السبت 06 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

طيران أجنحة الشام.. عندما تتقمص أدوات الإرهاب رداء الإنسانية بمباركة دولية

20 أكتوبر 2022، 09:37 م
طيران أجنحة الشام.. عندما تتقمص أدوات الإرهاب رداء الإنسانية بمباركة دولية

المحامي فهد القاضي

كاتب وحقوقي سوري

20 أكتوبر 2022 . الساعة 09:37 م

كثيرة هي الالتواءات الدولية والاستدارات المفاجئة والمفارقات الحاسمة في العدالة العرجاء والمواقف الدولية، التي عصفت بالثورة السورية منذ اندلاعها في آذار/مارس من العام 2011، وكان أبرزها: الالتواءات الأمريكية في الملف السوري والتي تدنّت تدريجياً من المطالبة برحيل الأسد بعد أن فقد شرعيته إلى استجداء مجلس الأمن (روسيا تحديداً) في الآونة الأخيرة للاستمرار في إيصال المساعدات إلى ملايين النازحين والمهجرين في المخيمات المنتشرة في الشمال السوري، الهاربين من قراهم ومدنهم بسبب براميل الأسد وصواريخ روسيا وحرب المليشيات الإيرانية المنادية بشعارات طائفية (يا لثارات الحسين).

ويبدو أنَّ من إحدى تلك الاستدارات المفاجئة والالتواءات المثيرة، والتي تكفّلت بنقل شركة "طيران أجنحة الشام" والمملوكة لنظام الأسد المجرم من قائمة مساندة الإرهاب والعقوبات الأوربية، إلى رأس قائمة دعاة الرحمة والإنسانية، لا بل الراعية الرئيسية لتلك المحافل التي تتنطّع بالقيم والمبادئ والأخلاق وحقوق الإنسان واللاجئين، ومكافحة البطالة والجوع بعد أن تم شطبها من قوائم عقوبات الاتحاد الأوربي، وهذا ما سنسلط عليه الضوء في الدراسة التي بين أيديكم.

تعد شركة أجنحة الشام للطيران، التي تأسست عام 2007، أول شركة خاصة للطيران في سوريا، والتي اتخذت من مطار دمشق الدولي مقراً لها ومركزاً لإدارتها وعملياتها بعد حصولها على التراخيص الداخلية والدولية الخاصة بذلك. حيث تعود ملكيتها إلى مجموعة شركات "شموط" التجارية والتي أثبتت التقارير الأمريكية بأنَّ تلك الشركة تشكّل غطاءً مالياً لكل من رجل الأعمال رامي مخلوف وكذلك لرئيس العصابات الحاكمة في سوريا بشار الأسد.

وقد استطاعت أجنحة الشام وفي خلال فترة قياسية أن تطور أسطولها الجوي الذي حظي بذلك الوقت بسمعة طيبة، من خلال اهتمام إدارة الشركة بأدق التفاصيل من حيث الخدمة والأمان.

ومع اندلاع أحداث الثورة السورية في منتصف مارس من العام 2011 وتقهقر قوات النظام ووحداته الأمنية وألويته العسكرية أمام تصاعد الاحتجاجات وانتشارها على كل الجغرافيا السورية.

وبعد انتقال الثورة لمرحلة العمل العسكري المسلح للدفاع عن القرى والمدن المناهضة لحكم الأسد بمواجهة الخيار العسكري المدمر، الذي انتهجه نظام الأسد كنهج وحيد لمعالجة المطالب الشعبية الثائرة، فإنَّ نظام الأسد ومن خلفه المليشيات الإيرانية والذين انتهجوا بحربهم على الشعب السوري المسار الطائفي ضد المناطق الثائرة، بدأوا يستجلبون المرتزقة من المليشيات الطائفية الشيعية من بعض الدول لاسيما أفغانستان وباكستان وإيران ولبنان والعراق، وذلك من أجل زجهم في جبهات القتال إلى جانب الجيش الأسدي الذي لم يثبت فعالية في كثير في المعارك سوى بالتعفيش والسطو وتهريب المخدرات والكبتاغون والخطف.

حيث كانت شركة أجنحة الشام للطيران والتي تضم في أسطولها أربع طائرات هي الوسيلة الأسرع والأنجع لنقل المقاتلين المرتزقة وأسلحتهم وعتادهم إلى سوريا عبر مطارات دمشق الدولي وحلب وحماة واللاذقية والقرداحة والقامشلي، لا بل إنَّ تلك الشركة وكما أوضحت تقارير أممية صادرة عن لجان التحقيق الدولية بأنّها كانت جزء من الوسائل التي ساهمت بنقل بعض مرتزقة فاغنر الروسية إلى مطار حميميم في القاعدة الروسية بطرطوس بعد الغزو الروسي لسورية الذي بدأ بتاريخ 30/09/2015.

وبعد كثير من التقارير الأمنية والاستخباراتية حول تلك الانتهاكات المنسوبة لطيران أجنحة الشام قامت وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على تلك الشركة، حيث أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزانة الأمريكية شركة أجنحة الشام ضمن قائمة العقوبات الأمريكية في 31 كانون الأول/ديسمبر من العام 2016، وذلك بسبب تقديمها الدعم المالي والتكنولوجي والخدمي لحكومة النظام السوري وللخطوط الجوية السورية، إضافة إلى أنَّ وزارة الخزانة الأمريكية قد تأكد لها بأن رحلات أجنحة الشام من دمشق إلى دبي كانت إحدى الطرق الرئيسية التي استخدمتها المخابرات العسكرية السورية من أجل غسل الأموال في جميع أنحاء المنطقة.

هذه الخطوة دفعت الاتحاد الأوربي إلى اتخاذ قرار بذلك الشأن حيث فرض في 2 كانون الأول/ديسمبر من العام 2021 إجراءات تقييدية على 17 فرداً وكياناً من بينها شركة أجنحة الشام للطيران، إضافة إلى شركات وشخصيات من بيلاروسيا. وذلك بعد أن ثبت لهم أيضاً قيام تلك الشركة بدور رئيسي بنقل مهاجرين سوريين من دمشق إلى بيلاروسيا تمهيداً لدخولهم أوروبا عبر الحدود البرية بصورة منافية للقانون.

وقد أكدت تقارير للأمم المتحدة صادرة عن لجنة الخبراء، أنَّ شركة طيران أجنحة الشام قامت بأكثر من 50 رحلة طيران من دمشق إلى مطار بنغازي في ليبيا حيث، كانت تلك الطائرات تنقل في هذه الرحلات على متنها مقاتلين مرتزقة من مناطق سيطرة نظام الأسد في سوريا إلى مطار بنغازي في ليبيا، في ذروة اشتداد المعارك هناك وهجوم الجنرال خليفة حفتر المجرم على طرابلس الذي لم يدخر وسيله للاستعانة بمرتزقة روس وسودانيين إلى جانب الميليشيات الموالية للأسد والتي استقدمها من سوريا على متن خطوط أجنحة الشام والتي أصبحت جبهات الحرب في طرابلس مقابر لهم. وقد أكد خبراء الأمم المتحدة بأنَّ ما قامت به شركة أجنحة الشام يعد انتهاكاً واضحاً وفاضحاً لحظر الأسلحة الدولي المفروض على ليبيا.

مؤخراً، كشف موقع ميدل إيست البريطاني النقاب عن إحدى فضائح الأمم المتحدة التي غالباً ما تتعامل مع الملف السوري بمعايير غير عادلة تنم عن سياسة الكيل بمكيالين عن قيام الأمم المتحدة باستخدام شركة أجنحة الشام للطيران والخاضعة للعقوبات الامريكية، والمتهمة بانتهاكات للقوانين الدولية بنقل مساعدات ومعدات طبية من دبي إلى ليبيا وتحديداً إلى مطار بنغازي، حيث تسيطر قوات حفتر، وقامت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بنشر صور لطائرات تلك الشركة وهي تقوم بتفريغ حمولتها بذلك المطار.

كل تلك التجاوزات والانتهاكات القانونية دفعت الاتحاد الأوروبي في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر لعام 2021 لفرض عقوبات ضمن حزمته الخامسة، تشمل إجراءات تقييدية على 17 فرداً و11 كياناً من بينها أجنحة الشام للطيران.

وبحسب وثيقة تم نشرها في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوربي حينها، فإنَّ أجنحة الشام السورية للطيران نقلت مهاجرين من دمشق إلى بيلاروسيا عبروا الحدود إلى أوروبا بشكل غير قانوني، وقد زادت الشركة من عدد رحلاتها الشبه يومية ما بين دمشق والعاصمة البيلاروسية مينسك حيث ساعدت تلك الشركة على تسهيل عمل ونشاطات الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، والتي تسهل العبور غير القانوني لحدود الاتحاد الأوروبي، وذلك من أجل ممارسة سياسة الضغط على أوروبا من أجل ملفات أخرى تتعلق بالمصالح الروسية.

وحيث أنَّ الملفت والمفاجئ الآن هو الاستدارة الأوروبية بقيام الاتحاد الأوروبي بشطب شركة أجنحة الشام للطيران المشبوهة من قائمة العقوبات، وذلك في شهر تموز/يوليو من العام الجاري 2022. وتعد هذه خطوة أولى منذ اندلاع الثورة في سوريا. إذ نرى بأنّ تلك الخطوة تشكل رسالة إيجابية من قبل الاتحاد الأوروبي إلى النظام السوري المجرم برفع العقوبات عن إحدى أهم شركاته التجارية التي تدرّ له عوائد مالية كبيرة ليس من جراء نقل الأشخاص وحسب، بل من خلال الأموال التي تتولى شركة أجنحة الشام نقلها لدمشق بمعزل عن الرقابة المصرفية الدولية ناهيك عن التسهيلات التي تقدمها تلك الشركة لنظام الأسد من نقل مرتزقة وميليشيات من وإلى خارج سوريا.

ولم يتوقف الأمر على رفع العقوبات فقط عن تلك الشركة المشبوهة والمتهمة بارتكاب انتهاكات لقواعد القانون الدولي، بل إنَّ الأمر قد تجاوز تلك المراحل لتكون شركة أجنحة الشام للطيران والعائدة ملكيتها لرأس النظام السوري هي الراعي والداعم الرئيسي لمؤتمر الطيران الإنساني الدولي والذي نظمه برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وأقيم في مدينة إسطنبول بالفترة ما بين 12-14 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بمشاركة العديد من المنظمات والشركات العاملة في مجال النقل الجوي.

وتظهر شركة أجنحة الشام نفسها في تلك المحافل الدولية بمظهر الذي يجسد نشاطها على الصعيد الإنساني ومن خلال سجل زائف ومنافي للحقيقة، يزخر بالعديد من الأمثلة لرحلات جوية تم تنفيذها لصالح منظمات الأمم المتحدة لنقل مساعدات إنسانية وإعادة لاجئين إلى أوطانهم وغيرها الكثير، في ظل تعامي المجتمع الدولي عن انتهاكات تلك الشركة المشبوهة ومساهمتها في كثير من الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد وميليشياته المجرمة الطائفية في سورية، إضافة إلى إغفالهم لدور تلك الشركة بنقل مهاجرين سوريين ويمنيين ولبنانيين وسودانيين إلى حدود أوربا تمهيداً لعبورهم حدود الاتحاد الأوربي بشكل غير مشروع.

إنَّ شركة أجنحة الشام والدور الذي تلعبه في دعم الإرهاب وجرائم الحرب التي ترتكبها عصابات الأسد وميليشياته في سوريا، إضافة إلى الانتهاكات القانونية التي ترتكبها والتي تشكل انتهاكات واضحة وصريحة لقواعد القانون الدولي، توجب على الاتحاد الأوروبي إعادة النظر فيما أقدم عليه من استثنائها من قوائم العقوبات لديه، ذلك الاستثناء الذي يضع مئة إشارة استفهام على هذا الإجراء المتطرف الذي لا ينسجم مع حال تلك الشركة والذي، أقدم عليه الاتحاد الأوربي برفع تلك العقوبات عن ذلك الكيان المجرم التجاري المجرم.

نحن لا نسعى إلى إقناعكم.. إنّما نضع الحقيقة بين أيديكم.

المصدر: حركة تحرير وطن

اقرأ أيضاً: جسر القرم بين الحقائق والوهم

شاهد إصداراتنا: