الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

عن المحتوى الإباحي..

عدسة على الإدمان الرقمي.. مخاطر وواجبات (5)

05 مارس 2023، 11:55 م
الإدمان الرقمي- جهاز كمبيوتر
الإدمان الرقمي- جهاز كمبيوتر

حزام العطاوي - آرام

في إحصاء داخلي تم تسريبه إلى الصحافة في أكتوبر الماضي، توصلت شركة تويتر إلى أن 13% من محتوى موقع التواصل الاجتماعي الأشهر "إباحي". بعبارة أخرى: إذا تصفحت عشر تغريدات بشكل عشوائي، فإن من المحتمل جداً أن يكون أحدها مقطعاً إباحياً لحساب شركة إنتاج أفلام إباحية، أو مشهداً من حساب أحد صناع المحتوى في  .OnlyFans

يبحث هذا المقال في فرضية مركزية واضحة: إدمان مواقع التواصل يرفع من احتمالية إدمان الإباحية.  

لا تتضمن سياسات أبرز مواقع التواصل الاجتماعي معايير وحدوداً واضحة للمحتوى الإباحي الذي ينشر فيها، فالمعايير المنشورة عائمة بشكل يجعل منها غير ذات معنى، وذلك لأسباب عدة منها كثرة الاستثناءات التي تمنح المجال لنشر المحتوى الإباحي، فحسب تقرير صادر عن مركز بيلفر للعلوم والدراسات الدولية التابع لجامعة هارفرد فإن الاستثناءات التي تمنحها مواقع التواصل (فيسبوك، تيك توك) لنشر المحتوى الإباحي تشمل الأغراض التعليمية، الطبية، والفنية.

يضاف إلى ضعف المعايير وسيولتها فإن مراقبة المحتوى وحذف المخالف منه عملية بطيئة بشكل يجعل "ما تراه في الواقع لا يعكس تماماً السياسات المعلنة" حسب وصف التقرير والذي يشير بالمقابل إلى حضور معايير صارمة فيما يتعلق باستخدام الأطفال في المحتوى الإباحي وذلك لدى (تويتر، فيسبوك) مع توجيه اللوم لـ"تيك توك" لضعفه الواضح في هذه الجانب.

تبرز نقطة أخرى تعزز من انتشار المحتوى الإباحي في مواقع التواصل، وهو تعريف "المحتوى الإباحي" نفسه: ما هو؟

في صفحة السياسات الخاصة بموقع فيسبوك، يحدد الموقع عدة أشكال من المحتوى تحت عنوان "يرجى عدم نشر"، تتضمن هذه القائمة:

  • صور أشخاص بالغون حقيقيون عراة إذا كانت تصور ظهور الأعضاء التناسلية بشكل واضح، أو حلمات ثدي أنثى مكشوفة.
  • صور نشاط جنسي إذا كانت تنطوي على تحفيز جنسي صريح.

بجانب أنواع أخرى من المحتوى تم ذكرها، إلا أن هناك تضييقاً لتعريف "المحتوى الإباحي" بشكل يجعل الكثير من صوره مشرعنة رغم أنها قد تحمل إشارات جنسية واضحة، حيث يعرّف الموقع "التحفيز الجنسي الصريح" بشكل يحدد وضعاً معيناً واحداً فقط هو الذي ينطبق عليه هذا الوصف - يمكن مراجعة صفحة السياسات في المصادر-.

بالمقابل، تنص سياسات موقع تويتر بشكل مباشر وصريح على السماح بنشر "محتوى البالغين" تحت شرط واحد: "يمكنك مشاركة العنف التصويري ومحتوى البالغين الذي تم إنتاجه بالتوافق في تغريداتك، شريطة أن تحمل هذه الوسائط علامة تفيد بأنها حساسة".

أما تيك توك، منصة المراهقين الأشهر، فإنها تشير في صفحة "سياسات المجتمع" إلى أنّ المحتوى الذي "يصوّر إما ضمنياً أو صراحة أنشطة جنسية بما يشمل ممارسة الجنس مع أو بدون الولوج، أو يصوّر حالات الانتصاب أو الإثارة الجنسية، أو يتضمّن لغة جنسية فاضحة من أجل تحقيق الرضى الجنسي.." سيتم إزالتها. رغم ذلك واجهت تيك توك انتقادات تتعلق بعدم فعالية سياستها بشكل يجعل المحتوى الموجه للكبار يظهر كـ"محتوى مقترح/Explore " في حسابات الأطفال وذلك بحسب تحقيق لصحيفة الوول ستريت جورنال.

يضاف إلى ما سبق، حضور حسابات تتبع لمواقع وشركات إنتاج المحتوى الإباحي في عدد من أشهر مواقع التواصل: فيسبوك، تويتر، وتيك توك وذلك حسب تقرير للمركز الوطني لمكافحة العنف الجنسي بالولايات المتحدة. حيث توجد حساب موثقة لمواقع مثل Porn Hub   وOnlyFans  في عدد من المواقع، وهذا يساهم في تعزيز حضور والترويج للمحتوى الخاص بهذه المواقع على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى.

نصل هنا إلى استنتاجين مهمين:

  • وجود وسيولة في تحديد معنى "المحتوى الإباحي" لدى شركات مواقع التواصل بشكل يجعل الكثير مما يمكن أن يكون تحت هذا التصنيف يظهر وكأنه محتوى عادي.
  • ضعف شديد في مراقبة المحتوى وإزالة المخالف لسياسات المواقع مما يجعل المحتوى ينتشر لدى جمهور أكبر.

بنهاية عام 2020م، وبينما كانت الكثير من الشركات تحصي خسائرها جراء الأزمة الاقتصادية التي صاحبت إجراءات الإغلاق، كانت شركة OnlyFans تكسر أرقاماً قياسية:

  • ارتفع عدد مستخدمي التطبيق من 20 مليون مستخدم إلى 120 مليون مستخدم.
  • ارتفعت أرباح الشركة من 49 مليون دولار إلى 350  مليون دولار.

 يقوم نموذج عمل المنصة على دفع المستخدمين قيمة اشتراك شهري من أجل مشاهدة ما ينتجه صنّاع المحتوى (مشابهة لفكرة أن تدفع ليوتيوبر شهير مقابل أن تشاهد فيديوهاته)، لكن ما الذي يجعل محتوى Onlyfans  مختلفاً لدرجة أن يدفع له المستخدمون؟.

لأنه محتوى إباحي، بكل بساطة. رغم أنّه لاتوجد إحصائيات دقيقة حول نسبة المحتوى الإباحي من إجمالي المحتوى الموجود في المنصة، إلا أنّ السمعة التي اكتسبها خلال الجائحة – حيث لجأ الكثير ممن فقدوا/فقدن مصدر الدخل إلى المنصة من أجل النجاة وسط الظروف الاقتصادية الصعبة حينها.

يُلاحظ استخدام مصطلحات ملطّفة في الأخبار التي تتناول المنصة، حيث أشارت لها مجلة التايم في أحد المقالات أن المنصة  معروفة بكونها Porn-Friendly – ولا أعرف والله كيف أترجم هذا المصطلح !-.

الأثر الجوهري الذي أحدثته منصة Onlyfans هي في نقلها صناعة المحتوى الإباحي إلى المستوى الشعبي بعيداً عن شركات الإنتاج الإباحي، بمعنى أنه يمكن لأي فرد في أي مكان أن يفتح حساباً ويفرض مبلغاً للاشتراك وينشر محتواه.

من تبعات هذا أن أصبح هناك صناع محتوى إباحي عرب، إما من المقيمين في البلاد العربية أو البلاد الأوروبية.

تكمن الخطورة في أن جمهور صناع المحتوى هؤلاء هي المجتمعات العربية، مما يعني وجود جهود تسويقية باللغة العربية في مواقع التواصل الكبرى كتويتر وتيك توك، يشمل ذلك: نشر المحتوى الإباحي، والإحالة إلى حسابات صناع المحتوى في Onlyfans.

ولأغراض البحث، جرى رصد عدة حسابات لصناع محتوى إباحي من عدد من الدول العربية - بما في ذلك تلك التي تعرف بأنها مجتمعات محافظة-، تنشط هذه الحسابات في تويتر وتروج للحسابات المدفوعة في منصة Onlyfans.

نصل هنا إلى فرضية ذات أرضية صلبة: يتعرّض مستخدمو مواقع التواصل الرئيسية التالية: تويتر، فيسبوك، وتيك توك إلى المحتوى الإباحي، والتعرّض هنا نقصد به المشاهدة والاطلاع عمداً أو عن غير قصد، أن يظهر المحتوى الإباحي للمتصفِّح حتى ولو لم يبحث عنه بشكل مباشر وذلك للأسباب التي سبق ذكرها.

يأتي السؤال: هل يمكن أن يؤدي هذا التعرّض المستمر للمواد الإباحية بمستخدم مواقع التواصل إلى إدمانها - أي: الإباحية-؟

تكمن خطورة هذا السؤال في أنه يطرح احتمالية وجود إدمانين يغذّي أحدهما الآخر.

قبل أن نبحث في إجابة هذا السؤال، فإننا نشير إلى أنّ بحثنا يشمل مستخدمي ومدمني مواقع التواصل، والمدمن هنا من توفرت فيه المعايير الخمسة التالية:

  1. الدخول العشوائي والتصفح بغير هدف ولا خطة.
  2. إمضاء عدد ساعات كبير يوميًا ومن دون انقطاع (3 ساعات فما فوق).
  3. تكرار هذا السلوك لفترة زمنية طويلة (45 يوماً).
  4. محاولة الشخص التوقف عن ممارسة السلوك مرارًا لكنه أخفق بفعل التعلق الشديد به وآثاره الانسحابية السلبية.
  5. الشعور بالأعراض الشائعة على طول فترة ممارسته السلوك.

ويشترط أن تتوافر هذه المعايير معاً لإطلاق صفة الإدمان – المرجع: أ. محمد ديرانية-.

لأن إطلاق صفة الإدمان يتطلّب دراسة بحثية مباشرة، ووقوفاً على حالات الدراسة فإننا نتوقف هنا عن إطلاق وصف "مدمني" مواقع التواصل ونستبدلها بـ "مستخدمي"، لكن تظهر أمامنا نفس المشكلة مع نوع الإدمان الآخر: إدمان الإباحية، ماهي علاماته وماهي عوامل الخطورة؟

يؤسفني إبلاغكم أن "الجمعية الأمريكية لعلم النفس" لاتعترف بما نطلق عليه هنا "إدمان الإباحية"، ويُطرح هذا الموضوع في أدبياتها على أنّه "إدمان للجنس"، ويُشار إلى أنّه "قد تدفع الأعراف الاجتماعية والثقافية والدينية البعض إلى النظر إلى عاداتهم الإباحية على أنها إدمان"، غير أنّ هناك أنواعاً أخرى من إدمان الإباحية معترف بها في سياقات غير التي نتحدث عنها، فهناك إدمان الإباحية المرتبط باعتراف الشخص بوجود مستوى إدمان جنسي مرتفع بشكل يؤثر على حياتهم اليومية Self-Perceived Problematic Porn Use (SPPPU).

على أن مايقوّي حضور السؤال أعلاه وينفي - بزعمنا - عدم اشتراط حضور صفة إدمان مواقع التواصل لدى شخص ما لكي تصبح لديه قابلية إدمان الإباحية، بل يكفي استخدامه لها هي العوامل التالية:

  1. الفئة العمرية: تتراوح أعمار نسبة كبيرة من مستخدمي مواقع التواصل ما بين المراهقين إلى نهاية العشرينات، تتحدث بعض المصادر عن أن ما نسبته 25% من مستخدمي تيك توك تتراوح أعمارهم مابين 10 إلى 17، والربع الآخر ما بين 17 إلى 25.

يرتفع متوسط الأعمار ليصل إلى العشرينات الذين يمثلون أكبر شريحة مستخدمة لتويتر عالمياً، ونظراً لطبيعة هذه المرحلة العمرية التي يحدث فيها البلوغ لدى الجنسين -في معظم الحالات- وما يرافقها من تغيّرات جسدية ونفسية، فإن احتمالية الانجراف وراء المحتوى الإباحي حاضرة بقوة.

  1. الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل خيار الزواج صعباً لكثير من الشباب ضمن الفئة العمرية المذكورة، فتكون مشاهدة المقاطع الإباحية أحد وسائل تفريغ الشهوة الجنسية، والحديث هنا يركز على البلدان العربية بشكل عام.

أشارت دراسة نُشرت أواخر عام 2016م تحت عنوان: استهلاك المحتوى الإباحي في مواقع التواصل الاجتماعي/Pornography consumption in Social Media  إلى مجموعة من الحقائق المثيرة والتي تقوّي من فرضية أن الاطلاع على المحتوى الإباحي في مواقع التواصل يرفع من احتمالية الوقوع في فخ الإدمان، حيث أشار الباحثون إلى أنّ ما يقارب الـ 30% من مستخدمي تويتر يتعرّضون – عن غير قصد – إلى المحتوى الإباحي، مقارنة بـحوالي 21.5% من المستهلكين المباشرين/متابعي الحسابات الناشرة للمحتوى الإباحي، بالمقابل – وبحسب الباحثين- هنا 0.1% من مستخدمي تويتر يمكن تصنيفهم كـمنتجين Producers  للمحتوى الإباحي.

كما أشارت دراسة أخرى من الفلبين إلى أنّ المحتوى الإباحي على مواقع التواصل – وفي الإنترنت عموماً – هو العامل الرئيسي الذي أدى إلى أن مايقارب الـ 30% من الشباب دون الـ 18 عاماً قد مارسوا الجنس، كما أنّ مواقع التواصل أصبحت هي مصدر المعلومات الرئيسي الذي يستقي منه جيل الألفية معلوماتهم حول الجنس.

تطرح هذه المقالة من الأسئلة أكثر مما تجيب، والتي – رغم أهميتها – تبقى نقطة في بحر أضخم تجربة اجتماعية قد يمر بها جيل بشري: مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيراتها. قد لا تتضح لنا إجابات هذه الأسئلة إلا بعد عقود، لكن النتائج حينها ستكون أمامنا، في مجتمعاتنا، ولن يكون هناك مجال لإصلاح الضرر، لكن لاخيار آخر غير السعي ومراكمة تجارب المجتمعات الأخرى كوسيلة لتقليل التكلفة.

المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة آرام ميديا

اقرأ أيضاً: الجزء (1) مخاطر الإدمان الرقمي

شاهد إصداراتنا: