الإثنين 08 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

الانتخابات التركية وتداعياتها في الوعي السوري

20 مايو 2023، 06:15 م
الانتخابات التركية وتداعياتها في الوعي السوري

حسن النيفي

كاتب وشاعر سوري

20 مايو 2023 . الساعة 06:15 م

لم يكن يوم الرابع عشر من أيار الجاري يوماً كباقي الأيام على البلاد التركية، بل ربما ستبقى سخونة ذلك اليوم ماثلةً في مخيلة الشعب التركي الذي واكب العملية الانتخابية وعايشها بكل فئاته وشرائحه، منذ الصباح وحتى ساعات الفجر الأولى، ولعل الكثير منهم تابع نهار اليوم التالي دون أن يخلد للراحة، نظراً للسيرورة ذات الحساسية الشديدة للعملية الانتخابية التي لم تُحسم بعد، بسبب عدم حصول أي مرشح رئاسي على نسبة الأصوات التي تؤهله للفوز، ما استدعى من الجميع الانتظار حتى الثامن والعشرين من الشهر الجاري للبدء بالجولة الثانية والحاسمة.

ولئن كان من الصحيح أن الانتخابات التركية بشقيها، الرئاسي والبرلماني، هي شأن داخلي تركي أولاً، وإرادة الشعب التركي هي الممسك الوحيد والمتحكم الأقوى فيما ستفضي إليه النتائج، ولكن مما لا مراء فيه أيضاً، أن تلك الانتخابات كانت محط أنظار العالم أيضاً، وإنْ بنسبٍ متفاوتة، كلٌّ له أسبابه ودوافعه التي تحدّد مقدار اهتمامه بنتيجة ما يجري، ولعل مردّ ذلك إلى أن التداعيات السياسية لتلك العملية لا يمكن حصر ارتداداتها على البلاد التركية فحسب، بل ربما طالت تأثيراتها العديد من البلدان والقضايا، ولا شك أن القضية السورية هي الميدان الأكثر تأثراً، لأسباب باتت غنية عن الشرح والإيضاح، وربما هذا ما جعل الكثير من السوريين لا يقفون في عداد المتابعين – كبقية شعوب الجوار والجماعات الأخرى -  لما يجري وينتظرون ما ستفضي إليه الأمور فحسب، بل انخرطوا – بوعي منهم أو بدونه – ليعيشوا الحالة بكل تجلياتها الميدانية وتوتراتها النفسية وتجسيداتها الاجتماعية قبل الحسابات السياسية، ويمكن تصنيف مواقف وسلوك السوريين حيال ما جرى في الرابع عشر من أيار إلى ثلاثة أصناف أو فئات:

الفئة الأولى: المقيمون داخل البلاد التركية، وهم في عداد اللاجئين من ضمن الملايين الأربعة التي تتوزع إقامتها في عموم المدن والبلدات التركية، ويؤكّد معظم هؤلاء أنهم قد احتاطوا قبل أيام  لما سيشهده موعد العملية الانتخابية، إذ جلبوا من الأسواق ما يحتاجونه من مؤن وطعام، وركنوا في يوم الرابع عشر من أيار في بيوتهم ولم يذهبوا إلى أعمالهم، يتابعون ما يجري عبر شاشات التلفاز بمزيد من القلق والخوف، ولا تفارق أذهانهم ونفوسهم الوعود والتهديدات التي أطلقتها أحزاب المعارضة حول ترحيلهم من كل البلاد التركية، إن هي أمسكت بزمام الحكم، بل هم يدركون جيداً أن قضية ترحيل اللاجئين كانت الورقة الأكثر ثقلاً وتداولاً في البرامج الانتخابية لأحزاب المعارضة، ما يعني أن فوز المعارضة في انتخابات الرئاسة سوف يطول مصيرهم بصورة مباشرة، فحرصهم على المتابعة بخوف وحذر، واحتباس أنفاسهم وهم يراقبون ارتفاع وانخفاض نسبة التصويت لمرشحي الرئاسة نابعٌ أصلاً من هاجس وجودي قوامه الحفاظ على البقاء، كما أن تضامنهم مع مرشح حزب العدالة (الرئيس أردوغان) إنما ينبع أيضاً من حرصهم الوجودي على حياتهم وحياة أسرهم وممتلكاتهم، وتحاشيهم مواجهة مصير مجهول، أو على الأقل تأجيل المواجهة لهكذا مصير. ولا شك أن مجمل ردود أفعال هذه الفئة وما رافقها من سلوك يهدف إلى الحفاظ على الذات واتقاء خطر اقتلاعهم أو تشريدهم من جديد، هي في غاية المشروعية، كما تحمل كل مقومات تبريرها وتفهّمها.

الفئة الثانية: هي في غالبيتها من سكان الشمال السوري، من إدلب وريفها مروراً بريف حماة الشرقي، وشطر من الريف الغربي لمدينة حلب، ثم الباب واعزاز وجرابلس وعفرين، ومن المعلوم أن هذا الشريط الحدودي بات يؤوي كتلة بشرية يقارب عدد سكانها أربعة ملايين نسمة، نحو (800 ألف) منهم يسكنون المخيمات، وقد حُشروا في هذا الشريط بفعل عوامل التهجير والتغيير الديموغرافي التي مارسها نظام الأسد وداعموه حين اجتاحوا الغوطة الشرقية وداريا والزبداني والقلمون ودرعا وحمص وريف إدلب الجنوبي ومدينة دير الزور. تعيش هذه الكتلة السكانية تحت نفوذ سلطتي أمر واقع، حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام في إدلب، وسلطة الجيش الوطني والحكومة المؤقتة التابعة للحكومة التركية، وعلى الرغم من أن هذه الكتلة البشرية باتت تبدي رفضاً واضحاً للسياسة التركية منذ أعلنت أنقرة استدارتها نحو التطبيع مع نظام دمشق في شهر آب من العام الفائت، وكذلك على الرغم من التذمر الشديد الذي يبديه سكان تلك المناطق من ممارسات الفصائل العسكرية وحالات الفوضى الأمنية وقسوة المعيشة وندرة الخدمات، إلّا أنهم لم يخفوا تعاطفهم بل تأييدهم الكامل لفوز الرئيس أردوغان في انتخابات الرئاسة التركية، ليس حرصاً على سوء حال ما هم فيه، بل خوفاً من حال أسوأ قد يحل بهم إن فاز منافسو حزب العدالة والتنمية، وربما لم يكن بمقدور هذه الفئة من السكان أن تنسى الوعد الذي قطعه على نفسه ووعد به مناصريه مرشح المعارضة الأبرز (كمال كليتشدار أوغلو) حين أعلن عن عزمه سحب كامل الجيش التركي من الأراضي السورية وإعادة جميع المدن والبلدات التي تقع تحت نفوذه إلى سلطات الأسد، كخطوة أولى لإعادة العلاقات الكاملة مع نظام الأسد، ولعل مجرّد طرح فكرة عودة قوات النظام إلى تلك المناطق كفيلة بأن تجعل جميع السكان يتخيلون أنهم سيواجهون الجحيم، فهم حيال حالتين الأولى سيئة، والثانية في حال تحققها ستكون أكثر سوءاً، ولعل ضيق الخيارات بين السيء والأكثر سوءًا مردّه إلى فشل الحكومة المؤقتة والفصائل العسكرية في أن تكون الحامل الحقيقي للبديل الوطني المُقنع لسكان تلك المناطق.

الفئة الثالثة: وتتمثل بالنخب الفكرية والسياسية السورية التي توجد في تركيا والبلاد العربية وأوروبا، فالإسلاميون منهم، في غالبيتهم أبدوا تأييداً وتعاطفاً مطلقاً لحزب العدالة والتنمية، ولعل بواعث هذا التأييد لم تنبثق من حسابات المصلحة الوطنية أو اعتبارات سياسية تأخذ بعين الاعتبار مستقبل القضية السورية ومصالح السوريين، بقدر ما كان منبثقاً من بواعث إيديولوجية، بدليل أن تأييد تلك القوى والجماعات إنما جاء نتيجة (فتوى شرعية) يؤكد أصحابها أن انتخاب الرئيس أردوغان واجب شرعي، فالمرجعية الشرعية

(الدينية) كانت سابقة ومتقدمة على أي اعتبار آخر. ويقابلهم في الضفة الأخرى موقف يساري أبدى تعاطفه وتأييده المطلق لمرشح المعارضة التركية كليتشدار أوغلو، أيضاً لأسباب ودوافع لا تتجاوز تخوم الإيديولوجيا، إذ يكفي أن يكون حزب العدالة والتنمية إسلامياً حتى تتكوّن لديهم المشروعية الكاملة بمحاربته، وربما تظاهر أصحاب هذا الموقف بلبوس ليبرالي وتلطّوا خلف خطاب الحريات وحقوق الإنسان، إلّا أن مرجعياتهم الشيوعية التي نشؤوا وترعرعوا عليها ما تزال تتحكم ببناهم الذهنية وتجعل محاكماتهم لمعظم القضايا لا تفارق مساطرهم الإيديولوجية القديمة. ولعل ما يجمع بين الموقفين، الإسلامي واليساري، هو أن كليهما محكوم بنمط من التفكير الأممي التقليدي المخلص لسلطة الإيديولوجيا، والعابر في الوقت ذاته لما هو وطني وإنساني.

ما من شك في أن المشهد الديمقراطي الذي جسّدته الانتخابات التركية  يثير المزيد من اللهفة إلى المتابعة لدينا – نحن السوريين – إلى درجة الشغف، نظراً للتجربة النقيضة التي جسّدتها عهود الاستبداد والتوحّش الأسدي، وفي الوقت الذي كان من المفترض أن تكون التجارب الديمقراطية للشعوب الناهضة معيناً لتعزيز الوعي الديمقراطي السوري وثقافة التغاير والإقرار بحق الآخر ومراكمة الخبرات في إدارة المؤسسات والنظم في الدولة الحديثة، ولكن واقع المأساة السورية كان يدفع الجميع باتجاهات ومسالك أخرى.

المصدر: تلفزيون سوريا

المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة آرام ميديا


اقرأ أيضاً:
الكونغرس يقرّ قانون "محاربة التطبيع مع نظام الأسد" بأغلبية ساحقة
شاهد إصداراتنا: