الإثنين 22 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

نصر روسي زائف في سوريا.. من أسباب الإخفاق في أوكرانيا

13 أكتوبر 2022، 05:02 م
نصر روسي زائف في سوريا.. من أسباب الإخفاق في أوكرانيا

د. باسل معراوي

كاتب وسياسي سوري

13 أكتوبر 2022 . الساعة 05:02 م

عندما خسر الاتحاد السوفييتي الحرب الباردة، كان أمام الغرب المنتصر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، خياران للتعامل مع المهزوم، تم تجريبهما بنفس القرن مع ألمانيا، الإمبراطورية المنهزمة في الحرب الأولى وألمانيا النازية المنهزمة في الحرب العالمية الثانية.

في نهاية الحرب العالمية الأولى فرض المنتصرون شروط مذلّة على ألمانيا وعاملوها معاملة قاسية، وتلك الحالة أنتجت في المجتمع الألماني هتلر الذي قاد المجتمع الحانق والدولة المذلولة إلى تفجير الحرب العالمية الثانية.

وعى الغرب الدرس فتعاملوا مع ألمانيا الهتلرية المدمرة والمهزومة في الحرب العالمية الثانية بعقلية أخرى، وهي تحويلها من عدو إلى حليف محتمل، وإن أمكن تحويلها إلى حليف، وهذا ما حصل بالفعل حيث تحولت ألمانيا كقوة أساسية في حلف الناتو وقلب اقتصاد الاتحاد الأوربي الذي يعتبره بعضهم الذراع السياسي للناتو.

بينما في السنوات السبع التي حكم بها الرئيس بوريس يلتسين الاتحاد الروسي بعد تفكك سلفه الاتحاد السوفييتي تعامل الغرب المنتصر معه بمنتهى الإذلال وتركه لمصيره حيث انتشرت في روسيا مافيا المال والسلاح وكل أنواع العصابات، وتم تفكيك رموز أو صروح الدولة السوفييتية وبيعها بالمزاد العلني واستقطاب كفاءاتها وعلمائها إلى الغرب، حتى أن الولايات المتحدة عندما كانت موسكو تشهد الطوابير للحصول على رغيف الخبز، أرسلت لهم مساعدات إنسانية وهي تمثل إمعاناً في اذلال الدب الروسي المفترس والجريح في ذلك الوقت.

صعد ضابط من الجهاز الوحيد الذي بقي سليماً من أجهزة الدولة السوفييتية، كان فلاديمير بوتين ضابط الاستخبارات السوفييتي في ألمانيا، الذي شهد بأم عينه انهيار جدار برلين وعاصر عهد الرئيس يلتسين، الذي كانت فيه الدولة الروسية في أسوأ حالاتها، ومني جيشها بهزيمة ساحقة على يد المقاومة الشيشانية.

صعد إلى مركز القرار في الكرملين عام 1999 وبدأت قصة روسيا البوتينية القيصرية، التي حاول القيصر الجديد إحياءها وكان معتزاً بالتاريخ والأمجاد الروسية.

منذ تلك الفترة حتى الآن، كان العقل السياسي والاستراتيجي الأمريكي مقتنعاً أن روسيا الاتحادية ليست دولة عظمى (ولن تكون) وليست هي إلا مجرّد دولة إقليمية كبرى ولكنها تمتلك أسلحة نووية (كالهند وباكستان)، وكان التيه الاستراتيجي الأمريكي قد بدأ فعلاً بعد ضربات الحادي عشر من أيلول 2001، بعد فترة الاسترخاء والنشوة الاستراتيجية التي أعقبت الفوز الأمريكي بالحرب الباردة.

في ذروة الانغماس الأمريكي بالحرب على (الإرهاب)، بدأ القيصر الجديد خطواته، فأخمد التمرد الشيشاني وأعاد الاستقرار إلى الداخل الروسي وبدأ ببناء مركز قوي تقوده موسكو وتفرض قبضتها الحديدية على ما يقارب عشرة ملايين كيلو متر مربع، هي مساحة الاتحاد الروسي وتربع بوتين على عرش القيصرية، وبدأ مشوار أحلامه التي كان لا يخفيها، باستعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية التي قادته قبل وصوله إلى سورية بغزو جمهوريتين من الجوار الروسي واقتطاع أجزاء من أراضيهما وجعلهما تدوران بالفلك الروسي.

النصر الروسي الزائف في سوريا

كان التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية تعبيراً عن طموح روسي بلعب دور استراتيجي على المستوى الدولي مدفوعاً بفائض قوّة هائل ومستنداً إلى تجربتين ناجحتين سابقتين، اختبر بهما الرئيس الروسي الغرب ولم يجد منه إلا الانحناء لعاصفته، فبعد غزوه لجمهورية جورجيا عاتبه الغرب وفرض عليه عقوبات رمزية بمضمونها، ولم يختلف الحال كثيراً عند غزوه شبه جزيرة القرم واقتطاع أراض من دولة أوربية مجاورة، فتم فرض عقوبات أشد من السابقة لكنها قوّته ولم تضعفه، إذ اختبر القيصر الجديد الإرادة السياسية الغربية فوجدها واهنة ومرتبكة إزاء أفعاله وطموحاته فتجرّأ على المزيد لتحقيق أحلامه.

توّج الرئيس الروسي تدخله بالحرب السورية منذ يومها الأول بانخراط عسكري مباشر نهاية أيلول 2015.

ولم يكتف فقط بمحاولات النصر السياسي الذي حققه لحليفه النظام السوري بحمايته في المحافل الدولية، واستخدام حق الفيتو لإجهاض أي قرار أو إدانة له، وكان مشهد المندوب الروسي في مجلس الأمن رافعاً يده مألوفاً بتحدي كل القوانين والأعراف والمنظومات الأخلاقية الدولية وضارباً عرض الحائط بكل المواقف الدولية، التي كانت تدين ممارسات وارتكابات وجرائم النظام الوحشية.

لم يتم وضع أي قيود دولية على حدود الأعمال العسكرية الروسية في سورية وعلى كمية ونوعية العنف الذي استخدمه وكان يستهدف كل ما هو مدني وثائر أو معارض للنظام وبقمة الوحشية ولم تكن أفعاله تلك تجابه إلا ببيانات خجولة منددة بالمجازر التي ترتكب في سورية، وأغلب الاحيان دون ذكر المجرم الروسي صراحة، بل كانت تكتفي بالشجب والاستنكار وضرورة المحافظة على ضبط النفس وحل المسائل سلمياً، والعودة للقرارات الدولية الناظمة للحل السياسي.

اقتنع الروس بحقيقة الوهن الغربي تجاههم، وبدا أن البلطجي الدولي الروسي يفعل ما يريد وينفذ أجنداته، وما على الآخرين إلا القبول بل وإعادة إعمار ما خرّبه بأموالهم وعبر شركاته.

وكانت الانتصارات الروسية السهلة في أوربا على جيوش متهالكة، والانتصارات السهلة على مدنيين سوريين وفصائل مسلّحة بأسلحة بدائية، سبباً في الغطرسة الروسية الزائفة والإفراط بالثقة بالقدرات.

وكان وزير الدفاع الروسي يتباهى دائماً بأنه جرّب أكثر من ثلاثمائة سلاح روسي جديد في سورية واختبر فعالياتها، وكانت الوزارة لا تتردد في عرض شرائط مصورة عن قوّة التدمير ودقة الإصابة في معارض الأسلحة الدولية.

لم يبال الغرب كثيراً لحلم القياصرة القديم بالوصول إلى المياه الدافئة، وأنشأ الروس قاعدتين عسكريتين مهمتين على الساحل السوري، إحداهما جوية والأخرى بحرية تحيط بالجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، وقد هدد وزير الدفاع الروسي الحلف قبل الإقدام على غزو أوكرانيا بأيام قليلة، بزيارة القواعد الروسية وإجراء مناورات لإظهار قوتها ولتوصيل رسالة مفادها أن الروس يحاصرون الحلف العتيد من الجنوب، لإرهاب الأوربيين وتحذيرهم من الإقدام على أية مجازفة بالتصدي للغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا.

ولم يكن الروس محرجون بإفشال مسار التفاوض الدولي حول سورية وإفراغ محتوى الجولات التي تمت دون إحراز أي تقدم، بل كانوا معتادين على القول علناً، إن لا حل عسكري في سورية، بمعنى، لا يمكن هزيمة النظام المدعوم منهم عسكرياً وبالتالي الترديد على رؤوس الأشهاد أن غايتهم الرئيسية في سورية هي إرجاع كل الجغرافيا والديمغرافيا المتمردة على نظام الأسد إلى حظيرته.

واخترعوا مسارات تفاوضية موازية، بل حاولوا إعدام المسار الأممي عبر مسار أستانا وفرضوا على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إحدى منتجات مؤتمراتهم، وهي لجنة دستورية اختزلوا فيها كل ملفات التفاوض، وأعلنوا أن لا برنامج زمني لإنهاء أعمالها، بل وأن ما تتوصل إليه يعتبر غير ملزم للنظام السوري.

مارس الروس كل أشكال الغطرسة السياسية والدبلوماسية والعسكرية في سورية تجاه الغرب ولم يلقوا رداً حازماً أو موقفاً مشتركاً قوياً، إضافة إلى عوامل أخرى لا مجال للخوض فيها ظن الروس أن أوكرانيا ستكون سورية ثانية.

وقع الروس في المستنقع الأوكراني، وسواء أوقعوا أنفسهم به بقراراتهم الخاطئة أو تم استدراجهم إليه، فإنهم الآن يتنفسون من تحت الماء، وقد يسهم الجنرال ثلج والمقاومة الأوكرانية في تلقينهم درساً لن ينسوه بعد أن خدعهم نصرهم الزائف في سورية وأدّى بهم إلى التهلكة.

المصدر: نينار برس

اقرأ أيضاً: جسر القرم بين الحقائق والوهم

شاهد إصداراتنا: