الأحد 07 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

لماذا لا يتكلم بشار الأسد؟

19 سبتمبر 2023، 03:58 م
لماذا لا يتكلم بشار الأسد؟

عمر قدور

كاتب وروائي سوري

19 سبتمبر 2023 . الساعة 03:58 م

يعبّر سوريون، بين السخرية والجد، عن أن أفضل ما فعله ويفعله الأسد هو عدم التواري وعدم الإدلاء بأي تصريح بعد اندلاع انتفاضة السويداء، بما أن آخر حديث له كان الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات. بينما يتمنى سوريون آخرون، على سبيل السخرية فقط، أن يظهر الأسد بتصريحات جديدة كي تتسبب أقواله في تمدد الانتفاضة ضده إلى مناطق سورية أخرى. لكن، خارج السخرية والهزل، يبقى السؤال قائماً حقاً عن غياب الأسد، والحديث عن مدة شهر تقريباً من مظاهرات السويداء التي تطالب بتنحّيه أو تنحيته.

نضطر، رغم عدم جواز المقارنة، إلى القول أن أي رئيس يمثّل شعبه بموجب انتخابات ديموقراطية، أو يزعم تمثيله، سيكون مضطراً في مثل هذه الحالة إلى الظهور. الزعمُ بأن المتظاهرين أقلية لا يغيّر في ذلك، طالما يدّعي أنه رئيس الجميع، وحتى إذا تخلّى عن هذا الزعم يبقى مطالباً بالتحدث إلى مواليه، ليضع أمامهم الخطوط العامة لما يعرفه بحكم المنصب الذي يحتله عن "المؤامرة" التي تُحاك لإسقاطه.

والدافع الأخير يزداد إلحاحاً مع الأقاويل التي يروّجها أشخاص محسوبون على سلطته، فقد قيل مثلاً أن الدروز يريدون اقتطاع السويداء من سوريا، وأنهم عملاء لإسرائيل، بل قيل أن المتظاهرين يقبضون أجورهم بالشيكل الإسرائيلي. وفي الوقائع هناك زعيم روحي أعلن الجهاد ضد الحليف الأساسي للأسد، أي أن هذا الشيخ أفتى في شأن "سيادي"، والمتظاهرون قرروا اجتثاث البعث من محافظتهم، وهو الحزب الذي ادّعى الأسد أنه حمله إلى السلطة نافياً فضل أبيه في التوريث. والقائمة تطول، إذا كان الأسد يعتبر صوره وصور أبيه الممزقة المُهانة في السويداء رموزاً حكومية، لتُضاف إليها أخيراً حملة شبيحته على الشيخ الهجري لأنه ردّ على اتصال من السيناتور الأمريكي فرينش هيل، مع ترويجهم وجود تنسيق لإعلان السويداء منطقة حظر جوي!

والحديث عن موالي الأسد لا يقتصر على الذين هم خارج السويداء، إذ من المتوقع ألا يكون موالوه فيها قد انقلبوا جميعاً إلى المعارضة بين ليلة وأخرى. وتأخّرُ "أو عدم" ظهوره فيه رسالة من المحتمل جداً أن تدفع الكثيرين منهم إلى الانفضاض عنه، فهذا على الأقل يُضعف حججهم أمام المنتفضين الذين لا يظهر في جهة السلطة ذلك الذي يحتكرها كي يخاطبهم، ويردّ على مطالبهم، أو يحاجج فيها. لعل هذا يشير إلى أول دلالات غياب الأسد خلال الأسابيع الأربعة المنقضية، فهو لا يريد الخروج لتوجيه رسالة سياسية من أي نوع كان، وتحديداً لا يريد الاشتباك مع مطالب المنتفضين على أي نحو.

ليست المسألة في تبسيط شعبوي يستخدمه الشبيحة، مفاده أن رفع شعار إسقاط الأسد يعني سدّ باب الحوار من قبَل المنتفضين. إذ من المعلوم أن الأخيرين يرفعون السقف الأعلى لمطالبهم، أو يتدرجون في رفعه، ويصرّون عليه فقط عندما لا يكون أمامهم بديل مقنع سواه. إن القاعدة المعروفة في العالم أجمع هي أن الثائرين على وضع ما يطلبون المستحيل، كي يحظوا مع غيرهم بالممكن المتقدِّم على أوضاعهم السابقة. وحدهم الأسديون يطالبون المتظاهرين بتقديم مطالب على القياس الذي يُفترض بالسلطة تقديمه، مع علمهم بأن هؤلاء المحتجين حُرموا خلال عقود من التنظيم السياسي ومن معرفة شؤونهم العامة المحتكَرة من قبل السلطة. وحدهم الأسديون يلقون باللائمة على المتظاهرين، كي يعفوا الأسد من مسؤوليته عن الظهور وتقديم الممكن مقابل "مستحيل" المنتفضين. لقد فعل بعضهم ذلك أيضاً في عام 2011، حين كانت الفرصة ما تزال موجودة كي يتراجع الأسد عن قتل المتظاهرين والمبادرة إلى طرح سياسي حقيقي.

بعبارة أخرى، يروَّج تعنيفُ المنتفضين، باتهامهم بعدم طرح مطالب سياسية ممكنة التحقيق، لتبرير غياب الأسد وامتناعه عن طرح "تنازلات" سياسية. ذلك يستتبع تلقائياً أمرين، تمهيد تلك الأبواق لما يُسمّى "الحل الأمني"، مع تحميل المنتفضين مسؤوليته لأنهم لم يكونوا واقعيين بل طالبوا بـ"المستحيل". ثم يأتي الأسد بحلّه الأمني بعد أن تم التمهيد له على أكمل وجه، وبذريعة أنه تم استنزاف الحلول الأخرى، مع أنه لم يجرّب أيّاً منها.

لم يظهر الأسد لأنه لا يريد تقديم أي شيء في السياسة، ولأن لحظة إعلانه الحرب لم تحِن بعد. وتقضي الواقعية التنويه بأن استبعاده تلك اللحظة لن يكون إلا خارجياً، سواءً بضغط من حماته أو بضغط حازم من سواهم. ويجدر التذكير بأن استخدام العنف ضد المنتفضين في عام 2011 لم يكن طوال الوقت على الموجة ذاتها، فهناك مناطق أُعطي اقتحامها أولوية على أخرى حوصرت لشهور أو أكثر من دون استخدام بارز للعنف، أي مع الاكتفاء بجريمة الحصار والتجويع كنوع من القتل الجماعي لا يقلّ فظاعة عن قصف المناطق المأهولة.

في السياق، يندرج هذا التواري ضمن سياسة قديمة مديدة من احتقار السوريين، وعدم النظر إليهم كأنداد ينبغي مخاطبتهم أولاً، ومشاركتهم تالياً. بل إن نهج التجاهل والاحتقار كان يلقى الحفاوة لدى شريحة واسعة من موالي الأسد، دأب أفرادها على التباهي به إلى أن انكشف كونه احتقاراً غير محدود بفئة دون أخرى، وغير محدود بعتبة تحفظ للموالي بعضاً من كرامته. في الأسابيع الأخيرة، وبينما تجاهلَ السويداء، لم يخاطب الأسد أولئك الذين تحمّلوا ما لم يعد يطيقه المنتفضون ليستميلهم ولو نفاقاً، فكان تعزيز قبضة المخابرات من نصيب أولئك "الصابرين".

لم يُبدِ الأسد يوماً الأسف على خياراته، وفي العديد من المرات تأسّف فقط على أنه تأخر في اعتماد العنف. فحسب كل ما هو رائج، ووفق معظم الاحتمالات، يستطيع الخروج ليقول أنه انتصر طالما أنه موجود في السلطة. لا يهم أن يكون موجوداً وغائباً، كما هو حاله خلال شهر مضى. فهو ضمن ما هو عليه يكسب أيضاً تلك الأصوات المحذِّرة من استثارة غضب الأسد، بما أنه منتصر ما بقي ولو على جثث وخراب، وبما أن نسبة كبرى من قرار تنحيته ليست في أيدي السوريين. ومثلما تصعب مجادلة الأسد في فهمه لانتصاره، تصعب مجادلة هؤلاء في أحقية الثورة عليه. 

يُسفر منتفضو السويداء، نساءً ورجالاً، عن وجوههم ومطالبهم بينما يتوارى الأسد؛ هذه هي القسمة بين ممارسة السياسة وانعدامها، ولا يسعنا لأجلهم سوى أن نتمنى بقاء السؤال عن غيابه من دون الإجابة المعهودة.

اقرأ أيضاً:

شاهد إصداراتنا: