الجمعة 05 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

هل تكون "مهسا أميني" بوعزيزي الربيع الإيراني؟

01 أكتوبر 2022، 10:46 م
هل تكون "مهسا أميني" بوعزيزي الربيع الإيراني؟

د. باسل معراوي

كاتب وسياسي سوري

01 أكتوبر 2022 . الساعة 10:46 م

تختلف أشكال وطبيعة النظم الاستبدادية من حيث نوعية خطابها والأدوات المستخدمة لفرض سلطتها، لكنها تتقاطع بمسائل جوهرية وهي غياب الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وهي بالتأكيد ستؤدي للاستبداد السياسي (سواء كان منظومة أو فرد)، وسينتج الاستبداد شروره أو منتجه الطبيعي وهو الفساد العام والذي سيكون سياسيا وماليا تتيح لزمرة متحكمة بالقرار السياسي بسط سيطرتها على الدولة والمجتمع والتحكم بشرايين ومفاتيح الاقتصاد.

سوف تحمي تلك المنظومات الاستبدادية أو الفردية أجهزة أمن موالية بشكل شخصي للزعيم، أو مصممة عقائدياً لتحمي من صنعها بإيديولوجيا زائفة دينية أو قومية أو طائفية أو عشائرية أو مناطقية، بشكل يتم توظيف تلك الأدوات بشعاراتها المقدسة التي لا يأتيها الباطل من أمامها أو خلفها لخدمة الأجندة السياسية المشغلة لها.

غالباً ما يستهين الطغاة بمكنونات القوة لدى شعوبهم بل ويزدرون بها ولا يرون فيها إلا قطيعاً يمكن قيادته بسلاسة، إذ تولد القبضة الأمنية والبطش لأتفه الأسباب تولد تأخيراً في انفجار البركان الشعبي الى حين ولكن لا تستطيع منع انفجاره.

ويمكن أن تتشابه شعوب المنطقة وخاصة في شرقنا الأوسط بكثير من الخصائص ومكونات بناء الشخصية والنظم المجتمعية السائدة والبعيدة كل البعد عن السلطة ومفرزاتها وإيديولوجياتها وشعاراتها، ومن الممكن أن تكون قوة المجتمعات الشرقية مستمدة من قوة بناء الأسرة وتمارسها باعتبارها اللبنة الأساسية في البناء المجتمعي ومن الأسرة بتكون الحي أو العشيرة أو القرية وصولًا لمجتمعات المدن الكبرى والتي يلتزم فيها الأفراد بالقيم الدينية والمعايير الأخلاقية والمجتمعية أكثر بكثير من فرض بعض قواعد السلوك بقوة السلطة.

وهنا أشير للحجاب الأنثوي الذي تلتزم به طوعاً كثير من النساء مراعاة لقيم تربين عليها أكثر من الالتزام به قسراً خدمة لإيديولوجيات النظم الحاكمة.

تفجر الربيع العربي من شاب عربي تونسي تلقى صفعة من شرطية سلطوية أطاحت بكرامته أرضاً فأحرق نفسه احتجاجاً على انتهاك كرامته، وانتفض إخوانه وانتشرت الثورة انتشار النار في العشب الجاف وأطيح بأول ديكتاتور عربي.

كانت الثورة المصرية في كانون الثاني 2011 غير مخطط لها حيث نهى إلى سمع الشباب المصري مقتل زميلهم خالد سعيد في سجون الأمن المصري تحت التعذيب، فخرجوا للاحتجاج على مقتله واندلعت الثورة المصرية والتي أطاحت بديكتاتور أكبر دولة عربية بعد جلوسه على أنفاس المصريين لثلاثين عاماً خلت.

باعتداء معنوي في تونس وجسدي في مصر كان رفض الشباب العربي للمس بكرامته أو جسده دونه الثورة التي اكتملت أو نضجت أسباب اندلاعها.

حدث في سوريا ما حدث في تونس، اعتداء معنوي على وجهاء حوران من قبل ضابط أمن على قرابة برأس النظام. سبّب كلامه لهم وإهانتهم تفجير مكامن الغضب العربي الحوراني والذي انتصر له السوريون جميعاً بثورة الكرامة والحرية واندلعت الثورة السورية التي إن تعثرت بعض الشيء، لكنها ستقود إلى التغيير الحقيقي بإسقاط أعتى الأنظمة التي عرفها التاريخ الحديث.

كان اعتداء شرطة الأخلاق الإيرانية على الفتاة الكردية الايرانية، مهسا أميني، ذات الـ22 ربيعاً بسبب مخالفتها لقواعد الحجاب وظهور خصلة من شعرها، واقتيادها لمركز أمني تعرضت به للضغط المعنوي والجسدي، بحيث تكامل الاعتداء بشقيه الاعتداء على كرامة وجسد الإنسان وتوفيت الفتاة واشتعلت إيران غضباً.

لم تغب الاحتجاجات المناهضة لنظام الملالي الذي يمزج المذهبية بالقومية بالسياسة لم تغب فكل عدة سنوات تنطلق احتجاجات وتظاهرات تكون مناطقية أو قومية أو مذهبية أو مطلبية احتجاجاً على ضنك العيش للمواطن الإيراني وتبديد اقتصاد البلاد على عسكرة المجتمع وإنشاء الميليشيات في البلدان المجاورة، وبناء برامج نووية عسكرية والتعرض لعقوبات دولية قاسية.

وكان في كل مرة تندلع الاحتجاجات تتردد شعارات "لا غزة ولا لبنان روحي فداء لإيران"، أو ما شابهها من الشعارات المعترضة على عدم إنفاق الأموال الإيرانية على المجتمع الإيراني والصرف بسخاء على مشاريع ولاية الفقيه بالتمدد خارجياً تحت شعارات انتقامية وتاريخية، بل ترفض التطلع للمستقبل والبقاء في أعماق التاريخ.

منذ الثورة الخضراء في العام 2009 والتي هددت بقاء النظام الحالي والذي تمكن من قمعها لاحقاً، اندلعت أربعة احتجاجات مختلفة وشكّلت انتفاضة 16 أيلول بعد مقتل مهسا أميني الانتفاضة الخامسة في ظل 12 عاماً خلت، وكل تلك الانتفاضات ترفع شعار كقاسم مشترك الموت للديكتاتور في استحضار للشعار الشهير الذي تم رفعه بالثورة الايرانية 1979والمقصود وقتها الشاه محمد رضا بهلوي.

تختلف هذه الموجة من الاحتجاجات عن سابقاتها بشمولها للمجتمع الإيراني كله وخاصة بتصدرها النساء واللائي خلعن حجابهن وقصصن شعورهن في الساحات العامة كتحدٍ لسلطة الاستبداد السياسي واستنهاضاً للرجل الايراني وإثارة حميته. لن تكون هذه الثورة إلا ثورة ثقافية سياسية على مخلفات 43 عاماً من القمع السياسي بخطاب ديني مقدس.

فشل القوة الناعمة للمشروع الايراني

لم يستطع مشروع ولاية الفقيه تقديم مشروع اقتصادي واجتماعي ناجح لا في الداخل الإيراني ولا في المجتمعات التي تمدد إليها، فبعد استهلاك الشعارات الدينية التاريخية الحاقدة واللطميات الحسينية، تشكلت طبقة من رجال الدين والأجهزة السلطوية تحتكر الثروة والسلطة وكانت روائح فسادها تزكم الأنوف وتنزع أي مصداقية لمن يرفع شعارات "لن تسبى زينب مرتين"، أو "هيهات منا الذلة"، والشعارات الحديثة المتعلقة بتحرير الأقصى وبيت المقدس وإزالة الدولة العبرية من الوجود.

إن الأرقام الاقتصادية الصادرة من الداخل الإيراني مرعبة عن توسع طبقة الفقراء وانتشار البطالة والمخدرات والتضخم وانهيار العملة المحلية وتضاؤل قيمتها الشرائية، كذاك كانت انتفاضة الشيعة العرب العراقيون منذ بداية أكتوبر 2019 والتي مازالت مستمرة على النموذج الفارسي الذي أتت به ولاية الفقيه إلى العراق "الدولة العربية الأغنى"، وكيف تحولت الدولة العراقية واقتصادها إلى جيفة متفسخة يتغذى عليها حشد العراق الشيعي الديني المسلح الموالي لإيران.

وكانت الشعارات الوطنية العراقية "العراق حرة حرة وإيران تطلع برة".. تطلق في النجف وكربلاء وباقي الجنوب العراقي (الشيعي). وكان إحراق صور خامنئي وقاسم سليماني ومن ثم إحراق قنصليات ورموز إيرانية في العراق تعبيراً عن الرفض الشعبي المجتمعي لنموذج ولاية الفقيه في من كان يعتقد أنهم سيكونون رأس الحربة في مشروع تمدده.

حاول النظام الايراني (كعادة الأنظمة الاستبدادية)، ربط الاحتجاجات الإيرانية بأجندة خارجية (إسرائيلية وأمريكية وسعودية)، بل وأعلن عن اعتقال عناصر من داعش بين المحتجين، ولن يفيده قصف إقليم كردستان العراق ومواقع للأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة له لاتهام عوامل خارجية بافتعال أو تأجيج الاحتجاجات.

لن تؤدي هذه الموجة الأخيرة من الاحتجاجات إلى سقوط النظام بالتأكيد بل إنها إذا ما بقيت سلمية ولم يتم عسكرتها قد تكون المسمار ما قبل الأخير في نعش نظام ولاية الفقيه الفارسية.

المصدر: داماس بوست