل السوريون عن دوافع إعلان هذه الخطة، وهل يمكن تطبيقها في الوقت الراهن، وما هي الآليات التي يمكن خلالها تنفيذ المشروع وفق المحددات التي تطرحها القيادة التركية.

تسعى القيادة التركية الحالية إلى تقديم وتسويق مقاربة جديد في ملف "اللاجئين" السوريين الذين تجاوز عددهم 3,7 مليون، في ظل أزمة اقتصادية ارتفع معها مستوى التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 20 عامًا مسجلًا 70%، الأمر الذي تستغله المعارضة في السباق الانتخابي الذي بدأ مبكرًا، ولأنها (المعارضة) لا تمتلك أي خطة أو رؤية حقيقية قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية، تحاول الاستثمار بربط التراجع الاقتصادي بملف الهجرة واللجوء.

منذ أشهر تروّج المعارضة التركية أنها تمتلك القدرة على إعادة ملايين السوريين إلى بلادهم عبر التفاهم مع نظام الأسد، في محاولة منها لاستقطاب الشارع التركي الذي زاد انزعاجه من الوجود السوري بفعل الحملات المجتمعية والإعلامية العنصرية الممنهجة، الأمر الذي أثر على شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم.

ويبدو أن طرح بعض الجهات التركية المعارضة وعلى رأسها قيادة حزب الشعب الجمهوري لفكرة التطبيع مع النظام السوري مقابل إعادة اللاجئين بات يلقى أذنًا مسموعة في الأوساط التركية، طرحٌ يتوافق مع مطالب وضغوط روسية على الحكومة التركية بفتح قنوات للاتصال مع نظام الأسد بذرائع مختلفة، منها قضايا تتعلق بطبيعة الوجود التركي في الشمال السوري والطرق التجارية والمعابر الحدودية والمنظمات الانفصالية، وليس طلب روسيا عقد تفاوض مباشر بين النظام وتركيا لتنشيط وتطوير اتفاقية أضنة إلا مثال واحد في هذا الإطار.

بقيت أنقرة مصرّة حتى وقت قريب على عدم جدوى مثل، هذه اللقاءات فهي لا تثق بالنظام السوري، وكانت ترى عبثية أي فعل من هذا النوع بسبب مراوغة الأخير وعدم قدرته على تنفيذ ما يريده صانع القرار التركي، لكن التطوّرات الأخيرة وتسارع الأحداث في المنطقة وعمليات تطبيع العلاقات التركية مع دول عربية وإقليمية ساءت معها العلاقات حدّ القطيعة، ومحاولة تحديد ملفات التطبيع في نهج جديد في السياسة الخارجية التركية، كلّ ما سبق يدفع صانع القرار التركي لتجريب حلّ ملف اللجوء عبر مقاربة جديدة تضمن إرضاء الشارع التركي، والتماهي مع الطرح الروسي الذي تتذرع به موسكو لعرقلة توسيع المنطقة الآمنة.

ورغم الإفصاح عن خطة "العودة الطوعية" إلا أن المسؤولين الأتراك لم يقدموا جدولًا زمنيًا واضحًا لتطبيقه، لأن تطبيقها بحاجة لأشهر طويلة، بالتالي لن يكون هذا الإعلان مؤثرًا في الدافع الأساسي له، وهو تأثيرات ملف اللاجئين على الانتخابات المقبلة، ولتأمين نجاح هذا المشروع لابد من توفّر العوامل التالية:

  • البيئة الآمنة في مناطق تنفيذ المشروع، وهو أمر بحاجة لتوافقات دولية وإقليمية وداخلية سورية غير متوفرة حتى اللحظة ولا يبدو أنها ستتوفر على المدى المنظور، ومن الضروري أن تتضمن تلك التوافقات حلًا سياسيًا ما، ينهي حالة عدم الاستقرار السائدة حاليًا، ووفق نموذج يتناسب مع صيغة المشروع الذي تريده القيادة التركية (عودة طوعية آمنة).
  • دوليًا يبدو أن توافقات جديدة حول سوريا غير واردة حاليًا، مع احتدام الصراع في أوكرانيا، بين اللاعبين الدوليين الأهم على الساحة السورية (الولايات المتحدة، روسيا)، في حين يبدو الإقليم أبعد عن الوصول إلى التوافق حول الشمال السوري، في ظل التنافس التركي الإيراني والذي تتركز انعكاساته شمال العراق وسوريا.
  • توسيع المنطقة الخاضعة لسيطرة تركيا في الشمال السوري لتستوعب الأعداد الجديدة من اللاجئين، فالمناطق الـ 16 المذكورة في الخطة، مكتظة بالسكان وتعيش أزمة حقيقية، بالتالي هي غير قادرة بنيويًا على استيعاب أعداد جديدة من الوافدين إليها، مع العلم أن أي أعمال إعمار للمنازل والبنية التحتية، والمشاريع التنموية والإنتاجية المطروحة في الخطة، بالكاد تغطي حاجة السكان الحاليين، إلا إذا توسعت المنطقة الآمنة وتمت استعادة أغلب المنطقة التي سيطر عليها النظام في أرياف إدلب وحماة وحلب.
  • تغيير في بنية النظام السوري، فالنظام ببنيته الحالية غير قادر على استيعاب وجود نموذج منطقة آمنة خارجة عن سيطرته، فهو بالضرورة سيرى هذا النموذج تهديدًا حقيقيًا على وجوده، بالتالي لن يتوقف عن محاولات استعادة تلك المناطق أو على الأقل استهدافها عسكريًا وأمنيًا، وربما تحويلها إلى ساحة حرب مفتوحة، ما يعني أنها ستتحول لعبء جديد على تركيا، سيكلفها الدفاع عنها خسائر بشرية ومادية كبيرة، أو العودة إلى المربع الأول وموجات لجوء جديدة، وأي حديث عن التزام النظام بتوافقات من هذا النوع ليس إلا ضربًا من الخيال، فاتفاقات مناطق خفض التصعيد واتفاق الجنوب مثال صارخ على مدى التزام النظام بالتفاهمات الأمنية.
  • إنهاء الحالة الفصائلية السائدة في مناطق النفوذ التركي، وذلك بصهر كل التشكيلات العسكرية ضمن بوتقة وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة، وهيكلة المؤسسة العسكرية الجديدة بطريقة بناء الجيوش النظامية.
  • ضبط الحالة الأمنية عبر هيكلة وزارة الداخلية التابعة للحكومة وتسليمها الملف الأمني لكامل المنطقة، وتأهيل الجهاز الأمني ليصبح قادرًا على مواجهة التحديات الأمنية الكبيرة، والتي ستزداد تعقيدًا مع ارتفاع عدد سكان المنطقة الناتج عن قدوم اللاجئين من خارج الحدود ومن داخلها، حيث ستستقطب المنطقة ملايين في السوريين في ظل الأوضاع الاقتصادي الصعبة في مناطق سيطرة النظام السوري والمناطق الخارجة عن سيطرته والتي لا يشملها المشروع.
  • هيكلة القضاء بكلّ فروعه واختصاصاته ضمن وزارة العدل لتحقيق الحد الأدنى من العدالة والالتزام بالقوانين التي ستنظم الحياة في المنطقة التي يراد لها أن تستقر لتزدهر عمرانيًا وتجاريًا وتصبح بقعة جغرافية لا يفكر السوري الذي يعيش فيها بالعودة إلى تركيا.
  • القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن المناطق التي يشملها المشروع، ولا تقتصر تلك التنظيمات على الميليشيات الانفصالية، بل تشمل هيئة تحرير الشام التي تصنفها تركيا تنظيمًا إرهابيًا وتقوم دائمًا بالاعتداء على الدوريات التركية عبر تفجير العبوات والاستهداف بالقذائف الصاروخية، بالإضافة إلى إدخال المفخخات من إدلب إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وتهريب الأسلحة إلى مناطق الميليشيات الانفصالية، وتهريب المخدرات والدواعش والمطلوبين، عدا عن خلايا الاغتيالات التابعة للهيئة والتي تهدد أمن المنطقة.

صحيح أن تطبيق هذه المتطلبات والعوامل على الأرض قد يعزز بطريقة أو بأخرى قيام كيان قابل للانفصال عن سوريا في ظل انسداد الأفق السياسي، وهو أمر مرفوض بطبيعة الحال، لكن تنفيذ المشروع الجديد دون تحقق تلك الخطوات والإجراءات أو بدائلها التي تتناسب مع التوجه التركي في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، سيعقد المشهد في منطقة تنفيذ المشروع وقد يؤدي إلى تفجير الأوضاع بطريقة كارثية ستكون مكلفة جدًا لتركيا.

اقرأ أيضاً: