الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

ماذا لو عاد الحجَّاج؟

02 يوليو 2022، 11:56 م

نحن ملة لو سكنت القمر وتجولت بين الكواكب وكأنها تتجول بين أروقة بغداد ووصلت في علمها أعنان السماء يبقى في

داخلنا الطابع القبليوحب الجاه والتعالي والتسلط والميل إلى القوي والتفاخر ببطشه وشدة ضربته وعلو سلطانه وحجم توليه المرعب.

 فالكثير من أفراد هذا المجتمع إلى الآن يتغنى باسم الحجاج ابن يوسف الثقفي حين تولى العراق.

وإلى اليوم حينما يُذكر ما قاله الحجاج حين ارتقى منبر المسجد الأعظم في الكوفة: 

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا           متى أضع العمامة تعرفوني

فيتفاخر الكثيرون حينما يذكر شدة قبضته وكثرة بطشه، ويقول مرارًا: (والله هذا مجتمع يحتاج حجاجًا)

وكأنه يتخيل في نفسه ابن جبير زمان الحجاج، وهو من يأمر الناس بالعدل والإحسان وعدم الخروج عن القوانين والأحكام.

 لكنه في الحقيقة بغض طبيعة مجتمعه وما وصل إليه

ويميل إلى طبيعته البشرية الشرقية المدمجة دمجًا كبيرًا في العادات القبلية من حيث حبه للقائد الباطش

الجائر الذي يجرم في سبيل سير قافلة الحكم والتوريث الطبيعية.

نحن لا ننكر أبدًا أن ما يقوله الأقدمين: "السلطان الجائر خير من الفوضى"، فإن السلطان الجائر بالتفكير المنطقي هو شخص ظالم يستخدم أدواته للسيطرة على المجتمع بكل جوانبه.

ويوظف المجتمع للعمل ليل نهار لخدمته وخدمة سلطانه، ولديه الكثير من المنافقين والجلاوزة الذين يعتبرون أدوات الحاكم وسوطه الضارب، فتكون السلطة بيد هذا الجائر وهو السلطان الأوحد على الناس.

يقوم هذا السلطان الجائر ببسط الأمن في أرجاء ملكه ليس خوفًا على شعبه بقدر ما هو خوفًا على عرشه الذي يتمناه سرمديًا.

 وحتى يكون هذا السلطان أبديًا في عرشه يقع عليه السيطرة على مفاصل

حكمه لبسط الأمن حتى يستمر الشعب بالعمل ليل نهار ليأخذ الشعب القليل من المال مقابل جهده المضني والحصة الأكبر تذهب إلى الحاكم.

 ففي هذه الحالة يخرج لنا طرفين الأول سلطان جائر متخم، شعب فقير آمن.

أمّا في حالة الفوضى، تكون هناك مجموعات صغيرة كثيرة متكونة من المجرمين وقطاع الطرق والمنحرفين وأبناء السوء يقومون بترهيب الناس وتشريدهم من أجل الاستيلاء على أموالهم والتوسع لإكمال رحلة التناحر مع المجموعات البقية.

ظنًا منهم سيستولون على الحكم كما فعل السلطان الجائر، وبهذا يفقد الفقير أمانه وماله البسيط.

لكننا اليوم لو تخلصنا من السلطان الجائر والفوضى العارمة وعبرنا بالمجتمع إلى ضفة أكثر أمانًا.

ويتنعم المجتمع بالتكنولوجيا والحداثة والمدنية لتجد شريحة كبيرة منهم يتمنون لو أن الحجاج أو أشباه الحجاج

حاضرين جالسين مجلس الحاكم ليكونوا تحت راية ذاك السلطان الذي يحكمهم بالحديد والنار لا بالعقل والمنطق.

ربما لم يكن الحجاج ذو نزعة حوارية ولا يمتلك طريقة العقل والمنطق ولا طريقة الحكم الحديث لكنه لو اتخذ أي من هذه الأساليب في حكمه آنذاك.

لأصبح شيء لا يُذكر في تاريخ هذا المجتمع ولا تعار إليه أدنى أهمية.

لكن اليوم وحتى في المستقبل يتمناه الكثير من أبناء هذا المجتمع لأنه باطش ويروي عطش الشوق القبلي لدى الكثير من هؤلاء الناس.

ولو جاء في الغد حاكمًا على غير دين المجتمع وعلى غير طبيعتهم وأخلاقهم.

لكنه يحكم الناس بالبطش والتخويف والترهيب لأحبوه وتغنوا باسمه وأصبحواعلى دينه.

وعندما يمر عليه الزمان ويموت ويأتي من يأتي ويحكم الناس بالحسنى والشورى لرجموه ولعنوه.

وتمنوا ذاك الجائر الباطش أنيخرج من قبره ويستل سيفه ويعيد سلطانه ويحكمهم.

هذا الطابع لم يأتِ من فراغ ولا من العدم.

فهذه هي طبيعة البداوة والطبيعة القبلية لذلك يميلون إلى الشدة والعصبية لا المرونة والشورى.

بالرغم من أن دينهم يأمر بالشورى والمرونة وينهيهم عن الشدة والعصبية.

إلا أن الطبيعة البشرية غلابة على الدين.

فالطبيعة أقدم من الدين في النفس البشرية.

والطبيعة تولد في كينونة الإنسان بشكل طبيعي.

لكن الدين يتعلمه الفرد من محيطه مع بلوغه.

ويبقى الدين يُصلح ما أتلفه المجتمع في داخله ويطغي على الطبيعة الموجودة في كينونته إذا كانت سلبية.

 لكن المجتمع العربي عاداته وطبيعته تتغلب على الدين تغلب واضح، فالدين جاء على التواضع والبساطة والتسامح

في الأمور الحياتية، أما طبيعتهم وعاداتهم تأمرهم بغير ذلك فالجاه وشدة البأس والعصبية هن من يسيطرن على طبيعته وشكله الروحي الداخلي.

وهذا صعب جدًا التخلص منه أو انتزاعه من ذاته التي نشأ عليها.

لذلك لا نستغرب اليوم من يتمنى عودة الحجاج إلى الحياة ليحكم الناس ويبطش بهم حتىيعم العدل في نظره.

ولكنه لا يدري لو افترضنا فرضية خيالية بأن الحجاج عاد فعلًا لقتله وقتل أباه وأمه وأخاه.

فهم جزء من المجتمع الذي يراه مليئًا بالأخطاء، فهو جزء لا يتجزأ من المجتمع المحيط.

أو بالأحرى هو عينة من المجتمع ومن الممكن أخذها لفهم طبيعة المجتمع.

فإذا خرج الحجاج من قبره  وأستل سيفه وبطش في الناس لمخالفتهم القوانين لبطش فيه هو أيضًا

فهو ابن ذات المجتمع المخالف وهو يخالف مثله مثل بقية المجتمع، إلا أن ما فات لا يعود.