الإثنين 22 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

محطّات رئيسية للسياسة الأمريكية تجاه الثورة السورية

04 ديسمبر 2022، 12:53 م
محطّات رئيسية للسياسة الأمريكية تجاه الثورة السورية

د. باسل معراوي

كاتب وسياسي سوري

04 ديسمبر 2022 . الساعة 12:53 م

عندما انتصرت الولايات المتحدة بالحرب العالمية الثالثة (الباردة) على الاتحاد السوفييتي وتفرّدت بقيادة العالم كقطب أوحد، ونظراً لعدم وجود منافسين لنموذجها ومشروعها فإنها تحرّرت من دعم أنظمة قمعية مكروهة من شعوبها حيث كانت تفعل ذلك في سنين الحرب الباردة خوفاً من استقطاب العدو السوفييتي للديكتاتور أو خشية من حدوث فوضى وعدم استقرار في البلد يستغلّها طامحون يساريون للوثوب إلى السلطة.

لم تعد الولايات المتحدة تمانع من سقوط أنظمة كانت مدعومة منها سابقاً أو تدور في فلكها إذا ما كانت الشعوب ترغب في تغييرها و ذلك لعدم وجود عدو منافس لها أولاً، ولتخفّفها من تكاليف دعم ديكتاتوريات بغيضة مادياً وأخلاقياً.

وشهد العالم ظهور ديمقراطيات وليدة في أوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية. بل كانت الولايات المتحدة والغرب الجماعي عامة يرون فيها حليفاً موضوعياً. فكل الأنظمة الديمقراطية الوليدة لن تكون قريبة من الاستبداد الشرقي المتجسّد بالصين أو روسيا أو غيرهما، بل ستكون تلقائياً قريبة من المعسكر الليبرالي الغربي المنتصر مادياً وقيمياً.

وكانت عمليات التحول الديمقراطي سواء تمّت سلمياً من داخل المجتمع نفسه أو رافقها اضطرابات وحروب اندلعت بعد زوال الاستبداد الذي كان يمنعها من الظهور (كالبلقان مثلاً) لم تتدخل الولايات المتحدة في مجرياته بل تركته يأخذ مداه الطبيعي ويسمي البعض تلك الحالة بالفوضى الخلّاقة، ولم تكن تلك نظرية أمريكية كما يظن البعض بل سياسة أمريكية أملتها عليها عدم وجود مصلحة استراتيجية أمريكية بالتدخل بسيرورة تلك الأحداث.

ولأن الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد عوامل تحكم السياسة فلم تخرج المنطقة العربية من حقبة الحرب الباردة وبقيت تلك المنطقة عصيّة عمّا شهده العالم من تحوّلات ديمقراطية، بل كان الرضى والدعم والحماية أو الرعاية أو غض الطرف (على الأقل) سياسة أمريكية متبعة في المنطقة لعوامل عديدة، أهمها وجود الدولة العبرية المحاطة ببحر من العداوة العربية، ووجود منابع وخطوط نقل الطاقة، إضافة لوقوع المنطقة العربية في مركز العالم وإشرافها على طرق التجارة العالمية والمضائق المتحّكمة بها والتي تمر منها سلاسل التجارة العالمية بين الشرق والغرب.

بقيت الأنظمة العربية الديكتاتورية نفسها، سواء التي كانت تدور في فلك المعسكر الغربي وتحسب عليه أو التي تدور في الفلك الشرقي ومنها نظام حافظ الأسد في سوريا.

ولم يحدث أي تغيّر في بنية الأنظمة في تلك الفترة التي شهدت انتقال شعوب مماثلة إلى الديمقراطية ولم يسجّل أي ضغط أمريكي على تلك الأنظمة لإجراء إصلاحات سياسية وإجتماعية وإقتصادية حقيقية، حتى ولو في مجال احترام حقوق الإنسان الأولية، وكان الرضى الأمريكي على تلك الحالة هو السمة الظاهرة إلى أن دخلت المنطقة بلحظة تاريخية سمّيت بالربيع العربي.

السياسة الأمريكية تجاه سورية بعد اندلاع الثورة 2011

كما نعلم باركت الولايات المتحدة انتقال السلطة بشكل سلس بعد وفاة الأسد الأب إلى الابن ودخلت العلاقة مع نظام الوريث بشار بشهر عسل قصير بعد ضربات 11 أيلول 2001 حيث انضم النظام السوري للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة إلى فترة غزو العراق حيث عادت العلاقات وتوترت على إثر تسهيل النظام السوري لمرور مقاتلين (سوريين وعرب) إلى العراق والتحاقهم بتنظيم القاعدة أو غيره من التنظيمات التي كانت تحارب الاحتلال الأمريكي، وبلغ التأزّم ذروته بعد قتل النظام السوري وحزب الله لرئيس الحكومة اللبنانية الشهيد رفيق الحريري وتلا ذلك إجبار الولايات المتحدة قوات الاحتلال السوري في لبنان على الانسحاب منه بعد إصدار القرار 1559 تحت الفصل السابع.

ويبدو أن العامل الإسرائيلي هو الذي كان يفرض على الولايات المتحدة عدم الضغط على النظام السوري بشكل يؤدي لضعفه واحتمالات سقوطه، حيث كان الأسد الابن يسير على نهج والده بضمان أمن الحدود الاسرائيلية الشمالية كلها وبالتعاون مع جزب الله اللبناني في الجانب اللبناني.

و مع اندلاع ثورة الحرية والكرامة كان الموقف الأمريكي المعلن سواء من السفير فورد أو بقية المسؤولين الرسميين وصولاً للرئيس باراك أوباما بأن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً لإسقاط الديكتاتور.

الرئيس أوباما والذي وصل إلى البيت الأبيض تحت شعارات تخفيف التدخلات الأمريكية في العالم وخاصة إنهاء التواجد العسكري القتالي بالعراق والذي وصل يوماً ما إلى 160 ألف جندي أمريكي، حيث توصّل الرئيس أوباما إلى اتفاق إطار استراتيجي مع الحكومة العراقية أبقى تواجد أمريكي محدود جدا للإشراف والتدريب وما شابه ذلك، وكان الاعتقاد الشائع بأن فرنسا هي من جرّت الولايات المتحدة للتدخل من الخلف وبشكل محدود لإسقاط العقيد القذافي وقتله.

لاشك أن الولايات المتحدة والتي لم تخرج بعد من هاجس الإرهاب السني الذي ضرب مواقع كبريائها وعظمتها في داخل أمريكا بعد هزيمتها للسوفييت لازالت ترى فيه العدو الرئيسي لها حتى بعد غزوها لأفغانستان والعراق بدا أنّ العالم كله ساحة مواجهة مع ذلك الإرهاب.

وكانت سوريا كما يعتقد كثيرون ساحة مثالية لطحن كلا الخصمين الجهاديين السنّي والشيعي فغضّت الطرف عن مجازر النظام الوحشية وتدفق الميليشيات الطائفية من لبنان والعراق بقيادة الحرس الثوري الإيراني مع تسهيل وصول شتّى الجهاديين العرب والأجانب إلى سوريا والسماح لبعض الأنظمة الخليجية بتمويل تلك الجماعات مع تسهيلات لوجستية تتم عبر الأراضي التركية.

كما أنّ الولايات المتحدة والتي ترى سوريا بعيون إسرائيلية في معظم الأحيان، لم تجد مصلحة لها ولحليفها العبري من انتصار ثورة إصلاحية مدنية ترفع شعارات تدّعي الولايات المتحدة أنّها تعمل على حضّ الدول على تطبيقها، حيث لا مصلحة إسرائيلية من نجاح تجربة مدنية ديمقراطية على حدودها (وهي التي تدّعي أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة) تأتي بحكومات تمثل شعوبًا لاتكنّ الودّ لها، ويصعب معها إبرام الصفقات السريّة.

اختبر المجرم بشار الأسد الخطوط الحمراء التي كان يضعها الرئيس أوباما على نوع العنف الذي يصبّه النظام على المدنيين والذي كان مفهوماً منه استعمال مختلف وسائل القتل بالأسلحة التقليدية إلا السلاح الكيماوي، فأقدم بشهر آب/أغسطس عام 2013 على قصف الغوطة الشرقية بأسلحة كيميائية متخطّياً كل خطوط أوباما الحمراء وواضعا هيبته وهيبة أقوى دولة بالعالم على المحكّ.

لم يفعل الرئيس الأمريكي شيئاً سوى تأمين مصالح بلاده ومصالح إسرائيل بإتلاف مخزون النظام من السلاح الكيماوي والتعهّد بعدم صناعته مستقبلاً.

ونعلم الآن أن المفاوضات الهادفة للوصول للاتفاق النووي مع إيران بين الـ5+1 وإيران، كانت في ذروتها بذلك الوقت ويرى كثيرون أن الرئيس أوباما قدّم سوريا كهدية لإيران بغية الوصول لذلك الاتفاق والذي كان حجر الزاوية في سياسته الخارجية حيث تم توقيعه بالرابع عشر من تموز 2015.

وعندما لم تفلح كل جهود نظام الملالي وفيلق القدس في الحيلولة دون سقوط النظام في دمشق، لم تكن واشنطن تعارض أي تدخل روسي عسكري مباشر في سورية، لمنع سقوط نظام الأسد في دمشق أو لاحتواء القوّة الفائضة التي يشعر بها الرئيس الروسي بعد غزواته الناجحة في جورجيا وأوكرانيا حيث بات يشكّل خطراً جدّياً على أوروبا المتراجعة جيوسياسياً والتي تخضع بين الفينة والأخرى لغطرسة وابتزاز القيصر الروسي، وقد يكون تم مداعبة أحلام القيصر الطموح بالوصول للمياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط التي كان يحلم بها أجداده من القياصرة العظام وإلهائه عن التحرش بأوروبا.

وكان أن ابتلعت الولايات المتحدة كل تصريحاتها السابقة عن استحالة تدخلها بسوريا عسكرياً وكانت تراقب اجتياح جحافل داعش الهولاكية للمنطقة العربية السنّية من شمال بغداد في الفلوجة للموصل للشمال الشرقي السوري وصولا لضواحي مدينة حلب، مستثنياً بهجومه المناطق الكردية في أقصى الشمال الشرقي. وعندما انعفت جحافل داعش للإجهاز على عين العرب كوباني ولم تتابع طريقها لمدينة حلب (وهذا السر سيكشفه التاريخ فيما بعد).

تدخّلت الولايات المتحدة بصيف عام 2014 ورسمت خطاً نارياً لمنع سقوط ماتبقى من المدينة وألقت بثقلها في المعركة وأنشأت تحالفاً من أكثر من 60 دولة لمحاربة إرهاب داعش كما سارعت لتجميع شتات ميليشيات كردية من الـ PYD وقوات عربية، وبنفس الوقت كانت البراميل المتفجرة والميليشيات الطائفية تفتك بحاضنة الثورة السورية ورجالها ولم تحرّك الولايات المتحدة ساكناً.

قد يكون إنشاء إقليم كردي سوري على غرار جاره العراقي هدفًا استراتيجياً أمريكياً ولازالت الملهاة الممتزجة بالمأساة مستمرة شرق الفرات للتموضع الأمريكي بالمنطقة بذريعة محاربة الإرهاب عبر أداة يراها كثيرون أنها إرهابية.

لكن بالمقابل من إيجابيات التدخل العسكري الأمريكي بسوريا هو التموضع في مثلث يشكّل ثلث مساحة الجغرافية السورية ويضم معظم الثروات النفطية والزراعية والمائية، وبتواجد غير مكلف مادياً أو بشرياً (أقل من ألف جندي أمريكي) تسقط الولايات المتحدة كل قوتها العسكرية على تلك البقعة والتي شكّلت حائلاً دون سيطرة الروس والإيرانيين عليها وحسم المعركة لصالحهم. وبالتالي الإبقاء على أمل بحل دولي للمسألة السورية وفق القرارات الأممية وليس حل روسي مفروض بقوّة السلاح.

ولا شكّ أن لصدور قانون قيصر ودخوله التطبيق العملي في العام 2020 أمر بالغ الأهمية في خنق النظام اقتصادياً وإسقاطه أخلاقياً عبر توثيق ارتكابه لجرائم وحشية بحق آلاف المعتقلين المدنيين، ووضع فيتو على أي تطبيع سياسي أو اقتصادي مع نظام الأسد.

ومما لاشكّ فيه بأنّه لولا التموضع الأمريكي شرق الفرات ودعمه للتواجد التركي غرب الفرات لكانت القضية السورية في مكان آخر الآن، إذ لن يتمكن الأتراك بمفردهم من البقاء في الأراضي السورية المحررة أمام جحافل الميليشيات الإيرانية وهمجية الطيران الروسي وشرعية قانونية أممية يؤمنها لهما نظام السفّاح في دمشق.

ولا زالت الولايات المتحدة والتي تدير الأزمة الآن هي المعوّل عليه بجرّ الجميع لحل أممي قد يكون وفق القرار 2254 أو إدخال بعض التعديلات عليه.

المصدر: داماس بوست

المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة آرام ميديا

اقرأ أيضاً: عملية "المخلب السيف".. مساحات المناورة التركية الضيقة

شاهد إصداراتنا: