الأربعاء 03 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

المهجّرون في الشمال السوري.. مأساة تشرد وحنين

16 مايو 2022، 11:10 م
مخيمات الشمال السوري
مخيمات الشمال السوري
16 مايو 2022 . الساعة 11:10 م

آرام – براء عبد الرحمن

يعيش آلاف السوريين المهجّرين في شمالي غربي سوريا في ظروف إنسانية صعبة وغير مستقرة، من حيث المأوى والطعام وصعوبة إيجاد عمل، واختلاف البيئة التي كانوا يعيشون فيها قبل تهجيرهم  قسراً ما خلّف معاناة الكثير منها نفسياً وعاطفياً بحنينهم لأوطانهم وذكرياتهم بديارهم ومقتنياتهم وأملاكهم التي خسروها.

وذلك بعد تهجيرهم القسري نتيجة اتفاقيات أستانا وخفض التصعيد الذي لعبته روسيا بمساريه العسكري والسياسي منذ العام 2017، حيث تم تهجير السوريين من مختلف مدن المحافظات السورية التي كانت تسيطر عليها فصائل الثورة السورية إلى شمال البلاد، وكان آخرهم من خرجوا من الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي وجنوب دمشق ودرعا وريف حمص الشمالي.

المخيم بداية معاناة جديدة

استمرت معاناة السوريين بعد وصولهم إلى محافظة إدلب أو مناطق ريف حلب حتى يومنا هذا، معاناة بدأت رافقتهم ولازمتهم باستمرار، فمعظم المهجّرين هم أهالي الثوار والناشطين والإعلاميين والأطباء والإغاثيين الذين تهجروا قسراً خوفاً من ملاحقة النظام لهم بعد سقوط مناطقهم، فكان هؤلاء من أصحاب المعاناة المزدوجة فهم من صبروا في المناطق المحاصرة كالغوطة وجنوب دمشق، تحت القصف والجوع والحصار حتى بدأت الحملة الأخيرة الروسية، ثم بدأت معاناتهم الثانية في رحلة التهجير والبحث عن البديل والحنين الى الماضي.

وبدت معاناة التهجير منذ أولى خطوات رحلة تهجيرهم باتجاه الشمال والتي لم تتم بسلاسة، فقد بقي أطفال وعائلات من جنوب دمشق والغوطة الشرقية في الحافلات لمدة حوالي خمسة أيام قبل أن يتمكنوا من الدخول إلى منطقة الباب في ريف حلب، ثم تم توزيع عدد كبير من المهجرين في مخيمات إيواء مؤقتة يتم فيها فصل النساء عن الرجال.

وقبع عدد آخر في المستودعات والمساجد بسبب الأزمة السكنية في المنطقة، ثم تبدأ رحلة السعي إلى الحصول على خيمة، ومع سوء البدائل الأخرى كالمبيت بين الأشجار وفي الخيم الكبيرة المشتركة ومع عدم توفرها، تتحوّل أهمية الخيمة من النظرة الدنيئة للخيمة لنظرة الحبّ والإعجاب والتمنّي، بل ووضع الوساطات للحصول عليها، وبعد حصولك على الخيمة تبدأ رحلتك للتو فأنت الآن لاجئ.

تختلف مشاعرك وذاكرتك وتبدأ تتذكر بأنك نجوت من حملة روسية وحصار وبراميل، لكنك لم تنجو فيضيق بك صدرك ويلهث نفسك ويتسرّع قلبك وتتخبط مشاعرك وتخفي الدمعة عن عائلتك لتشعرهم بقليل من الأمان فأنت اليوم نجوت من الموت، لكنك بدأت رحلة الصراع مع كلّ شيء رحلة الصراع مع نفسك وعاطفتك وذاكرتك وحنينك.

رحلة تذكر أشيائك الكثيرة التي لم تحملها وتذكر من فقدت ودفنت بأرض لم تستطع البقاء عليها، ثم أحدهم يدق كتفك قائلاً، نريد شيئاً نأكله، وهنا تعرف أنك بحاجة لتأمين الشوكة والملعقة والسكين والوعاء وكل شيء، فأنت ولا شيء وبلا شيء أنت فارغ تماماً من كل شيء إلا من مشاعر وحنين تسبب لك آلام أكبر من الآلام التي كنت تعشيها في حصارك وتحت البراميل قبيل التهجير، فأنت كنت تعيش لجانب كل ذكرياتك وعائلتك والحي الذي ولدت فيه لكنك اليوم خسرت ارتباطك بالمنشئ الأم، كما خسرت الحياة الاجتماعية التي كانت تربطك بباقي أسرتك التي تفرقت بالنزوح والبقاء والموت.

وفي هذا السياق، تقول إيمان المهجرة من الغوطة الشرقية في منتصف العام 2018 لشبكة "آرام": "لم أستقر بمكان ثابت أكثر من شهرين حتى يومنا هذا، منذ أولى لحظات وصولي للشمال نزلت من الباص للإسعاف كوني مصابة في ظهري نتيجة قصف النظام لمنزلي وتدميره بشكل كامل في بلدة مسرابا بريف دمشق، وبعد أشهر قضيناها بالأنفاق تحت الأرض دون طعام وشراب وتدفئة هروباً من براميل النظام خلال الحملة الأخيرة على الغوطة".

وتضيف إيمان: "بعد ذلك بتنا بمخيم كبير مشترك مع عوائل أخرى وبدأت مسيرة النزوح والتشرد، فقد وصلت للشمال السوري، ولم نحمل من أشيائنا سوى بعض الملابس وحينما حصلنا على خيمة شعرت بالخيبة والصدمة أنّني اليوم نازحة بخيمة بعد أن كنّا نملك منزل جميل ومزرعة وسيارة، أصبحنا نبحث عن لقمة العيش وعن سلة الإعانة".

وتتابع: "ولم تحلّ مشكلتي المنازل الصغيرة التي سكنت إحداها ضمن مشروع (بديل الخيمة)، بل زادت مشكلتي بابتعاد جميع المدارس عن أماكن القرى التي تبنيها الجمعيات الإغاثية والمعروف عن جميع تلك القرى، أنها تبحث عن أرض مجانية إما وقف وإما للنظام، لأنه لا يوجد تمليك عقاري".

وتردف إيمان: "هذه الأراضي التي تقام عليها القرى بعيدة عن مراكز المدن ومتطرفة بين المزارع، ولا يوجد مواصلات ولا سكن ناهيك عن أن المنزل هو عبارة عن 38 متراً فقط، أي أن البيت هو غرفة واحدة وسقفها منخفض ولا يمكنني أن أرسل أطفالي للمدارس فالباصات الخاصة باهظة الأمر الذي دعاني أن أترك المنزل المجاني وأبحث مجدداً عن مخيم قريب من مراكز المدن والأسواق والمدارس".

من جهته، يصف منير قديح، المهجّر من غوطة دمشق للشمال السوري لشبكة "آرام"، السنوات التي يعيشونها وكأنهم "أموات" ينتظرون خروج الروح للخلاص من التفكير بما آل إليه الأمر من تشرد وضياع، إذ مضت أربع سنوات على خروجهم من الغوطة ولم يتغير شيء.

ويقول قديح: "نُعاني من آلام نفسية وعاطفية وحنين وألم لا يفارق عواطفنا وذكرياتنا، فأنا في كل يوم أتذكر والدتي التي تعيش آخر أيامها دون قدرتي على الوصول إليها فهي تعيش بمناطق سيطرة النظام وهي مريضة وكبيرة بالسن، وقد توفي العديد من أقاربي ومن عائلتي ولم أستطع حتى من تعزيتهم، فهم يخافون حتى من مجرد مكالمة هاتفية للشمال السوري".

ويضيف: "في كل يوم أتذكر قبر والدي الذي كنت أزوره باستمرار وأتذكر مقتنياتي الخاصة في بيتي، فكنت أملك الكثير من الأنتيكة المغرم بها وقد سرقها عناصر النظام فور دخول النظام لمناطقنا، أتذكر يومياً مزرعتي التي أزرع بها الخضروات الطازجة التي امتنع من شرائها فأزرعها وأرويها بالمياه العذبة للحصول على رائحة خضار زكية".

ويردف قديح: "أتفقد يومياً ألبوم صوري الخاص الذي تركته خلفي فلم نخرج من الغوطة إلا بأرواحنا، ومع كلّ ما ذكرت من مآسي نعاني في وطننا بالشمال من الغربة والمواقف العنصرية والتنمر من بعض أصحاب القرى الأصليين، فهم ينظرون إلينا كغرباء عن مناطقهم وهم يقولون عن أنفسهم أنهم أبناء المنطقة وكلمة أبناء المنطقة هي مثابة رتبة تميز ابن المنطقة عن المُهجر والنازح ويحق لابن المنطقة مالا يحق للنازح، فابن المنطقة له الأولوية بالإعانة والتوظيف والعمل بالمنظمات وهذا ما حرم منه أبنائي كونهم غرباء عن المناطق التي عشنا وتنقلنا بها".

حقيقة واقع المخيمات

تُبنى المُخيمات على أراضٍ ترابيةٍ، الأمر الذي يجعلك تسبح بالطين في فصل الشتاء لتصل لأقرب مدرسة توصل بها أطفالك، ويعاني المهجّرون بالمخيمات من الوجود الكثيف للجرذان والفئران والعقارب والحشرات السامة، أمّا عند هطول المطر تتحول الساحات المحيطة بالخيام والحارات التي تفصل عن بعضها لمستنقعات وبرك وساحات طينية لا تقي من برد الشتاء ولا من حر الصيف، والخيمة هي غرفة الضيوف وصالة الطعام ومكان مبيت الأطفال.

في المخيمات لا يوجد مياه معقمة، والحصول على المياه يحتاج لمشقة بالغة ولمصروف مخصص لتعبئتها، في المخيمات تسجّل جهات حقوقية باستمرار موت الكثير من الأطفال خنقاً لأنَّ المهجّرين يستخدمون الأكياس البلاستيكية والنايلون للحرق والتدفئة، في المخيمات يصاب الكثير من الأطفال بأمراض جلدية نتيجة تلوث المياه والهواء والطعام وكلّ ما يحيط بالخيمة هو ملوث، ناهيك عن عدم توفر مستوصفات وعيادات ومشافي، والكثير من الأهالي منع أطفاله عن مواصلة تعليمه بسبب عدم توفر المدارس بالمخيمات وبعدها عن مراكز المدن والقرى.

الكثير من مخيمات الشمال السوري أقدم من عمرها المتوقع وأكثر عُرضة للتلف وغير مقاومة للعوامل الجوية، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن 167 شخصاً قضوا نحبهم بسبب البرد بينهم 77 طفلاً.

وسجلت درجات حرارة متدنية وعاصفة ثلوج في سوريا وصلت إلى نحو تسع درجات تحت الصفر في مناطق الشمال السوري، وخصوصاً المخيمات المحيطة بقرى عفرين وتبقى جهود المؤسسات الاغاثية تحل جزء من مشكلة المهجرين والمخيمات لأنَّ حقيقة واقع يحتاج المخيمات والمهجرين ومأساتها أكبر من طاقة وحجم تلك المؤسسات وهي بحاجة لدول وقرارات سياسية لإنهاء الحرب وإعادة اللاجئين الي موطنهم الأصلي.

اقرأ أيضاً: