الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

إلى قنّاص بين قوات قسد والنظام على نهر الفرات!

07 أكتوبر 2023، 08:34 م
إلى قنّاص بين قوات قسد والنظام على نهر الفرات!
07 أكتوبر 2023 . الساعة 08:34 م

قوات قسد أجبرتني على الخروج من بيتي ووضعت قناصاً على سطحه، ليقنص كل من يريد عبور نهر الفرات من الضفة الأخرى، يخبرني خالي.

وفي الجهة الأخرى أجبرتْ قوات النظام أهلي، ومنهم والدتي ذات المئة عام على الخروج من المنزل ووضعت قناصاً على سطحه، يتبادل الرصاص مع القناص الآخر في النهار وفي "أنصاص الليالي".

هل نحن في بيروت السبعينيات والثمانينيات؟ وما الهدف الذي يختلف عليه الطرفان اليوم: جيش النظام والميليشيات الإيرانية من جهة وقسد من جهة أخرى، يتفقان على التخلص من السوريين ويختلفان على الثروات؟

حين قرر والدي أن يبني بيتنا هذا على نهر الفرات في السبعينيات من القرن المنصرم كان قد اجتمع بنا اجتماعاً عائلياً عاجلاً، أخبرنا أنه لكي يحمي أرضه التي ورثها عن جده لا بد أن نسكن فيها، بدؤوا ببناء جسر مدينة الميادين، وإن لم نكن هناك سيحفرون أرضنا بحجة البحث عن البحص والرمل، وتتحول إلى مقالع، غير صالحة للزراعة، وكي يشحذ لدينا شعور الملكية، أخرج سند التمليك العثماني الذي ينص باسم جده، ويحدها من الجهات الأربع نهر الفرات، كانت أقرب لجزيرة، فغاض النهر وغدت حدودها الثلاثة برية، وبقي النهر يحدها من جهة الشمال.

كان ترك بيتنا في القرية أشبه باقتطاع الروح بالنسبة لنا نحن الأطفال، إذ تغدو المسافة أبعد ورفاق الصبا وألعاب أول الليل باتت عزيزة، لكن لم يكن لدينا مجال للبقاء أطفالاً!

أولاً بأول؛ بتنا نتآلف مع ذلك البيت الذي لا يوجد فيه كهرباء، في الوقت الذي وصلت الكهرباء إلى القرية ووعدنا بأن يتابع "نضاله" لتوصيل الكهرباء إلى البيت حيث إن أقرب بيت وصلته الكهرباء، على مسافة 1500 متر، وكان لأبي ذلك، لكن بعد عشر سنوات من النضال في سبيل الكهرباء، وهكذا رحلت طفولتي دون كهرباء، وكنا نمشي أكثر من ساعتين يومياً ذهاباً وإياباً للوصول إلى المدرسة في طرق غير معبدة، تتحول إلى طرق طينية إن نزل المطر!

كان منظر الشاحنات والرافعات والسيارات الكبيرة والخبراء الروس آنئذ والمهندسون من مختلف المحافظات يكفل لنا تسلية من لون آخر، ونوعاً من الفخر على أبناء عمنا ممن يسكنون القرية، بل إننا صرنا مقصد زياراتهم لرؤية هذه الآلات الكبيرة وأولئك الرجال البيض والنساء الشقراوات من الخبراء، حيث لم نر سيارة من قبل سوى سيارة الأجرة وثلاث سيارات في منطقة الميادين اشتراها طبيب وثلاثة تجار، إضافة إلى أربع سيارات أجرة، إن لم تخني الذاكرة.

كان بناء الجسر مشهداً ننتظر تحولاته كل يوم وكيف تم سدّ قسم من النهر حيث وضعت الأحجار الكبيرة ومن ثم تم غرز العضادات في قلب النهر الجبار الذي يرتبط بذاكرة أهلنا بالخوف والقوة والعنفوان والخوف من فيضانه، كنا نتلهف إلى مرحلة يغدو الجسر فيه معبراً للأغنام والأبقار والبشر والدراجات والحياة بين الأقارب، فشكلت بدايته نقلة اقتصادية في المنطقة لم يوازها بالأثر إلا اكتشاف النفط في حقل العمر بعد نحو عقد من الزمان.

وكنا نحن جيران الجسر من أوائل من عبره من جهة مدينة الميادين من الضفة اليمنى إلى اليسرى حيث الأقارب في الحوايج والرغيب وذيبان والشحيل للاطمئنان على أخوالي وأختي وأولادهم. لا أنسى تلك الليلة، قبل إتمام بنائه مئة بالمئة، حين سمح لنا الحارس على مدخله بالعبور، رغم وجود فتحات بين أجزائه أقل من نصف متر، حيث خالطها خوف من الوقوع في النهر من خلال تلك الفتحة، وشوق إلى الأقارب وفرحة برؤيتهم، وشعور بالتميز بين الأقران.

ولم يمنع تركنا لبيت القرية ومجيئنا للسكن في منتصف أرضنا شركات الدولة (كما كانت تسمى) من حفر الأرض والتصرف كما تشاء، وحين حاول والدي اعتراضهم جاءت دورية شرطة ومخابرات لتحذره تحذيراً واضحاً: سنستولي على كل أرضك إن اعترضت المرة القادمة وسنجعل بيتك مجبلاً للإسمنت!

تعلم والدي الدرس مبكراً، فأخذ يساير المهندسين والعمال كي لا يستغلوا سلطاتهم غير المحدودة ويخففوا من الأذى عن أرضنا!

وكتعويض عن فقدي للسهر مع رفاق الطفولة واللعب معهم، حفرتُ اسمي ورسمت قلب حب على أحد جدرانه الإسمنتية، مستغلاً غفلة العمال عني وطراوة الإسمنت، مساء. وحين زرت المنطقة العام الماضي بعد عقد من الزمان وقد تهدم جسر مدينة الميادين نتيجة قصف النظام له بحجة محاربة داعش كان أول ما ذهبت لتفقده هو اسمي وهل لا يزال هناك محفوراً أم أن الزمن لعب لعبته فيه، وكان بحثي ذلك يشبه بحث امرئ القيس عن أطلال أكلها الزمان!

حين تنتهي الحرب يتصالح القادة، وينشغل الناس بتجبير كسورهم وجروحهم، تقول تجربة رجل مسن. وحين فتحت الجبهات بين قسد والنظام كان أغلب الضحايا هم من الناس الذين لا حول لهم ولا قوة، ويستمر السؤال: ما الذي يجعل قسد تفتح جبهة طولها 200 كم، تعجز عن إدارتها دول!

يرابط القناصون اليوم بمسافات متباعدة بين الضفتين، ويذهب أصحاب البيوت من الضفة اليسرى إلى بيوتهم ليلاً لتفقدها وإطعام أبقارهم والنوم في منازلهم، ثم يعودون قبل الفجر، حيث لا يكتشفهم القناص، وخشية أن يتم اعتقالهم، و(حجة داعش جاهزة عند قسد مثل حجة الإرهاب عند النظام) وفي طريق ذهابهم وعودتهم يقومون ببعض المناوشات، يبيت معظمهم عند أولاد عمهم في الضفة اليمنى. ولمن لا يعرف جغرافية المنطقة فإن أغلب من يسكنون الضفة اليمنى يسكن أقاربهم في الضفة اليسرى وينطبق ذلك على (البكير والبوكامل والظاهر والبوحسن والقرعان) وصولاً إلى الحدود العراقية، بل إن القرى لا تسمى شعبياً بأسمائها الرسمية بل بأسماء العشائر التي تسكنها فيقول الشخص: أين تذهب يجيبه إلى القرعان ويقصد مدينة القورية أو إلى البوحسن ويقصد العشارة مثلاً، وقد يتبعه بسؤال: قرعان الشامية أم قرعان الجزيرة؟ ويقصد الضفة اليمنى بالشامية نسبة للشام والضفة اليسرى حين يقول الجزيرة!

يتساءل أحدهم: أين ذهب الشيخ إبراهيم وما مصير مفاوضات الشيخ مصعب في أربيل مع قيادة التحالف حيث سافر من دولة قطر ثم عاد؟ وهل لا يزال الشيخ إبراهيم عند أولاد عمه الهامة في محكان أم أنه في دير الزور أم أنه في أبو حمام؟ يبقى السؤال معلقاً! والإجابة كذلك!

ليس الهدف من هذا السؤال تحري المكان، فمن المعلوم أنه اختفى حين علم بأن إنزالاً أميركياً على وشك الحدوث لاختطافه، وبغض النظر عن دقة هذه السردية من عدمها السؤال الآن: وما مصير ذلك الحراك العسكري ولماذا لم يكن مدنياً وهل تستطيع عين الكلاشينكوف أن تقاوم مخرز الدبابة الأميركية أو المُسيَّرة أو الطائرة؟ خاصة أن الجميع يدرك أن المدنيين سيكونون وقود خلافات وإثبات أمر واقع بين الأميركيين والميليشيات الإيرانية على الضفتين ويعلم الجميع أن قسد لا تتحرك على هذا المستوى إلا بإشراف أميركي!

يخبرني صديق طفولة بأن صاروخاً تائهاً قد قتل عدداً كبيراً من عائلة واحدة قبل أيام على مسافة نحو 500 متر من بيتنا: من أطلقه ومتى وكيف، لا أحد يعرف، ما هو مؤكد أن الكل مستفيد من أوضاع غير مستقرة والكل يريد أن يشد عضده بالعسكرة كي تكون خياراً للنهايات!

يقول خالي: القناص يرصد كل متحرك ويطلق عليه النار، أخبرتُ أختي (يقصد والدتي) ألا تتحرك في الضفة الأخرى! إن حدث لها شيء سأفجِّر نفسي بالقناص!

أرسلتُ للقناص رسالة عبر خالي، أقول فيها: حين يرى منظارك سيدة مسنة احدودب ظهرها، تمشي حول البيت فاعلم أنها أمي، تتفقد دجاجاتها وبقرتها، اعلم أيها القناص أنها لا تحضِّر لعملية ضدك، وأن سلاحها الوحيد الذي حملته عبر مئة سنة هو الصبر والحب! والقناص لا يقرأ، ولا يعلق، لديه أبجدية أخرى، كيف سيميّز القناص بين أصحاب البيوت المدنيين والعسكر؟ وهل يهمه أن يميز أم أن المهم لديه أن يقنص الضحايا!

لم تنقطع علاقة قسد بالنظام بل إن مربعاته الأمنية في كل من الحسكة والقامشلي تحرسها قسد، فكيف يحدث ذلك على نهر الفرات؟ وما أثر الأيادي الإيرانية في مثل هذا التحريك في ضوء اللعب على عناصر محددة من مثل علاقة العرب بالكرد وكذلك سرقة حقول النفط، كيف سنميز بين ثائر يهدف إلى استعادة حقه وآخر ضحية لألعاب الإيرانيين والنظام؟

يجيب القناص، خالي بعد أن يدخن سيجارته: أنا يا عم لدي أوامر أن أضرب كل متحرك في الجهة الأخرى، على مرمى منظاري، فكل متحرك قد أكون أنا هدفه، ومثلما تخاف على روح أختك هناك، أنا أخاف على روحي، ليست مهنتي القتل، لكنني عسكري والعسكري باع نفسه للسلاح، فقتل الخصوم هناك، جزء من وجودي، وراتبي لا أحصل عليه إلا إن كان قلبي قد قُدَّ من قسوة!

تقول الأنباء الواردة من هناك أن أحداً ما قد غافل القناص ليلاً وقتله، وأنهم على أهبة جلب قناص آخر ليقف هناك على سطح بيت خالي، محمياً بأكياس من الرمل ليراقب تحركات أمي على الضفة الأخرى، وهي تتفقد تفاصيل أرض عاشت فيها مئة عام ونيف ولا تعرف حتى اللحظة لماذا يتصارع أولئك المجانين وعلى ماذا يتصارعون؟

أمي تقول للقناص الجديد قبل أن يصل: أنا أمك يا بنيّي، إنْ كان استمرار عملك كقناص يتوقف على أن تسدّد الرصاص إلى سنواتي المئة فافعلها، لا بدّ للأمهات أن يضحين كي تستمر أحلام الأولاد بالتحقق، إنْ أصبتَ رأسي فهذا يعني أنك قناص متميز، تعلمتَ جيداً، سأموت وأنا سعيدة يا بنيّي لأنك ستنال مكافأة وقد يرقّونك، وهل أكبر من فرحتي كـ أم بترقيتك، لا تخف يا بنيّي، فالعمر بعد المئة كما هو قبلها لا ينفع إنْ تدمرت البلاد وبات القنص مهنة للمقبلين على الحياة!

المصدر: تلفزيون سوريا

اقرأ أيضاً:
مقتلة في الكلية الحربية بحمص.. 66 قتيلاً والعدد بازدياد
شاهد إصداراتنا: