السبت 06 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

نظرة كاشفة على الإدمان الرقمي

عدسة على الإدمان الرقمي.. مخاطر وواجبات (3)

04 مارس 2023، 07:09 م
الإدمان الرقمي- جهاز كمبيوتر
الإدمان الرقمي- جهاز كمبيوتر

أمجد شامية - آرام

إن شيوع مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني، أحدث تغييرات متنوعة في مجالات متعددة، منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، ومن المعلوم أن مخاطر هذه المواقع على دين المرء وأخلاقه وقيمه عظيمة، وسوف نتناول في هذه الدراسة بعض النقاط السلبية، مقتصرين على المحاور التالية:

  1. مخاطر الإدمان الرقمي على الصحة العقلية والنفسية والجسدية.
  2. مخاطر الإدمان الرقمي على العلاقات الاجتماعية، وإنتاجية الفرد.
  3. مخاطر الإدمان الرقمي على الهوية القيمية والدينية وأخلاق الأطفال واليافعين.

1- إن من مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي الوقوع في الإدمان على استخدامها، حتى يصبح الفرد أسير هذه المواقع، مما يؤدي إلى كثير من المشاكل والأمراض الجسدية والنفسية العقلية:

على الصعيد الجسدي: يتسبب الإدمان في إضعاف النفس، وتدهور صحة مستخدميها، إذ تشير الدراسات إلى أن المراهقين الذين يدمنون استخدام مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر إصابة بالأمراض الجسدية، فقد تسبب طول فترة استخدام الإنترنت في ظهور أوجاع في الرسغ، نتيجة لاستخدام لوحة المفاتيح لوقت طويل.

ويمكن أن يتسبب في آلام الظهر والرقبة، نتيجة الجلوس لفترات طويلة بطريقة غير سليمة أمام شاشات الحواسب والأجهزة المحمولة، إضافة لآلام العيون وضعف البصر والتأثير على قرنية العين نتيجة الذبذبات الإلكترونية المنبعثة من الشاشة والهواتف الذكية، وأمراض القلب والشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وضعف الجهاز المناعي نتيجة التعرض للشائعات والأخبار المزعجة، ولا ننسى إهمال الرياضة التي هي أساس في حياة الأطفال والمراهقين مما يؤدي إلى ضعف اللياقة الجسدية، ومن تلك الأضرار ذلك الخمول والسكون الذي لا يساعد في العادة على نمو عضلات الطفل، والإصابة بضعف الحركة والسمنة، وتسبب آلاماً للرأس)الصداع(، والكتف، والظهر، والركبة، والقدم، وغيرها من الأمراض الشائعة بسبب الإفراط في الاستخدام.

على الصعيد النفسي: أما الأمراض النفسية التي يصاب بها مدمنو المواقع الرقمية فحدث ولا حرج وهي أشد خطراً من الجسدية، وقد اتفق علماء وخبراء النفس أن مواقع التواصل الاجتماعي أدت وتؤدي للإدمان، وأن المدمنين عليها أكثر الناس عرضة للأمراض النفسية، التي تعود على تدمير الأسر، وهي كثيرة، حيث يصاب بعض الأطفال بالتوتر والمزاجية، وأحياناً يكون لديهم شعور بالحسد والضغينة اتجاه الآخرين، بالإضافة إلى حب الظهور على غيرهم من الأطفال والإثبات الزائف وغير الحقيقي للذات بسبب الإدمان على الإنترنت، وأمراض أخرى كالوسواس القهري، أو الاكتئاب، والاضطراب في النوم وميول عدواني بسبب الألعاب الإلكترونية الرائجة، وقلق دائم من المستقبل وغير ذلك من المشاكل النفسية الناتجة عن المبالغة في استخدام تلك المواقع التي تؤدي إلى الانحراف في التفكير والسلوك.

على الصعيد العقلي: أما التأثيرات العقلية الحاصلة في الأفراد المدمنين فهي كثيرة، مثل إلهاء العقول وإشغالها بالضار غير المفيد، كالألعاب والمواقع المضحكة والجلوس الساعات الطوال خلف أمور لا فائدة منها مما يسبب التبلد العقلي واللامبالاة والتشتت وضعف القدرة على التركيز، والإصابة بمتلازمة الإنهاك المعلوماتي الذي يعبر عنه بتلقي كثير من المعلومات بشكل عشوائي غير منتظم، وعدم التحقق من صحتها، وقد تحوي الكثير من الأخطاء والأفكار الضالة الموجهة والمسيرة لفئات منحرفة. 

2- إن تأثير إدمان مواقع التواصل الاجتماعي في الحياة الاجتماعية كارثي، بل مدمر بكل المقاييس الاجتماعية، فيمكن أن نقسم إلى عدة فقرات:

على الصعيد الاجتماعي العام: فعلى سبيل ذلك التشجيع على الجريمة وقتل النفس، وكيفية الوصول إلى الأساليب والطرق المؤدية إلى ذلك، وتسهيل عملية القتل في ذهن الأطفال من خلال الألعاب الإلكترونية والمقاطع المصورة على وسائل التواصل التي تبسط ذلك، وخداع الناس في هذا المجال، وازداد هذا الأمر كثيراً نتيجة عدم وجود رقابة فعَّالة، وقد يكون المراهقون حلقة أضعف، فيسهل استغلالهم وابتزازهم، وإجبارهم على تنفيذ طلبات غير مقبولة، وتهديهم بفضح هويتهم إذا ما رفضوا تنفيذ أمور توكل إليهم من أشخاص مبتزين، فيعاني المراهقون من استغلالٍ لهم قد يودي بهم إلى الانتحار أحياناً، إضافة الى العزلة وموجات الاكتئاب والابتعاد عن الحياة الواقعية، وهذا يقود إلى تحفيز الشعور بالوحدة، والابتعاد عن الأقارب والأصحاب؛ ممَّا يسبب اكتئاباً وقلقاً يعود بمشكلات صحية نفسية وجسدية على المراهق، إضافة إلى ضياع الأوقات؛ فإن من المحزن أن أصبحت مواقع التواصل مرتعاً لقضاء الأوقات الطويلة في غالب الأحيان، حيث يمضي فيها المتواصلون المزيد من الأوقات الثمينة بحيث تكون بداية لقضاء أوقات الفراغ، ما تلبث أن يقضي المراهق فيها جل وقته مضوعاً أوقاته الثمينة بدون فائدة ترجى، أو قليلة مقابل الأوقات المصروفة على الشابكة، وخاصة الأطفال الذين ليس لديهم خبرة في تمييز الأولويات وصرف الأوقات فيها، فتراهم يقضون أوقات كثيرة على الألعاب الإلكترونية التي لا طائل منها، سوى بعض اللهو والضحك وبعض المتعة كما يدعون، وتكون النهاية تَشتُّت التفكير وضياع الوقت.

على صعيد الأقارب خارج المنزل: تحدّ وسائل التواصل الاجتماعي من التواصل وجهاً لوجه بين أفراد المُجتمع، حيث تُجرى العديد من الاتصالات عبر هذه الوسائل من خلال مُحادثات كتابية عبر لوحة مفاتيح الحاسوب أو الهاتف المحمول، وهذا الأمر من شأنه التأثير على مهارات التواصل الحقيقي مع الآخرين سلباً والحدّ منها، مع صعوبة إيصال المشاعر والتواصل العاطفي بين أفراد المجتمع، والذي نسميه الشلل الاجتماعي؛ حيث يقتصر الأمر خلالها بإرسال الرموز التعبيرية للتعبير عن الحزن أو السعادة، وهي لا تُفسّر بالضرورة حقيقة مشاعر صاحبها، ونستطيع أن نسميها نوعاً من النفاق الاجتماعي.

ويُؤثّر هذا الأمر على العلاقات بين الأفراد، كما تتسبّب وسائل التواصل الاجتماعي بخلق عاداتٍ سيئة لأفراد المُجتمع؛ كإهمال بعضهم بعضاً أثناء التحدُث، أو التشتُت أثناء القيادة، فضلاً عن أنّ الاستخدام المُستمرّ لتلك المواقع قد يدفع الأفراد إلى تأجيل مهامهم ويمنعه من المشاركة في المناسبات الاجتماعية، وكما له الدور في تراجع زيارة الأقارب، والفراغ العاطفي، فالوقت الذي يقضى في مشاهدة الصور المثالية على منصات التواصل قد يثير الغيرة والحسد والتذمر من حاله الذي عليه حين يرى المتصفح حال الناس المترفين وما عليه من بذخ ورحلات وطعام ولباس وأثاث منزل وغيره الكثير، مما يؤدي إلى الشعور بالنقص، ويؤثر على الصحة العقلية، كما يؤدي الى التجاوز الأخلاقي في التعامل مع الجنس الآخر، والتعصب لرأي الأصدقاء على مواقع التواصل،  وإخبار الأصدقاء على مواقع التواصل ما يحدث معهم في حياتهم الخاصة ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة بين أفراد المُجتمع وتضليلهم بها؛ هذا على الصعيد الاجتماعي خارج نطاق البيت.

على صعيد الأطفال: إن الإدمان المفرط على مواقع التواصل الاجتماعي ينتج طفلاً محروماً من المهارات الاجتماعية، وكيفية التصرف بطريقة لبقة مع الآخرين وكيفية التعامل مع الضيوف والإجابة على أسئلتهم، وكيفية التعبير بالشكل الأمثل عن مشاعره وتعاطفه مع الآخرين، وجهل الكثير من الأعراف الاجتماعية في وسطه الاجتماعي وفي حيه وبين أهله، مما يؤدي إلى الشعور بالحرج والارتباك والقلق عند مواجهة بعض الظروف والمواقف الاجتماعية مما يؤدي إلى نقص التركيز وسوء في التقدير.

أما على صعيد المنزل: فلوسائل التواصل الاجتماعي دور في انشغال أفراد العائلة الواحدة عن بعضهم؛ وذلك لأنّ كلّ واحدٍ منهم يقضي ساعاتٍ طويلة في استخدام تلك المواقع بدلاً من التواصل مع باقي أفراد عائلته وتعزيز علاقاته معهم، مما أدى إلى تدهور العلاقات الأسرية في الأسرة الواحدة، وظهور مزيد من الفرقة والتشتت والضياع الأسري الذي يؤدي إلى الانعزال، والتفكك واتساع الفجوة بين الآباء والأبناء، وعدم الثقة بينهم، واستبدالها بإنشاء صداقات ربما وهمية على هذه المواقع، ومشاورتهم في الأمور الشخصية بدل الآباء والأمهات، حيث أصبح الفيس وغيره من مواقع الاتصال هو {الأخ الأكبر} الذي يطلع على كل شيء، ويشاور في كل أمر، وتؤخذ نصائحه على أنها الحل الأمثل للمعضلات والملجأ الوحيد للمشاكل، ومركز الثقة والقدوة التي فقدها الآباء على حساب هذه المواقع، مما يؤدي إلى ارتفاع الفجوة في العائلة الواحدة، وحدوث اضطرابات شديدة فيها لا تعود عليها بخير.

أما على الصعيد الزوجي: أدى الإدمان على مواقع الاتصال إلى قلة أو ربما ندرة التفاعل ما بين الزوجين وضعف الحياة والمشاعر العاطفية بينهما بسبب الانشغال الطويل على هذه المواقع وربما إهمال بعض الواجبات بين الزوجين والتقصير فيها الذي خلق جواً من التوتر بين الزوجين والذي يؤدي إلى التفكك ضمن المنزل الواحد وإحداث مزيد من المشاكل، كالطلاق الذي يؤدي إلى تدمير الأسرة، كما أدت إلى سولة الخيانة الزوجية والحصول على كثير من الأصدقاء والصديقات عبر الشابكة والاطلاع على ما في البيوت من أسرار وغير ذلك من المشاكل التي لا يمكن أن نتنبأ بها لكثرتها.

أما على صعيد الإنتاج: فهذا كله يؤدي إلى ضعف إنتاجية الفرد واعتماده على تصديرات الآخرين من منتوجات غذائية وصناعية وزراعية وأفكار وغير ذلك وجعله عنصراً متلقاً غير منتج، ناهيك عن الإبداع الذي يصبح عاجزاً عنه بالكيلة نتيجة لذلك الأمر الذي هو عليه ويصبح عاجزاً عن إلقاء أفكار جديدة أو إضافة شيء للمجتمع؛ كما أظهرت دراسة أجريت من قبل منظمات عالمية على مجموعة من الموظفين فتبين أن الموظفين الذين يتصفحون مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مفرط انخفضت إنتاجيتهم بنسبة 1.5%  عن أولئك الذين عندهم توازن في استخدام الشابكة والذين يهدفون من التواصل فيها الوصول إلى قدرات أكثر فاعلية في الإنتاج والوصول إلى معلومات تزيد من فاعليتهم وقدراتهم الإنتاجية، وكانت النتائج واضحة جدا أن انخفاض الإنتاجية كان بسبب الإدمان والإفراط في تصفح وتحميل الصور التي لم يكن لها علاقة بالعمل والإنتاج.

 3- ناهيك عن التأثيرات الجنسية والتحرش والاطلاع على المنكرات بسبب المواقع الإباحية المنتشرة على الصفحات وما أكثرها مما يؤدي إلى ضعف الوازع الديني والنظر للمحرمات والاستهانة بذلك، والترويج للعقائد الباطلة والفاسدة المنتشرة على الشابكة بشكل كبير، والأفكار المنحرفة كالشواذ والإلحاد والتحلل من القيم الإنسانية والاجتماعية والدينية، وتمجيد ما عليه أعداء الإسلام، واتخاذ القدوات الفاسدة والتشبه بها أمثال المغنين والفنانين والممثلين واللاعبين، وإزالة كل مظاهر الولاء والبراء، ليصبح الولاء والمحبة على القيم الدنيوية وأصحاب الشهرة من الأفلام والمسلسلات الدرامية، والرضى بكل ما عليه الملحدين والمنحرفين، وتقديس كل مظاهر الحياة الدنيا وجعلها هدف الحياة الأسمى.

بعد هذه الدراسة المتواضعة يتبين لنا أن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي يعود بالأثر السلبي في مستخدميه وعلى المجتمع من الناحية الصحية والجسدية والأخلاقية والدينية والاجتماعية وحتى على كل الأصعدة، فيجب علينا الحد من استخدامه وإرشاد المراهقين في كيفية استعماله وإحداث توعية على مستوى المجتمع من آثاره السلبية حتى تجتنب. 

المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة آرام ميديا

اقرأ أيضاً: الجزء (1) مخاطر الإدمان الرقمي

شاهد إصداراتنا: