لا يحتاج الاستدلال على متاجرة معممي إيران بقضيتي القدس والأقصى لكبير عناء أو بحث لإثباتها.

بيد أن الاستدلال على ذلك من المنظور السياسي البحت ربما لم يعد كافياً سيما أن تعدد زوايا النظر للأحداث التي تمر بها منطقتنا اليوم قطعاً سيؤدي بالضرورة لاختلافات كبيرة في الحكم على عموم المشهد واجتزاء مخل بالصورة الكلية.

ولأن القناعات السياسية سيما عند تقدير المصالح والمفاسد وتنزيلها على الواقع والظروف المحيطة تكون عادة واسعة الأبواب كثيرة التشعب غزيرة التأويل متعددة القراءة وهو مايفتح أبواب الجدل والخلاف على مصراعيها.

ولعل خير مايحسم الجدل في أي قضية كبرى بصورة قطعية هو العودة للأصول والجذور التي تفرعت عنها تلك القضية فيما بعد.

وقد طفى مؤخراً جدل واسع حول تسمية المجرم قاسم سليماني ب (شهيد القدس)

سيما أن الرجل منذ عقدين يقود تنظيماً عسكرياً كبيراً سماه ( فيلق القدس) بالإضافة لتقديم دعم عسكري ومادي سخي لأصحاب قضية القدس والأقصى الحقيقيين في فلسطين.

وبالعودة لأهم المراجع الشيعية وكلام كبار أئمتهم حول مكانة المسجد الأقصى والقدس في أصول عقائد الشيعة سنجد مايلي:

1- يقول أحد كبار أئمتهم وأهم مرجعياتهم جعفر مرتضى العاملي في كتابه (المســجد الأقصى أيــن؟) : جــاء فيــه: «لقد تبــين لنا عــدة حقائق بخصوص المســجد الأقصى والذي يحســم الأمر أنه ليس الذي بفلســطين»!!

وأورد الكثير  من الأقوال والروايات التي تدلل على صحة تأويله لحادثة الإسراء، ليخلص للنتيجة التالية : (بأن المســجد الأقصى مســجد في الســماء!! وليس كما يعتقد عامة المسلمين بأنه في القدس )

وفي كتابه (الصحيح من سيرة النبي الأعظم) زعم العاملي  أيضاً : ( أنه حين دخل عمر بيت المقدس لم يكن هناك مســجد أصلاً، فضلاً عن أن يســمى أقصى ) وأضــاف «العاملي» أن: «المسـجد الأقصى الذي حصـل الإسراء إليه، والذي بارك االله حوله، هو في السماء»

وحينــما نقل الآراء في إفســاد اليهود مرتــين المذكور في ســورة الإسراء، 

وصــف عبــارة القائلين بأن المســجد الأقصى هو مســجد القــدس بأنها 

«مزاعــم»

2- وأما علامتهم الشهير والمرجع الأهم بالنسبة للشيعة وهو المعتمد لديهم في نقل وتصويب الرويات عن أئمة أهل البيت الملقب بـ ( المجلسي) فينقل في كتابه الشهير (بحار الأنوار) مانصه : عن أبي عبداالله عليه السلام قال: سـألته عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ فقال : 

ذلك في السماء إليه أسري برسول االله ، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس ، فقال : مسجد الكوفة أفضل منه»!!

وسأكتفي بهذين النقلين عن أهم مراجعهم ومن رغب بالاستزادة فليرجع

إلى تفاسـيرهم وبقية مراجعهم وكلام أئمتهم سيجدها ذاخرة بنكران مكانة وقدسية المسجد الأقصى في المعتقد الشيعي .

قد بات واضحاً أن متاجرة معممي إيران بقضيتي القدس والأقصى هو محض توظيف سياسي رخيص وخديعة كبرى يتم استثمارها لكونها القضية المركزية الأولى في وجدان العرب عموماً والمسلمين خصوصاً ، ولكونها الطريقة الأنجع لتجنيد عشرات ألوف الشيعة العرب وجعلم الأذرع الضاربة لإيران و استخدام أشلائهم وقوداً مستداماً لتحقيق طموحات معممي إيران التوسعية وأحلام الإمبراطورية الفارسية في منطقتنا وعلى أكوام جثثنا وجماجمنا .

حتى العداوة المزعومة للكيان الصهيوني ليست عائدة في حقيقتها لأصول عقدية إنما هي محض صراع لبسط النفوذ لا أكثر

بيان هذه الحقائق له أهمية فائقة اليوم في كشف حجم الجريمة والتدليس الذي يمارَس من خلال مصالح ضيقة للبعض حيث يستفيد من دعم إيران في قضية محدودة ويجاملها على حساب قضية كبرى و مخاطر عظمى تستثمرها إيران بقوة في تمرير مشاريعها وتحقيق طموحاتها  واستمرار عبثيتها المدمرة في عموم منطقتنا ، و في النهاية ما تستفيده إيران من هذه المجاملات المصلحية هو أضعاف أضعاف ما يستفيده المجاملون ، وما تخسره قضية المسجد الأقصى على المدى البعيد هو أضعاف أضعاف ما يكسبه المجاملون في المدى المنظور.