الأحد 21 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

النقد الذاتي في عدوان الجولاني على المحرر

27 أكتوبر 2022، 04:53 م
النقد الذاتي في عدوان الجولاني على المحرر

فراس العرودكي

كاتب سوري

27 أكتوبر 2022 . الساعة 04:53 م

في الأيام الماضية، قامت هيئة تحرير الشام بالتعاون مع فرقة الحمزة (الحمزات) والسلطان سليمان شاه (العمشات) بشن حرب على مناطق ريف حلب الشمالي التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري التابع للحكومة السورية المؤقتة.

هذه الحرب تأتي بعد أن ألقى الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني السوري القبض على الخلية التي اغتالت الصحفي محمد عبد اللطيف أبو غنوم، إذ تم الكشف عن هذه الخلية التي تتبع لفرقة الحمزة، والتي كانت سمعتها في الحضيض هي وفرقة العمشات.

الفرقتان –حسب مجتمع الشمال السوري المحرر– كانتا تستخدمان أسلوب نظام الأسد في التعذيب وكانتا تساعدان في عمليات التهريب وتجارة المخدرات ناهيك عن القبضة الأمنية الحديدية في أماكن سيطرتهما. أما عن تحالفهما مع هيئة تحرير الشام، فكان هناك شائعات عن تَقَبُّل الأخيرة لهما وخاصة بعدما تمت محاكمة قائد العمشات "محمد الجاسم أبو عمشة" لانتهاكاته في قرية شيخ الحديد بريف عفرين. وتبيّن اليوم أنَّ الأخير كان يزور إدلب وأنَّه كوّن تحالفاً مع قائد تحرير الشام "الجولاني" حتى يستعيد سلطته واعتباره.

 يمكن في هذه المقالة شرح كل هذه الأمور والدخول في تحليل عميق للتحالف ولكن التركيز سيكون على أسباب فشل إدارة المحرر التي أدت إلى هذه الحرب.

المجتمع العسكري أقوى من المدني

أهم وأكبر سبب فشل الدول هو تسلط الحكم العسكري على المدنيين وفرض السلطة بقوة السلاح وبالقبضة الأمنية الشرسة التي تخيف المدنيين. إرهاب المدنيين يُخفي العدالة وتميل الأمور لمزاج الحاكم العسكري الذي لا يفهم غير إعطاء الأوامر والتنفيذ دون سؤال. هذا ما وصلت إليه المناطق المحررة حيث أصبح العسكريون ينفذون مشاريعهم دون وجود خوف من قيادة مدنية تحاسبهم. فإن عُرقِلت مهماتهم أو وجدوا ما يعيق تجارتهم، لجؤوا إلى التهديد والمضايقة وربّما الاعتقال وانتهاك حقوق الناس.

الحكومة المؤقتة -للأسف- لم تمارس دوراً سلطوياً على فصائل الجيش الوطني بل تم وضع الحكومة تحت رحمة هذه الفصائل. فمدخولات المعابر والتجارة الشرعية تذهب إلى الفصائل مباشرة. والفصائل، خاصة الحمزات والعمشات، لها علاقة مباشرة مع الداعم الرئيسي ألا وهي الدولة التركية دون الرجوع إلى الحكومة المؤقتة.

فمثلاً، عندما تطلب تركيا كشفاً بأعداد الفصائل حتى يتم توزيع الرواتب والسلاح، تصل قوائم بأعداد كبيرة وهمية من قادة هذه الفصائل لأخذ أكبر كمية من المال والسلاح والتي تذهب لجيوب القادة أو يتم بيعها لكسب مال أكثر. فقامت هذه الفصائل بإنشاء "حكوماتها" الداخلية التي تقوم بدور الحكومة المؤقت حيث تجد المشاريع التابعة لها في أماكن نفوذها. تهميش دور المجتمع المدني جعل من هذه الفصائل وحشاً مفترساً يلتهم قوت المدني اليومي وحقوقه ولا تذهب الأموال إلى أماكنها الصحيحة.

قيادة ضعيفة ولامركزية في الجيش

كما ذُكِرَ آنفاً، فإن الفصائل لا تتعامل وفق قيادة موحدة تجمعها، بل كل فصيل يقوم بعمله الخاص ومهامه التي يعطيها لنفسه. الفيديوهات التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي تُبيِّن لنا أنَّه لا توجد طريقة موحدة أو أسلوب موحد بين كيانات الجيش. ما يوضح لنا أنَّ وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة لا تلعب إلا دوراً تنسيقياً وتوفيقياً وعملية "تبويس شوارب" بين الفصائل. تعامل الحكومة مع حرب الجولاني وتمرد بعض الفصائل وحيادية الأخرى، كشف لنا عن هوة واسعة وعن تقصير في فرض الأوامر على العساكر وتخاذل في وضع أمن المدنيين أولوية في هذه المناطق.

للأسف يمكن وصف الحكومة المؤقتة بأنَّها ليست إلا جهة خدمية تقوم بمشاريع بنية تحتية وليس لها وزن في ساحة المحرر. ولو أنَّها تقوم بعملها ككيان سياسي له القدرة على فرض هيبته، لما شهدنا اقتتالاً وتخاذلاً وحيادية سلبية بين فصائل مختلفة تجاه عدوان وغزو خارجي. ولكانت هناك متابعة دقيقة لحركة القيادات العسكرية في الفصائل الذين كانوا يذهبون إلى إدلب مثلاً لمقابلة الجولاني وأعوانه. وربَّما يذهبون إلى مناطق النظام أو قسد ويفشون معلومات عسكرية أو يسهلون غارات أو تسلل فرق من الأعداء أو حتى يرتشون من خلايا "داعش" للقيام بأعمال إرهابية (تفجيرات).

التغاضي عن المحاسبة ورد المظالم وردع المتورطين

بدأت الثورة السورية عندما قام فرع الأمن العسكري التابع لنظام الأسد باعتقال أطفال درعا، وعندما أُفْرِجَ عنهم قام الأسد بمكافأة عاطف نجيب، رئيس فرع الأمن العسكري، بترقيته. لا أحد من البشر يعلم الغيب ولكن امتصاص غضب الشعب يكون بالمحاسبة وهذا مُثْبَت عملياً. إصرار الأسد على عدم الاعتراف بالخطأ أثار حفيظة أهل درعا وكافة المحافظات السورية. للأسف تكرر هذا الخطأ كثيراً في المناطق المحررة ولم يتعلم القائمون عليها من دروس من سبقهم أو حتى من دروسهم أنفسهم عندما كانوا يسيطرون على بقع جغرافية في مدن أخرى قبل أن يحتلها نظام الأسد.

فالانتهاكات بحقّ المدنيين وبرزقهم وحتى الاقتتال بين الفصائل نفسها وسقوط قتلى من الجانبين أو حتى استشهاد مدنيين أبرياء لم يتم محاسبة مرتكبيها أياً كانوا. عندما بدأت الأمور تنحو باتجاه محاسبة كبار القيادات وأبرزهم أبو عمشة، فشل القائمون في القصاص العادل منه حيث تم فصله من مجلس عسكري وتم تعيينه في مجلس عسكري آخر و"كأنَّك يا زيد ما غزيت".

المحاسبة الفعلية كانت على الشرفاء الذين قصفوا مناطق نظام الأسد وحرروا قرى وبلدات في ردات فعل عفوية نصرة لمناطق أخرى. قائد كتيبة جبهة تادف (أبو خولة موحسن) أمضى سنوات في السجن بسبب هجومه على نقاط نظام الأسد فكان عقابه بتلفيق تهم جنائية وفساد. يجب أخذ مطالب أهالي الضحايا بمحاسبة المجرمين والمُنْتَهِكين بجدية لكسب ثقة الأهالي وتلقي دعمهم في السراء والضراء. هذه واحدة من خصائص القيادة التي يجب تعليمها وتدريسها في أيّ مكان وخاصة في المحرر. الحالة الاقتصادية هناك لا تساعد في تلقي الدعم من الشعب ولكن المحاسبة هي واحدة من إجراءات بناء الثقة وتثبيت ركائز الاستقرار.

وجود الجيش في المناطق المدنية

بسط نفوذ الفصائل على المدن والقرى في مناطق "درع الفرات وغصن الزيتون"، واحدة من الظواهر التي أصبح الشارع السوري يتململ منها. فلا يكاد يمر يوم على المدنيين إلا ويكون هناك اقتتال بين الفصائل لتعزيز النفوذ أو لإثبات الذات أو لفرض واقع معين أو لانتقام من قتل أو لفشل عملية تهريب أو لأسباب أخرى لا تتعلق باستتباب الأمن كمتابعة خلية تابعة للنظام أو "داعش" أو "قسد". التكتل العسكري في المدن عرَّض –ويُعرِّض– حياة المدنيين لخطر دائم ويُهدّد استقرار المنطقة ويعطي صورة سيئة للسوريين في كافة المحافظات والمغترب، وكذلك لا يشجع المجتمع الدولي في الاستثمار في هذه المناطق.

إنَّ أكثر ما تحتاج إليه المناطق المحررة هو وجود اقتصاد قوي ينهض بالسكان المحليين والنازحين ليمحو أثار الدمار ويجعلها نموذجاً يجذب ويشدّ من يريد الخروج من مناطق النظام وقسد أو حتى منطقة الجوالاني، ووجود من يحمل السلاح بكثرة لا يساعد في هذا الأمر أبداً.

المدني يكد ويعمل من أجل كسب رزقة وإعالة عائلته، فإذا تم تخييره بين كيانين مختلفين أحدهم ينادي بشعارات ثورية رنانة كل يوم ويرفع له أعلام يحبّها وآخر يحفظ له لقمة عيشه ويوفر له المؤسسات الخدمية المناسبة، فالغالب سيختار الثاني لأنَّ هذا ما سيحفظ له وجوده ووجود من يحبّه.

هيئة تحرير الشام على الرغم من مشاكلها وانتهاكاتها وسرقاتها، قامت بِخُبْثٍ ومَكْرِ بتوفير بنية تحتية لا تجعل السكان يتذمرون منها كما يحصل في المناطق المحررة حيث أنَّ الأرتال العسكرية لا تتواجد في الأماكن السكنية، بل قامت بإنشاء هيئة أمنية لحفظ الأمن. ما تحتاج إليه الإدارة في المناطق المحررة هو أخذ ما ينفع الناس من النماذج الأخرى حتى لو كان من يدير هذه النماذج كيانات معادية. نموذج هيئة تحرير الشام ليس بالمثالي بالطبع وفيه خلل وثغرات ولكن مقاربتها لحفظ الأمن جدير بالاهتمام لأنَّ الوضع المعيشي والبيئة والثقافة متقارب فيمكن استشفاف نموذج شبيه له.

التفرق الفصائلي ووجود عقائد قتالية مختلفة

منذ أن احتل نظام الأسد مناطق مختلفة في سوريا هَجَّرَ أهلها والفصائل الموجودة فيها إلى إدلب وريف حلب الشمالي، وتمسّكت الفصائل المشهورة بفصائليتها ولم تقم بجهد للاندماج مع الفصائل الأخرى وحل نفسها. على الرغم من الدعوات والمناشدات المستمرة والمتكررة من الأهالي والنشطاء، لم تتنازل عن كبريائها وغرورها وظلت على مسمياتها حتى عندما التحقت بالجيش الوطني السوري. فإذا قرأنا أيّ بيان لهذه الفصائل، ستجد اسم الفصيل في نهاية التعريف. وعندما تسأل قيادات هذه الفصائل عن سبب خسارتهم لمناطقهم سيردون بأنَّ السبب هو الفُرْقَة وعدم التوحد تحت راية واحدة.

هذه التفرقة والتمسّك بالأسماء الفصائلية يلحقها مشكلة العقيدة القتالية للمقاتل والتحالفات الداخلية والمقاربات تجاه قضايا مختلفة. لن يكون هناك تجانس بين الفصائل داخل الفيالق والكتائب، وهذا ما ظهر جلياً لنا في الحرب التي قام بها الجولاني على المحرر حيث انحازت العمشات والحمزات إليه ووقفت فصائل كفيلق الشام وحركة نورالدين الزنكي وأحرار الشام على الحياد. لو كانت هناك عقيدة قتالية موحدة ضد النظام وداعش والقاعدة وقسد لما تجرأ الجولاني في التفكير بالدخول إلى هذه المناطق. بل ربَّما لحدث العكس وتحررت إدلب من سطوة مخلفات القاعدة. معظم مقاتلي الجيش الوطني السوري انتسبوا لإيمانهم بالثورة ومبادئها وقيمها وهم مخلصون، ولكن الفصائلية تقتل ثوريتهم من الداخل شيئاً فشيئاً وتنتزع براءة دعم الثورة منهم وتستبدلها بخباثة التحزبات.

هذه بعضاً من الأسباب التي سهّلت تدخل الجولاني ولكن الأمر يحتاج لدراسة معمقة واستبيانات ومُقابلات لتفند مَوَاطِن الضعف والقوة والفرص والتهديدات التي تجعل المناطق المحررة مناطق آمنة وتردع من يعادي الثورة وتنهض بالاقتصاد فيها وتُنْشِئ بنية تحتية عسكرية وخدمية متمكنة لحفظ الأمن وتوفر عيشاً كريما للسكان المحليين والنازحين.

السوريون بقوا في هذه المناطق أو جاؤوا إليها أو لم يغادروها لأنَّهم يؤمنون بأنَّ هذه أرضهم وأنهم يوماً ما سيعودون إلى بيوتهم ويعيدوا بناء بلدهم الذي ينشدونه. الاقتتال الفصائلي وتأجيل معالجة القضايا العالقة يقتل أحلام هؤلاء ويُفْقِدْهم الثقة التي منحوها لِمَن انتسب إلى الجيش الوطني السوري أو للسياسيين الذين من واجبهم العمل على استرجاع الأراضي التي اغتصبها نظام الأسد ومحاسبته وكل من عادى الثورة التي نادت بالحرية والكرامة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة آرام ميديا

 اقرأ أيضاً: مع اشتعال المعارك.. هل سيستولي "الجولاني" على مناطق ريف حلب؟

اقرأ أيضاً: الصراع على النفوذ يدخل الشمال السوري في جدلية "الأخضر" و"الأسود"

شاهد إصداراتنا: