الإثنين 04 مارس 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.06 ليرة تركية / يورو
39.73 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.62 ليرة تركية / ريال قطري
8.37 ليرة تركية / الريال السعودي
31.39 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.06
جنيه إسترليني 39.73
ريال قطري 8.62
الريال السعودي 8.37
دولار أمريكي 31.39

بين الأصالة والحداثة

11 نوفمبر 2022، 11:58 م
بين الأصالة والحداثة

د. زكريا ملاحفجي

كاتب وسياسي سوري

11 نوفمبر 2022 . الساعة 11:58 م

نقرأ ونستمع ونتابع كل يوم لسيل من الغث والسمين من تدفق المعلومات، لتيارات فكرية كثيرة حداثية أو من حُقب التاريخ، فتكاد تصبح هذه التيارات والتي تتشظى وتتناقض في داخلها أحياناً، وتتحول إلى أداة ضغط علينا بدلاً من أن تكون قيمة إضافية ورصيد لنا.

فكل تيار يسعى ليخلق منّا "رجلاً أحادي الأبعاد" كما ذكر المفكر الألماني - الأميركي ماركيوزي في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه وانتقد فيه الرأسمالية في ستينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة، ووصفها بأنّها خلقت نوعاً من الفكر الأحادي بدعم من الآلات الإعلامية والسياسية والتعليمية والاستهلاكية المدببة والموجهة لحماية الرأسمالية ونظامها.

وهنا نتساءل: لماذا تضعنا هذه التيارات الفكرية في صراع بين هويتنا وتاريخنا وبين الحاضر والمستقبل، فلماذا هذا الاستقطاب النكد الذي أصبح السمة الرئيسية اليوم ما بين مدعي الحداثة، والذي يسعى لاستنساخ تجارب من هنا وهناك ولا يؤمن إلا بقيمها وآلياتها، بوصفها الملاذ الأخير لأيّ تقدم، وما بين متشدّد ديني دفن رأسه في كتب التراث ويرى التشبث المطلق بفهم عقول أجداده للنص، وأنّها الوسيلة الوحيدة للنهوض رافضاً كلّ أنواع الفكر الآخر، وفريق آخر يرى أن العقل هو السيّد ولا وجه للدين من الإعراب في الحياة.

 فهل كُتِبَ علينا أن نعيش حالة الاستقطاب الأحادية هذه، خصوصاً أنَّ كلّ طرف لا يقبل بغير السيطرة التامة لهذا التوجه الأحادي العنيف؟ فالكلّ يسعى لجعل كلّ منّا في النهاية "رجلاً أحادي الأبعاد" في قالب فكري من صناعته، وهو ما يتناقض مع الطبيعة البشرية، فالبشر لم يخلقوا في الهواء هكذا فهم شربوا سنيناً من أرض ثقافتهم وقيمهم.

فإذا ما أردت الصواب والمضي بالنجاح، فلا يمكن أن تضع عراقيل ذاتية مما شربته أفكارهم وتتحوّل الناس إلى حالة دفاع حذر وهذا يؤدي إلى ردود أفعال يمكن أن يتوقعها أي عاقل يفهم الطبيعة البشرية. لا بدّ من التصالح والتوازن والمنطقية ما بين الأصالة والحداثة وخلق حالة من الانسجام الفكري والمنطقي ليسير مركب النهوض في طريق سلس بلا معوقات نصنعها بالمنطق الأحادي، فما كان لدول كثيرة نهضت إلا وهي تتعامل بلطف وعناية مع الأصالة مستخدمة الحداثة بما ينفعها.

بتقديري أنَّ الحتمية الحقيقية للتاريخ البشري وسلوكيات المجتمعات هي أنَّها تكون في السواد الأعظم ناتجة عن فكر، وأنَّ الفكر ينتج عنه السلوك والفعل ثم النتائج، والفكر عملية جدلية ممتدة ومتطورة مع وجود ثوابت يجب عدم إنكارها، خصوصاً بالنسبة للمعتقدات، ولعلّه ليس من المبالغة في شيء التأكيد على وجود جدل أو «صراع» بين الأفكار على مرّ التاريخ، ولا أتوقع أن يختلف ذلك في المستقبل، ومن ثم تكون أهمية إقرار وسيلة الحوار للوصول إلى الفكر المنشود.

فحتى لو ترسّخت لدى الناس قناعات وأفكار خاطئة، فالصواب هو "الانتقال السلمي" إلى الأفكار الصحيحة ولأفكار النهوض ولا بدَّ من التوازن والانسجام بين الأصالة والحداثة لكلّ مجتمع والإنسان ابن بيئته.

فسياسة حرق الكتب فشلت تماماً، فلم تحافظ في أوروبا على وحدة الكنيسة الكاثوليكية كما سعت، ولم تمحُ من الوجود فكر ابن رشد أو تقضي على عقلانية المعتزلة، والشيء نفسه بالنسبة لتصفية المفكرين أنفسِهم، لأنَّها تجعل منهم شهداء فكر، فيضفي ذلك قدسية على فكرهم حتى لو كان تحت مستوى العقل أو الشبهات، فالمنطق والحكمة هي سفينة النجاة في عالم الأفكار والقبول بالآخر فنحن لم نختار من يعيش معنا لكننا معنيين باختيار كيف سنعيش معاً.

المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة آرام ميديا

اقرأ أيضاً: أكثر الدول فساداً حول العالم.. روسيا وإيران تتصدران القائمة

شاهد إصداراتنا: