الجمعة 03 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.77 ليرة تركية / يورو
40.65 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.63 ليرة تركية / الريال السعودي
32.37 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.77
جنيه إسترليني 40.65
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.63
دولار أمريكي 32.37

حرب المسارات.. تَسبق مسارات الحرب في سورية

24 يونيو 2023، 02:30 م
باسل معراوي
باسل معراوي

د. باسل معراوي

كاتب وسياسي سوري

24 يونيو 2023 . الساعة 02:30 م

لن يختلف أحد أنّ سورية ومنذ بدايات الثورة فيها تَحوّلت إلى نقطة مُلتهبة للصراعات الدولية والإقليمية، ليس صراعاً سياسياً ودبلوماسياً فحسب، ولا حتّى صراعاً بالوكالة، بل صراعاً نزلت فيه الجيوش بنفسها إلى أرض الميدان، ولا تفصل عن بعضها في بعض النقاط أكثر من بضع مئات من الأمتار.

ولاينزل جيش دولة في أرض دولة أخرى، إلا لضرورات الأمن القومي والمصالح العليا ..فمهما تَمّ الاتفاق عليه من خطوط ساخنة وتفاهمات لمنع الصدام المباشر …إلا أنّ ذلك الصدام وارد الحدوث بأيّ لحظة…وشهدنا كثيراً من تلك الحالات كإسقاط الطائرة الحربية الروسية من قبل سلاج الجو التركي، إلى مزيد من الحوادث المماثلة وصولاً لتصريحات قائد سلاح الجو الأميركي مُؤخراً بأن الطائرات الروسية تطير فوق أماكن تواجد القوات الأميركية بشكل غير مهني وقد يؤدي لما لايحمد عقباه.

الأرض السورية هامة جداً للولايات المتحدة لأن وجود تنظيم “داعش” الإرهابي فيها يُشكّل خطراً على الأمن القومي الأميركي ( كما تُعلن الولايات المتحدة ذلك دائماً، ولكن بالطبع يٌخفٍ هذا الإعلان أهدافاً أخرى ) وهي موجودة وتقود تحالف دولي من أكثر من 60 دولة.

والأرض السورية مهمة جداً للأمن القومي الروسي إذ أنها نقطة الإرتكاز الاستراتيجية ( خارج المجال الحيوي والجغرافي الروسي ) لطموح روسيا بالتواجد على شواطىء المتوسط الدافئة والتي تُحيط بالذراع الجنوبية لحلف الناتو ..كما أنّ سورية بالنسبة لروسبا تُمثّل قاعدة الإنطلاق كما لأفريقيا كذلك لمنطقة الشرق الاوسط تعزيزاً للطموح الروسي بمشاركة القطبية الأحادية مع الولايات المتحدة وهي ضرورية أيضاً لمشروع ولاية الفقيه حيث تُمثّل سورية جوهرة التاج في الهلال الشيعي الذي يصل طهران بالبحر الابيض المتوسط.

يضاف إلى ما سبق فهي ضرورية كذلك لتركيا لأنها الدولة الوحيدة من بين الدول المُتدخّلة في الشأن السوري و التي ترتبط بحدود جغرافية طويلة مع معها وترى في إنشاء أي دولة أو دويلة كردية أو كانتون كردي تهديداً إستراتيجياً لأمنها القومي.

من جانبها ترى الدولة العبرية أن أمنها القومي من الفرات للنيل ولن تسمح باي تواجد عسكري معادٍ لها في سورية وهي تُعلن ذلك على الملأ وداخلة في حرب رمادية مع الميليشيا التابعة للحرس الثوري الايراني فيها وفي مقدمتها حزب الله اللبناني.

الهلال العربي السني المؤلف من مصر والأردن والخليج يرى في التموضع الإيراني في سورية خطراً جسيماً على أمنه القومي .ولا يُخفِ رغبته بإخراج إيران من سورية، طبعاً للاتحاد الأوروبي هواجسه هو الآخر ويرى أنّ جزءاً من أمنه القومي مرتبطاً بالارض السورية…إذ يعتقد أن إستمرار الصراع وعدم الإستقرار فيها سَيكلفها ملايين اللاجئين مستقبلاً..وسط تزايد إحتمالات وصول الإرهاب إلى أراضيها، خاصةً أنّ الكثير من حملة الجنسيات الأوروبية قد أتوا لسورية ومنهم من بقي على قيد الحياة لايُسمح له بالعودة لبلده .. إضافةً لكون سورية ممراً لخطوط الطاقة التي ستحتاجها أوروبة أكثر وأكثر مستقبلاً بعد القطيعة مع الطاقة الروسية.

ومنذ اليوم الأول بدا التدخل الدولي والإقليمي والإصطفافات تتوضّح …وكان التدويل العلني الأول صدور بيان جنيف 1 في عام 2012 بعد أن عملت الجامعة العربية ما تستطيع عمله وأخذت موقفاً واضحاً ضد نظام الأسد وطردته من جامعتها وجمدت أغلبية الدول العربية العلاقات معه.

كان التفاهم الروسي الأميركي على إدارة الصراع (دون حَلّه ) حتى تتغير المعطيات على الأرض وتنضج ظروف الحل المحلية والاإقليمية والدولية وتمّ صياغة القرار 2254 بإسلوب الغموض البنّاء بشكل يدعو كل فريق لتفسيره على هواه ..وبالطبع كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يسيطرون على هذا المسار.

طمع الروس بالإنقضاض على المسار الأممي الذي تَتحكّم به واشنطن فحاولوا إلباس مسار أستانة العسكري ثوباً سياسياً ولم ينجحوا في ذلك في غضون 6 سنوات استغرقت عقد 20 جولة وتم نَعيه مُؤخراً ودُفِنَ في مزابل التاريخ وإختزنت الذاكرة الثورية السورية أسوأ المعانات والذكريات عنه.

لم يتمكّن مسار أستانة من الظفر ولو بِحلّ قضية سياسية واحدة في الملف السوري، بل بالعكس تم بسببه تسليم العديد من المناطق لنظام الأسد بذريعة ما أسموه خفض التصعيد…وبعد إنهيار كل التفاهمات وبعض التنسيق والرؤى المشتركة بين موسكو وواشنطن في العام الماضي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، أدى ذلك إلى أن يصبح العمل الروسي الأميركي لإنجاز صيغة حل مشتركة في سورية من الماضي…وبدأ الروس يعملون على تجديد مسار أستانة والذي كان ينظر لنظام الأسد على أنه جزءٌ من المشكلة..حيث بدأت موسكو بإنشاء المسار الرباعي وضَمّ نظام الأسد إلى المحور القديم بحيث أصبح نظام الأسد جُزءاً من الحل وليس من المشكلة.

ونظراً لصراع كوني صفري بين واشنطن وموسكو فإنه لابد لكل طرف من تخسير الآخر في سورية أيضاً أو عدم السماح له بالنجاح .. سياسياً في البداية ولا أحد بالطبع يستبعد الخيار العسكري الوارد بأي لحظة.

موسكو تحشد لمسارها الرباعي والذي جوهره إتفاق الأطراف الأربعة على ضرورة خروج القوات الأميركية من سورية والتي ببقائها تُعيق الوصول لِحلّ سياسي فيها.

بينما تَحشد واشنطن حلفاءها حول مسار جنيف الأممي والذي يحظى بالشرعية الدولية ولا يمكن أن يوافق عليه الثلاثي الروسي الإيراني الأسدي..بينما لاترى تركيا غضاضةً فيه.

صَحى العرب مُتأخّرين من غفوتهم عن سورية فحاولوا الدخول على خط الملف السوري بحيث يحجزوا لأنفسهم مكاناً على طاولة الحل ومحاولة التدخل فيه كمسار عربي مازال قيد التشكل تقوده الرياض ولايزال غير واضح المعالم والأهداف وفقير بالإمكانات والأدوات ولكنه على مبدأ أن تصل مُتأخرا خيرٌ من أن لاتصل أبداً، هذه المسارات الثلاثة المتصارعة لن تصل إلى أي حل حقيقي قبل تغيير موازين القوى على الأرض، حيث سيكون أي حل سياسي مُستقبلي هو إنعكاس لحالة القوى في الميدان

مسارات الحرب

لاتُخفٍ إيران وروسيا رغبتهما بطرد القوات الأميركية من سورية والإستئثار بحصتها وتسجيل نقاطاً عليها وذلك عبر ضربة فنية قاضية (وليست ضربة قاضية) تجعل التواجد الأميركي مُكلفاً وخسائره أقلّ من فوائده وتشترك تركيا نظرياً مع روسيا وإيران في ذلك التوجه لكن دون المشاركة باي جهد عسكري به لأسباب معروفة.

وبالطبع تَتسرّب الأنباء ( أو يَتمّ تسريبها عمداً ) عن إستعدادات إيرانية في شرق الفرات بدعم روسي وتزويد ميليشياتها بذخائر قوية تنال من الأرتال الأميركية المدرعة مع التهديد الدائم بإستعمال الطيران المسير للمناطق العميقة في الجزيرة السورية والبعيدة عن نقاط التماس حول نهر الفرات …ولا تُخفِ واشنطن نِيّتها بالدفاع أولاً عن مناطق نفوذها بإستقدام المزيد من المدرعات والعربات القتالية ومنظومات صواريخ الهايمرس..وتُجري إتصالات علنية مع قوات عشائرية عربية مختلفة في تسريبات عن نية واشنطن الهجوم وليس الدفاع فقط بإغلاق معبر البوكمال الحدودي وقطع حلقات المحور الإيراني وذلك بعمليات قتالية تنطلق من قاعدة التنف لتلتقي مع قوات تعبر نهر الفرات من الجزيرة السورية.

وبالطبع لن يقف الطرف التركي مكتوف الأيدي في الصراعات المحتدمة بحديقته الخلفية وهو الطرف المرتاح من حمى معركة إنتخابية قاسية والذي يعتب على الروس والأميركان معاً إخلالهما معه بإتفاقيات عديدة أهمها ماجرى في عام 2019، عندما تم تعليق عملية نبع السلام(وليس إيقافها) وإخلال كلا الدولتان بتعهداتهما وإلتزاماتهما اتجاه أنقرة، فمن المرجّح أن تَستغلّ العاصمة التركية الإشتباك الدولي بين موسكو وواشنطن وتُكمل ما بدأته في خريف 2019..

وفي غرب الفرات ونظراً لتآكل القوة الروسية التي فرضت خطوط وقف القتال الحالية منذ آذار 2020، فإنه قد يكون الحل الأنسب والعملي لإعادة الكَمّ الأكبر من اللاجئين إلى قراهم وبلداتهم التي أخرجوا منها في مناطق خلف النقاط التركية الـ12 . القيام بعمل عسكري للوصول إلى مورك وإسترداد ريف إدلب الجنوبي وبعض أرياف حلب الغربية.

لن تكون حرب المسارات في سورية إلا مقدمة لتحديد مسارات الحرب وذلك لتغيير مواقع القوى على الأرض ثم بعد ذلك يمكن أن يبدأ الحل السياسي لإقتناع كل طرف أنه أخذ مايريد أو لم يَعُد بإمكانه أخذ مايريد.

المصدر: سوريتنا

اقرأ أيضاً:

شاهد إصداراتنا: