بهذه الحرب الدائرة حاليا في اوكرانيا ، فإن روسيا ليست هي التي تستنزف بقدر ما أن اوكرانيا هي التي تنتحر بفعل التدمير المتواصل لمقوماتها كدولة قابلة للحياة

فروسيا ما تزال لديها أوراق ضغط قوية تلاعب بها أمريكا وحلفاءها الأوروبيبن ، ودول أخرى عديدة بسبب حاجة تلك الدول الي الحبوب والطاقة والأسلحة الروسية التي يتعذر توفير بديل فوري لها من مصادر دولية أخرى وبالشروط نفسها...
كما أن تطور علاقات الشراكة الاستراتيجية التي تجمع روسيا بالصين ساعدتها من جانب آخر على احتواء الكثير من تداعيات العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها، وهو ما جعلها تتعامل مع النتائج الدولية الصعبة التي أفضت إليها هذه الحرب الأوكرانية بدرجة عالية نسبيا من الثقة بالنفس والثبات والتحكم وضبط الأعصاب، فالرئيس الروسي بوتين الذي نراه اليوم هو غير الرئيس بوتين الذي رأيناه منذ سبعة أشهر في بداية هذه الحرب عندما لم يكن يعرف وقتها أنه يملك كل هذه الأدوات والأوراق التي بدأت تحدث تاثيرها مع الوقت

أما أوكرانيا ، فإنها على العكس من روسيا، تخوض حربا خاسرة بأعبائها وتكاليفها الفادحة، حرب تدمر لها مدنها ومواردها واقتصادها وقَواتها وتستنزف طاقاتها وتعطل شرايين الحياة فيها، وتضعها تحت رحمة حرب لا تبدو نهاية قريبة لها، فضلا عن أنه لا وعود حلف الناتو بضمها اليها قد نفذت ، ولا عضويتها في الاتحاد الأوروبي باتت مطروحة للمناقشة ، فقد اسدلوا الستار على هذا كله بعد أن دفعوا بها إلى حرب غير متكافئة كانوا يعرفون أن نتائجها محسومة لغير صالحها حتى من قبل ان تبدأ، هذا بينما بقوا هم بعيدين عنها مكتفين بالمساعدات العسكرية التي ما زالوا يقدمَونها لها لكي تواصل القتال، وهي المساعدات التي برهنت على انعدام فاعليتها خلافا لكل ما زعموه في البداية وبالغوا فيه 

مصيبة اوكرانيا الكبيرة هي في قلة خبرة قيادتها السياسية ورعونتها واندفاعها الزائد بلا تدبر أو حساب كاف للعواقب والمضاعفات الكارثية التي كانت هذه الحرب تنذر بها بالنسبة لبلادهم بقدراتها العسكرية المحدودة : هذه القيادة التي نجحوا في التغرير بها ، وفي تحريضها وشحنها وتخديرها بالوعود الكاذبة التي بنت حساباتها وقراراتها على أساسها، وبهذا أمكنهم استدراجها إلى هذه المواجهة المسلحة، وليكون الفخ الأوكراني هو سلاحهم الذي خططوا له لاستنراف قوة روسيا العسكرية وتدمير مواردها الاقتصادية وتحجيم دورها أوروبيا وعالميا بتوريطها في حرب طويلة وممتدة على حدودها بدلا من الدخول معها في حرب مباشرة قد تستخدم فيها الاسلحة النووية ولتصبح حرب دمار شامل، وهو ما لم يكونوا مستعدين له 
أو راغبين فيه، وكان جر روسيا إلى الحرب في اوكرانيا هو خيارهم المفضل الذي راهنوا عليه، لكن جاءت مجريات هذه الحرب بنتائجها الصادمة لهم على الارض لتفشل هذا الرهان المبدئي سواء اعترف الأمريكيون والأوروببون بهذا الفشل او انكروه... 

وفي رايي ان الحرب الاوكرانية سوف تمتد ََوتطول . لا لسبب الا لان لكل من الطرفين الغربي والروسي مصلحة في اطالة امدها وليس في وقفها كل لحساباته ، هذا بينما تبقي اوكرانيا وحدها هي الخاسر الاكبر فيها ، ولتقدم للعالم مثالا حيا عن كيف يتم الايقاع بالدول الصغيرة ودفعها الي خوض حروب مدمرة وباهظة التكلفة بالوكالة عن الكبار ممن لم يعد التورط المباشر في مثل هذه الحروب الخاسرة والمرفوضة من شعوبهم يلزمهم ولا واردا في خططهم واستراتيجياتهم الامنية...

وما فعلوه في اوكرانيا يحاولونه الآن في تايوان مع الصين....

فاللعبة واحدة واللاعبون هم نفس اللاعبين...