الجمعة 10 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.92 ليرة تركية / يورو
40.78 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.62 ليرة تركية / الريال السعودي
32.35 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.92
جنيه إسترليني 40.78
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.62
دولار أمريكي 32.35

بين الشيخ حكمت الهجري وسلطان باشا الأطرش

16 سبتمبر 2023، 04:04 م
بين الشيخ حكمت الهجري وسلطان باشا الأطرش

عمر قدور

كاتب وروائي سوري

16 سبتمبر 2023 . الساعة 04:04 م

طغى إعلان الشيخ حكمت الهجري "الجهاد" ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا على ما عداه مما ورد في كلمته، وكان محتجون غاضبون قد اتجهوا إلى دارة الشيخ بعدما تعرّضوا لإطلاق النار من مسلّحين متحصنين في مقر فرع حزب البعث في مدينة السويداء. والسياق الغاضب الذي أتى من ضمنه كلام الشيخ ربما جعله يفصح عن قناعاته أكثر من المعتاد، لكن مع الانتباه جيداً إلى تماسك خطابه المرتَجَل، وإلى العديد من الرسائل التي يجدر التوقف عندها.

وصفَ الهجري حزب البعث بالبائد، ما يعني الموافقة على استئذان أحد الحاضرين العمل على إنهاء وجود الحزب. وبقدر ما كان واضحاً في الإصرار على سلمية الحراك كان واضحاً في أن الطلقة الأولى لن تصدر عن المتظاهرين السلميين، مع التأكيد على أن الطلقة المقابلة لتلك جاهزة للرد. وتحدث عن وفد السلطة الذي كان قد زار المحافظة قبل يومين، ليستبعد عنه النوايا الطيبة كما توهِم بذلك أبواق صريحة أو غير صريحة للسلطة روّجت لكون الوفد أتى ليستمع إلى المَطالب فقط، ليحمّله الهجري بشكل شبه مباشر مسؤولية التصعيد.

فضلاً عن التفاصيل التي تجزم بإعلان القطع مع السلطة، بل القطع معها بأثر رجعي إذ قال عن عقودها السابقة "لنا ثأر قهر أهلنا"، هناك رسالتان رافقتا حديث الشيخ الهجري عن الاحتلال الإيراني؛ الأولى مخاطبة مستمعيه بأنهم يعرفون الفكر الخبيث "التخريبي" الذي تحمله ميليشيات الإيراني، والثانية أن هذا الفكر ليس علمانياً ولا إنسانياً "بمعنى الانفتاح على الإنسانية". بذلك يشير الشيخ إلى جانب يراه خطيراً، هو التبشير الشيعي المحمول على الاحتلال الإيراني، ومن المعلوم أن محاولات التشييع "المأجورة أحياناً" في مختلف مناطق سوريا سبقت عام 2011، وكانت بعلم ورضى الأسد. لكنها ازدادت شراسة وتمويلاً وتسليحاً بعد عام 2011، واستهدفت لأول مرة الشباب المنحدر من المذهب الدرزي في مناطق محيط دمشق.

غير أن الشيخ الهجري يعود إلى التأكيد على علمانية الدروز وإيمانهم بأن "الدين لله والوطن للجميع"، والمرة الثانية في سياق يبدو موجَّهاً إلى بقية السوريين. وسيكون من ضيق التفسير فهم كلامه على محمل منافسة السلطة التي تدّعي العلمانية، فمن الواضح أنه لا يصدّق مزاعمها جملة وتفصيلاً. الاستنتاج المنطقي يتكفل لنا بالتفسير على قاعدة أن مَن يرفض التبشير الشيعي يرفض نظيره السًنّي، وهذا موجَّه إلى الطامحين إلى حكم إسلامي، حيث بخلاف تطلعات هؤلاء الإسلاميين الجدد لم يشهد عهد الاستقلال حملات تبشير سُنية.

حدث إطلاقُ النار يوم الأربعاء الفائت، وأصدر ائتلاف المعارضة السورية بياناً حول استهداف المتظاهرين يوم الجمعة، بلا ذكر لخطاب الشيخ. وكان حريّاً بالائتلاف، لو أنه يمثّل معارضة وطنية حقاً، أن يرحّب بكلمة الشيخ الهجري التي حملت العديد من المعاني والإشارات الوطنية. إلا أن الكتل المسيطرة في الائتلاف، المقرَّبة من الإسلاميين والتي كانت قد فرضت مرشّحها لرئاسته "بالصرماية" حسبما سُرِّب وصار معروفاً على نطاق واسع، هذه الكتل لا تملك الحدّ الأدنى من الكفاءة والاستقلالية السياسية كي ترحّب بخطاب الشيخ ولو على سبيل التربّح منه أو التلطّي خلفه.

أما المجلس الإسلامي السوري "المعارض" فقد أصدر بداية الشهر بياناً "بشأن تصاعد زخم الحراك الثوري في سوريا"، ثمّن فيه الأصوات التي ترتفع عالياً في الساحات، مع ذكر السويداء من دون أن يُفرد لها حيزاً خاصاً. البيان يشير في بنده الأول إلى أن الثورة هي "على النظام المستبد ثم على التنظيمات الانفصالية كقسد وغيرها من ميليشيات الاحتلال الإيراني". ليقرر في البند الثاني أن "أبناء الثورة السورية ينضوون جميعاً تحت علم واحد يجمعهم، هو علم الاستقلال"! وكأن أصحاب البيان يستكثرون على أهل السويداء رفع رايتهم الخاصة، أو كأنهم في موقع مَن يحدد ما هي الثورة وأولوياتها ومواصفاتها.

لسنا في سياق التطرق إلى إسفاف مؤسسات المعارضة على العموم، وإنما فقط في سياق المقارنة مع خطاب وطني صدر عن مشيخة السويداء، كصدى للشارع المنتفض فيها. وهو خطاب، مع استعادته روح آذار 2011، يسترجع أجواء الوطنية السورية الناهضة قبل قرن من الآن، والتي كان للدروز فيها دور طليعي بقيادة سلطان باشا الأطرش، وبتلك الأجواء اقترنت عبارة "الدين لله والوطن للجميع"، ليسترجع حمولتها الشيخُ الهجري اليوم. في مقارنة أخرى، تذكّر شعبية الهجري بناءً على موقفه وخطابه بغياب لأية شخصية في هيئات المعارضة تحظى بالاحترام لدى مَن يُفترض أنها تمثّلهم، وكذلك هو حال مشايخ المعارضة الذين لم يبرز منهم واحد يحظى باحترام خارج الحلقة الضيقة من المريدين.

بالتأكيد، لا نذهب إلى القول أن الشيخ الهجري يسعى إلى مثال سلطان باشا الأطرش بشخصه، أو أنه صاحب طموح سياسي. لكن الضرورة السورية ربما كانت تطرح للبحث هذا الاحتمال، لولا أحوال المعارضة الرديئة، والمتشبّثة بمواقعها ورداءتها معاً. ذلك يُضاف إلى تعقيدات الانقسام السوري الذي لم يكن على هذا النحو قبل قرن، لا على صعيد المسألة الطائفية ولا المسألة الكردية. كما أن قتال الفرنسيين، وأي استعمار ديموقراطي في بلده، يختلف عن مواجهة احتلالَيْن لا يحسب كلّ منهما حساباً لشعبه.

ليس جديداً أن تساهم المواقف في صناعة الكاريزما، وهذا من أسباب بروز شخصية الشيخ الهجري فضلاً عن ملَكاته الشخصية. وتشاء الظروف أن يتقدّم في وقت لا تقدّم فيه السلطة والمعارضة سوى المزيد من الركاكة، وهذا أيضاً مطابق لتقدّم السويداء وسط انكفاء سوري عام. وإذا كانت المؤازرة مأمولة من مناطق أخرى خاضعة للأسد فإن عدوى الثورة لا تكون فحسب بالتضامن الذي أبداه متظاهرون في المناطق الخارجة عن سيطرته، بل أصبحت تتطلب ثورة لانتشال اسم المعارضة وقرارها من أولئك الضعفاء الذين لا يفعلون سوى إصدار بيانات تتسوّل دعم العالم، ويتملّقون على نحو مخزٍ رعاتهم ومموليهم، ثم يضعون اشتراطات ويستقوون على السوريين.

تجدر الإشارة إلى أن الشيخ حمود الحنّاوي قدّم في اليوم التالي على خطاب الهجري خطاباً لا يقلّ جذرية، وتجاه الأسد شخصياً. إدراكاً من الأخير لأهمية الشيخين، وفي ما يتجاوز موقعهما المذهبي، راحت أبواقه تروّج لسيناريو قيام مسلحين محسوبين على الحراك بقتل مشايخ محسوبين على المتظاهرين من أجل تأليب الشارع على السلطة، وهو استعادة لسيناريو 2011 عندما اتُهمت الجماعات الإرهابية بقتل المتظاهرين. إلا أننا لا نستبعد، بناء على سوابق لها، أن تقتل السلطة يهوذا أولاً لتقسم الشارع ولتصلب المسيح بتهمة قتله.

اقرأ أيضاً:

واشنطن تعدل اسم سفارتها بـ"دمشق" إلى سفارتها بـ"سوريا".. ماذا يعني ذلك؟

شاهد إصداراتنا: