الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

لا تقتلوا شيرين مرّتين

15 مايو 2022، 02:37 م

زوجة النجار

يحكى أنه في حي ما.. في مكان ما.. في زمان ما.. لاحظ قوم أن زوجة جارهم النجار تخونه مع صبي له تحول إلى نجار ينافسه، وكلما غادر الزوج بيته جاء صبيه ودخل بيته لتعلو ضحكات الزوجة دون حياء ويرن صداها في أرجاء الحي، فقرر الجيران اخبار الزوج بفعلة زوجته واجتمع القوم مع الرجل وطلبوا حضور زوجته مجلسهم ..

قال أحدهم "إن زوجتك هذه تخونك مع النجار فلان.." فانتفضت الزوجة من مكانها "كيف تسمون صبيا عند سيد النجارين بالنجار، وهو لا علاقة له بالصنعة"، فقام النجار من مكانه " ما توقعتها منكم تساوون بيني وبين صبيي" فرد جار "كان صبيك نعم لكنه اخد عنك الصنعة وأتقنها" فقاطع ثالث " أشهد له بذلك صنع لي خزانة زخرفتها عجيبة" و قال رابع "أنا لست غبيا لأترك المعلم واذهب إلى تلميذه " فغضب من تحدث قبله" هل تقصد أنني غبي".. فجاوبه "تحدثت عموما وان ظننت الغباء فيك فهو فيك " وتعالت الأصوات و تحول الجدال إلى شجار ونسي الجمع ما اجتمعوا لأجله.. و غطت الزوجة جريمتها بجر القوم لصراع مفتوح وأنست زوجها أن المجلس حول خيانتها له بمجرد أن عظمت مكانته وانتقصت من مكانة عشيقها كنجار.. ثم انسلت من مكانها لتهرب بفاحشتها والقوم في جدالهم يغرقون..

ومر الصبي بالجمع فسمع "معلمه" ينتقص من شأنه كنجار فغضب ودخل وسط الجمع يدافع عن نفسه ووسط الغضب أخرج النجار سكينا وقتل صبيه .. وعرفت تلك الحادثة بحادثة قتل النجار لصبيه، وسكت من كان في الجمع عن سرد التفاصيل خوفا من ربطهم بالجريمة واكتفوا بالقول "أنه خلاف نجارين.." ونسي الناس الزوجة وخيانتها... ومرت سنوات وبقي من القصة أن نجارا غار من صبيه لأنه أتقن الصنعة فقتله..

حين يميع الهدف تتشتت سهام الحق

لأن الزوجة كانت تعرف نقطة ضعف زوجها ونقاط ضعف القوم فقد أشعلت فتيل فتنة بجملة لم تقل بعدها شيئا.. و نجت من الفضيحة ومن القصاص.. وعدونا يعرف طبعنا كمعرفة اللئيمة بطباع أهل حيها، ويعلم كيف يشغلنا كل مرة عن لب الموضوع بقشوره، عن جوهر الأمر بهوامشه... بل إنه يحولنا لأدوات تخدم مصالحه كما تحول القوم من منددين بفاحشة الخائنة إلى مختزلين للقصة في جريمة سكتوا عن سببها الحقيقي، و كم قضية حق ضاعت وسط انصراف أهلها للجدال، كم من سهام حق تشتت بعد تمييع الهدف، و كم من مقال ضاعت قيمته لأنه قيل في غير مقامه..

تم إعدام صحفية عاشت لقضيتها، تم اعدامها بكل وقاحة على مرأى ومسع العالم الذي خلع رداء الحياء الكاذب و صرح أن قيم التعاطف الإنساني تهتز وتقف إذا كان الضحية من عرق أبيض فاقع لونه وتتوقف وتصمت وتعمى وتصم إذا كان الجاني صهيوني، فلم نسمع إلا تنديدات محتشمة لم ترقى لبشاعة الجريمة ، لذلك أصبح لزاما على كل من يدعي أن إنسانيته نقية لم يصبها سقم العنصرية أن يبكي شيرين ويندد بجريمة قتلها.. أصبح لزاما على كل من تعلق قلبه بالقدس أن يبكي عاشقة القدس .. أصبح لزاما على كل من يناصر الحرية والعدل والعدالة والحقيقة أن يحزن على فارسة من فرسانها .. أصبح واجبا علينا نحن الذين تجمعنا بشيرين قضية دفعت حياتها ثمنا لها أن نتألم ونندد ونستنكر و نشجب بكل وسيلة نملكها جريمة قتل محتل غاشم لصحفية جعلت من الصحافة وسيلة للدفاع عن وطنها، أما أن نترك الجريمة وبشاعتها و شيرين وتضحياتها وننصرف إلى جدال يدخل الضحية النار أو الجنة ونتمادى إلى تكفير بعضنا البعض وسط غوغاء وسفسطة كلامية يقودها بحث على جوجل فإننا هنا بحاجة لمراجعة حقيقية لأخلاقنا و إنسانيتنا و إسلامنا..

لن أخوض هنا في الفرق بين الرحمة و الترحم والاستغفار وبين معاني كلمة شهيد لغة واصطلاحا وشرعا ، بين الفرق بين مفهوم الشهيد في مختلف الثقافات ومفهوم الشهيد في سبيل الله، لن أخوض في الأمور الفقهية و عقيدة الولاء والبراء التي يخرجها ويطويها أئمة البلاط و رعايا الخضوع لسلاطين الجور، حسب الهوى، لن أتحدث عن من ثارت ثائرتهم تكفر و تحرق في نار جهنم إنسانة قتلت ظلما، وسكنت نخوتهم تحت سياط الجلادين ولو طبعوا ولو استباحوا الحرمات.. ولو عاثوا في الأرض فسادا.. لن أفتح القوس لأشير لبعض المكبوتين الذين حولهم الإنبطاح الطويل إلى كائنات تبحث عن الأضعف في سلالتها لتمارس بعض "التمرجل" عليها، ففي فلسفة الكائن من هؤلاء المرأة كائن أضعف منه وأقل منه شأنا فإن فعلت ما لا يستطيع هو فعله نعثها بكل بذيء و ذميم، فقط ليداري عجزه عن القيام بشيء مفيد في حياته، يدخل متطفلا يدلي بدلوه لأن شيرين إمرأة.. حتى ولو كانت مسلمة سيكفرها لأنها لا ترتدي الحجاب وحتى و إن كانت محجبة سيلعنها لأنها تختلط بالرجال سيبحث في المواقع عن كل ما يدينها وسيتنقل بين الصفحات والمناشير دون عجز ينسخ تعليقا مليئا بالأخطاء اللغوية والإملائية يحمل حكمه الذي لا رجعة فيه على مصير شيرين عند ربها..

لن أدنس إنسانيتي بذكر بعض ما قيل لأني لا أعتقد أبدا أن من يسجد لرب الرحمة في جوف الليل ويصنع ما بينه وبين ربه دربا تتطهر فيه الروح من شوائب النفس والجسد، من أحب المصطفى وكل الأنبياء والمرسلين و لامس نور رسالاتهم قد يكون قاسي القلب مؤذيا..

لن أخوض في هذا كله و إن كنت أشرت له ولن أتحدث عن هؤلاء وان كنت ذكرتهم.

هذا الدين جميل فلا تشوهوه

ولكن سأتحدث عن من علقوا غيرة على دينهم وحبا له، أولئك الذين يملكون نية طيبة فهم من يهمني، أنا معهم في قدسية العقيدة و احترام حدود الله، لكن لكل وقت آذان ، هذه جريمة بشعة و روح بريئة أزهقت و قضية عادلة تفقد واحدة من جنودها، وقف رسول الله عليه الصلاة والسلام لجنازة يهودي، فللموت حرمة، فكيف بكم تحولون الموضوع من استنكار الجريمة إلى جدال فقهي لا هذا موضعه ولا وقته ولا أسلوبه ، و أكتفي هنا بالقاعدة الشرعية في درء المفاسد، و إن المفاسد المترتبة عن جر الرأي العام من استنكار جريمة قد يؤدي السكوت عنها إلى تمادى الإحتلال، إلى معارك مفتوحة بين المسلمين حول مصير ضحية الغدر في آخرتها، مفاسد لا يمكن حصرها في تأثير ذلك فقط على مقاومة الشعب الفلسطيني، بل له أبعاد أكبر بكثير في وقت تكالبت حملات التشويه على الإسلام لينتشر الإلحاد بين الشباب، وتقديم سيء للإسلام أمام غير المسلمين، لقد فتحتم الأبواب لكل حاقد على هذا الدين فأنتم تسيؤون لدين الرحمة بغلظة قلوبكم و قسوة خطابكم ولا تقولوا أنها غضبة لله فلن تكونوا أكثر غيرة من الله على دينه، قال عز وجل :{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} نهى الرحمن الصحابة الكرام أن يسبوا آلهة المشركين أو يسفهوا أحلام من يعبدها ، مع أن سب الآلهة الباطلة ممدوح، بل محثوث عليه و يثاب المرء إذا فعل ذلك، لكن منع الله جل في علاه هذه المصلحة لدرء مفسدة أعظم منها، أو لتعارض مفسدة مع هذه المصلحة، ألا وهي سب الله جل في علاه، فإن من أعظم المفاسد أن يسب الله جل في علاه..

فهل طبقتم هذه القاعدة وأنتم تذيلون كل موضوع يتحدث عن اغتيال جبان لمقاومة شجاعة بالتكفير ، حتى المواضيع التي تحدثت عن جريمة الاغتيال دون ترحم على الفقيدة ستجد فيها مئات التعليقات من ذات النوع وكأن يدا خفية نجحت في أن تجعلكم تربطون بين صورة شيرين أبو عاقلة بكلمات " لا تترحموا.. كافرة.. النار.." بدل ربط الصورة بجربمة جبانة لكيان محتل، ربطها بقصة مقاومة عشقت القدس واختارت رباط الكاميرا لتدافع عنه.. وماتت وهي تنقل صوت الحقيقة وتوثق جرائم المحتل.. 

تماما كما ارتبط اسم ذاك الجمع في ذاك المكان.. في ذاك الزمان بقتل النجار لصبيه لأنه غار منه .. بدل ان يرتبط بقصة خيانة زوجة النجار لزوجها مع صبيه..

أختم ثرثرتي بكلام صديقة كانت لا دينية ".. لقد أصبحت لادينية وعشت سنوات تائهة أبحث عن دين، وقد أحببت الإسلام ولكنني ترددت كثيرا قبل اعتناقه، لأني كنت أبحث عن الإسلام في ممارسات بعض المسلمين.. ثم قررت أن أبحث عنه في القرآن وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت ديني وسكينتي وكم أتمنى أن يعود المسلمين للإسلام "...

قبل أن تعلق او تكتب عن دينك تذكر أن هناك باحث نيته طيبة لكن سيف الشك يرافقه، وهناك متربص وعدو ينتظر ثغرة ليلبس على الناس دينهم أو يكرههم فيه، و هناك ضعيف إيمانه هش وهناك نفس تائهة تبحث عن الحقيقة وهناك قلب ضل الطريق ويتمنى ان يجده من جديد وهناك شخص من ذين اخر ومن ثقافة أخرى.. وأن كلمتك قد تؤثر .. أذكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله حين بكى في محاضرة كان يتحدث فيها عن هجوم شرس تعرض له بسبب حثه للمرأة على التعلم وقال وحرقة الغيور على دينه تخلط عبراته بعباراته " هذا الدين جميل لا تشوهوه، هذا الدين هو الحق فأحسنوا تقديمه.."