الأربعاء 03 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

بثوب الدبلوماسية.. بيدرسون جلاد بلا سياط

15 نوفمبر 2022، 11:43 م
بثوب الدبلوماسية.. بيدرسون جلاد بلا سياط

المحامي فهد القاضي

كاتب وحقوقي سوري

15 نوفمبر 2022 . الساعة 11:43 م

مفارقات كثيرة وتناقضات مثيرة وتزوير للوقائع وإفراغ للقرارات الأممية من مضمونها هو العنوان الحقيقي لإحاطة المبعوث الخاص لسورية “غير بيدرسون” المقدّمة إلى مجلس الأمن حول سورية بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر لعام 2022، والتي ألمح فيها من خلال رؤيته إلى وأد القرار الأممي 2254 من خلال ابتداع مسار مختلف يتم عبر مؤتمر دولي يأخذ على عاتقه التغيير في التعاطي الدولي مع العملية السياسية في سوريا بأسلوب وقواعد مغايرة المضمون وجوهر القرار 2254 الذي يهدف إلى إحداث انتقال سياسي في سورية.

وقد سبقه في هذه المهمة سلفه ستيفان ديمستورا، الذي ساهم في سنوات استلامه لمنصب المبعوث الخاص لسوريا إلى تقزيم وتجزئة القرار 2254 إلى أربع ألغاز (السلال الأربعة)، والتي من الصعب فك شيفرتها بدون جدول زمني محدد وغياب أي قوة رادعة تحت الفصل السابع كمؤيد جزائي، وهذا ما تم إغفاله في ذلك القرار لتبقى القضية السورية رهينة للمساومات والبازارات السياسية الدولية على ملفات أخرى متنازع عليها دوليا.

من العودة إلى مضمون الإحاطات التي قدمها المبعوث الخاص إلى سوريا السيد غير بيدرسون منذ استلامه مهامه بهذا المنصب بتاريخ 1/11/2018 والتي دائماً ما كانت بعيدة عن الحياد والتي تتسم بالانحياز الواضح والوقح إلى روسيا ونظام الأسد وميليشياته في كل تقاريره وإحاطاته المقدمة إلى مجلس لأمن والبعيدة عن الشفافية.

كما لا يخفى على أحد الترحيب الروسي والصيني الواضح بتسلّم السيد بيدرسون هذا المنصب الحساس في الملف السوري حينها. ولكن على ما يبدو أن إحاطة السيد بيدرسون الأخيرة إلى مجلس الأمن الدولي والتي تعد الأسوأ على الإطلاق. فقد أماطت اللثام عن مواضيع في غاية الخطورة وأهمها الانحراف عن مسار بيان جنيف المؤرخ في 30 يونيو 2012 وما تبعه من قرارات، لا سيما القرار 2254 لعام 2015، الذي أكد على تأييده لبيان جنيف /1/ والذي يمثل خارطة طريق لحل سياسي عادل وشامل في الملف السوري.

وحيث أن إحاطة السيد بيدرسون الأخيرة بدل من أن تشرح الواقع الحقيقي في تفاصيله بصورة محايدة وتشير إلى الجهة المعطّلة للعملية السياسية، ووضع مجلس الأمن أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية حيال ذلك لممارسة أقسى أنواع الضغوط والإجراءات القانونية تجاه الطرف المعطل، إلا أنه ولتمييع هذه القرارات الأممية وإفراغها من مضمونها فإنه تقدم بطرح يجعل من كل تلك القرارات الأممية السابقة في مهب الريح (وبمبدأ خطوة بخطوة لبناء جسور الثقة).

 فماذا يعني مبدأ خطوة مقابل خطوة؟

– عندما وضع بيدرسون نفسه ضمن إطار دائرة يقودها نظام الأسد ومن خلفه روسيا، حيث يعتمد هذا الإطار في العملية السياسية على الهوامش فقط ودون المسّ بالجوهر، لذلك لم يستطع بيدرسون قيادة ملف المفاوضات المكلف فيه بسوريا، وهذا ما دفعه إلى البحث في وديعة سلفه ديمستورا المتمثلة بما يسمى السلال الأربع، حيث وجد ضالته بما يوازي هذه الفكرة ولكن تحت مسمى  مختلف، والتي أطلق عليها "خطوة مقابل خطوة" حيث أن طرفي التفاوض على الطاولة واللذان يمثلان على الأرض طرفي الصراع في سوريا.

ومما لا شك فيه فإن اختيار بيدرسون لهذا المبدأ إنما يعبر عن فشله في إدارة الملف التفاوضي وفق القرار الأممي 2254، سيما أن مبدأ خطوة مقابل خطوة هو مبدأ أجوف ولا قيمة تفاوضية له، لخلوه من أية ضمانات دولية ملزمة في إطار زمني محدد، وحيث أن حصر العمل في المسار السياسي الآن بهذا المبدأ المتمثل (بخطوة مقابل خطوة) إنما يعكس المزاج الدولي العام وخاصة المزاج الروسي والأمريكي واللذان هما على توافق تام فيما يتعلق بالملف السوري.

ظهرت في بداية عام 2021 مؤشرات عملية على تغير مزاج الدول الفاعلة دولياً وإقليمياً في التعاطي سياسياً مع الملف السوري، والتي كان أبرزها هرولة بعض الدول العربية في تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، حيث توازى ذلك بالتراخي الأمريكي في تطبيق قانون قيصر من خلال غض الطرف الأمريكي على مشروع نقل الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وعودة نظام الأسد إلى بعض المنظمات الدولية كالإنتربول الدولي والمجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية وتبوئه لكرسي في مجلس حقوق الإنسان وأخيراً رفع العقوبات الأوربية عن شركة أجنحة الشام وصدارتها مؤتمرات الطيران الدولية.

كل هذه المتغيرات السياسية الدولية في الملف السوري هي التي دفعت بيدرسون وبمباركة دولية إلى العمل على مسار خطوة مقابل خطوة وهو مسار يحرّف وبشكل واضح لا بل يجهض العمل بالقرار 2254 ويفرغه من محتواه الفعلي فيما يتعلق بالعملية السياسية وما سيتمخض عنه من انتقال سياسي في سورية.

ذلك المسار الذي ابتدعه بيدرسون والمتمثل بمبدأ خطوة مقابل خطوة ما هو إلا استمرار لنهج سلفه ستيفان ديمستورا المتمثل بمبادرة السلال الأربع والتي كانت تمثل إحدى العقبات الحقيقية لتجاوز فكرة الانتقال السياسي في سورية والتي أحدثت خرق حقيقي بالقرار الدولي 2254 وقزّمته وأفرغته من محتواه ليشمل فقط العملية الدستورية وقانون الانتخابات.

يبدو أن مسارات ديمستورا ومن بعده بيدرسون كانت ولازالت تتوافق مع الرؤية الروسية والأمريكية الهادفة من حيث النتيجة إلى تغيير سلوكية النظام وليس إلى تغيير في بنيته المؤسساتية الأمنية فقط ولا حتى في رموزه وشخصياته وأركانه، ضاربين بعرض الحائط كل القرارات الدولية التي أسست ركيزة للحل السياسي في سورية والمتمثل ببيان جنيف /1/ لعام 2012 ومن ثم القرارين 2254 و3118.

إلا أن تلك القرارات تم العمل على تشويهها وقضمها تدريجياً وبشكل متواصل سواء من قبل روسيا أو أمريكا. فروسيا التي اختزلت مجمل العملية السياسية بالدستور وقانون الانتخابات والتي أطلق الغرب يدها في سورية عسكرياً وسياسياً وغض الطرف عن كل جرائمها وانتهاكاتها والتواءاتها. وأمريكا التي أبدت رخاوة واضحة وتماهي حيال نظام الأسد حيث حصرت أهدافها في سورية بقضايا وملفات غير منسجمة مع مسار الحل السياسي والمتمثلة بعدة نقاط أهمها: القضاء على تنظيم داعش، وممارسة سياسة العقوبات الاقتصادية على نظام الأسد لإرغامه على تغيير سلوكه والحد من النفوذ الإيراني، ودعم منظمات قنديل الإرهابية في شمال شرق سوريا لفرض هيمنتها على القسم المفيد من البلاد، والتي تجاهلت مطالبها السابقة في سوريا وتدنت إلى مرحلة الاستمرار بآلية إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية عبر الحدود فقط.

وبذلك فإن العملية السياسية في سورية قد تم وأدها بإشراف أممي ومباركة دولية وأصبحت المعضلة الإنسانية السورية هي الشغل الشاغل بعيداً عن كل مقتضيات الحل السياسي المتمثل بالقرارات الأممية الدولية ولاسيما بيان جنيف /1/ والقرار 2254.

حتى إن مسارات للحل في سوريا قد تقدمت بها دول إقليمية مثل المملكة الأردنية حيث كانت تلك المسارات تحمل في كثير من طياتها طابع إنساني فقط في مجملها وليس فيها أي تركيز على العملية السياسية الهادفة إلى تحقيق انتقال سياسي  حقيقي، وتغيير في بنية النظام السوري ونهجه، فمن خلال الإطلاع على مشروع (اللا ورقة) الأردنية فإننا نلاحظ أنها ركزت في ذلك المشروع على عدة قضايا متمثلة بمحاربة الإرهاب وعودة اللاجئين والمعاناة الإنسانية في سورية والحد من النفوذ الإيراني، وبذلك فإن تلك الورقة تتفق تماماً مع توجهات مبادئ السياسة الأمريكية في سورية والتي جعلت من عملية الانتقال السياسي في غياهب الجب.

لا شك في أن التوافق الدولي على تجفيف منابع الدعم للمعارضة السورية المسلحة قد ساهم بشكل كبير بتراجع قوتها وتأثيرها على الأرض ناهيك عن التدخل العسكري الروسي بعام 2015 والذي ساهم بتقزيم دور المعارضة سياسياً وعسكريا لتصبح بعد ذلك رهينة مساومات أمريكية روسية أممية أبعد ما تكون عن أي مسار لحل شامل وعادل في سورية ينطبق من القرارات الدولية ذات الصلة.

لذلك فإن مسار خطوة بخطوة الذي طرحه بيدرسون وأكد عليه في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن باعتباره المسار الوحيد لإحراز أي تقدم في مسار العملية السياسية ومن قبله طرح السلال الأربعة التي كان يشرف عليها سلفه ديمستورا ما هي إلا نتاج لتلك السياسات الدولية والتي تقوم الأمم المتحدة على صياغتها بشكل قانوني والإشراف عليها والعمل على نهجها.

ولا يخفى على أحد بأن الأمم المتحدة بدلاً من أن تقوم برفع تقاريرها الجادة والهادفة إلى محاسبة نظام الأسد تمهيداً لإسقاطه دولياً فإنها تشرعن بعض المكافآت له على مبدأ خطوة مقابل خطوة والتي كان قانون التعافي المبكر رقم 2642 الذي من خلاله تمت الموافقة في مجلس الأمن على استمرار آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحررة عبر الحدود لغاية شهر كانون الأول لعام 2022.

وبالتالي يجب أن نعلم بأن ذلك القانون والذي يحظى بأهمية كبيرة لنظام الأسد سوف يعيد إليه كثير من أنفاسه وقوته التي افتقدها على مدار الإحدى عشر عاماً المنصرمة، لما سيجلبه له هذا القانون من مشاريع اقتصادية كبيرة تتعلق بالكهرباء والخدمات الحيوية والسيولة المالية التي يحتاجها نظام الأسد للاستمرار بحربه على الشعب السوري المناهض لحكمه.

إن مبدأ خطوة مقابل خطوة الذي أكّد عليه السيد بيدرسون في إحاطته الأخيرة كسبيل لبناء الثقة ومسار للحل السياسي العادل والشامل في سوريا، ومن قبله مبدأ السلال الأربع الذي انتهجه سلفه ديمستورا كمسار للحل السياسي في سوريا، إنما هي مبادئ ظاهرها كمضمونها ولا تهدف إلا لتكريس حكم عصابات الأسد في سوريا من خلال وأد  المسار السياسي والمتمثل ببيان جنيف لعام 2012 والقرار الأممي رقم 2254 وحرفه عن الطريق الصحيح وتمييعه من خلال خلق مسارات أخرى وذلك لإفراغ تلك القرارات من مضمونها الحقيقي الذي تم التوافق عليها دولياً قبل 8 سنوات، والوصول بذلك إلى حالة تكريس الأمر الواقع الحالي والذي أصبح مصطلح تغيير سلوك النظام هو العنوان الرئيسي لها مع العمل والسعي الجاد من قبل السيد بيدرسون لإشراك ذلك النظام المجرم في مقتضيات الحل في سورية تمهيداً لتعويمه وتقديم العروض تلو العروض المغرية له.

كل ذلك يستدعي أن نقول بأن السيد بيدرسون بما يفعله من التواءات في مسارات الحل السياسي لا يقل خطورة على الشعب السوري من براميل الأسد المتفجرة ولا من صواريخ الطائرات الروسية ولا من المدية الإيرانية التي تذبح برقاب الشعب السوري تحت شعارات طائفية قذرة.

نعم إنه “غير بيدرسون” الذي يلعب دور غير محايد في الملف السوري.. إنه جلاد بلا سياط بثياب الإنسانية.

نحن لا نسعى لإقناعكم ولكن نضع الحقيقة بين أيديكم.

المصدر: حركة تحرير وطن

المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة آرام ميديا

اقرأ أيضاً: الشمال السوري: الإصلاح بات حتمياً أو الانفجار

شاهد إصداراتنا: