الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

ما الرابط بين هجوم حمص وتفجير أنقرة؟

08 أكتوبر 2023، 02:09 م
ما الرابط بين هجوم حمص وتفجير أنقرة؟

عمر قدور

كاتب وروائي سوري

08 أكتوبر 2023 . الساعة 02:09 م

استهدف هجوم انتحاري وزارة الداخلية التركية في أنقرة يوم الأحد الفائت، ثم استهدفت طائرات مسيَّرة الكلية الحربية في حمص، فكانت نهاية دموية لحفل تخرّج ضباط جدد يوم الخميس. الربط بين الانفجارين ستتولاه بسرعة القوات التركية وقوات الأسد، فيوم الخميس كانت قوات الأسد تقصف إدلب وأريافها وبعض قرى وبلدات ريف حلب، بينما كانت المسيّرات التركية تستهدف عشرات المواقع تحت سيطرة قسد التي تعتبرها ذراعاً لحزب العمال الكردستاني المتهم بتدبير هجوم أنقرة. أي أن الردّ على الهجومين أتى في الأراضي السورية، قبل أن تثبت السلطات التركية صلة مباشرة بين قسد وهجوم أنقرة، ومن دون أن يقدّم الأسد أي دليل على أن المسيّرات انطلقت من الأماكن التي راحت قواته تقصفها، وهو كما نعلم لم يقدّم يوماً أي دليل على أية مزاعم. 

لا نذهب بما سبق إلى المساواة بين الرواية التركية عن التفجير في أنقرة ورواية الأسد عن هجوم حمص، إذ يبدو بديهياً أن تُقابل روايات الثاني بالتكذيب، أما في الحرب بين أنقرة وحزب العمال فقد تبرّعت الرؤوس الحامية في الثاني بخدمة الدعاوى التركية المتعلقة بوصم الحزب بالإرهاب. بل لطالما وجّه أكراد اتهامات فحواها أن الحزب مختَرق بالمخابرات التركية، وكذلك بعض كوادره العاملة مع قسد، وقامت هذه الظنون على عمليات نفّذها الحزب وخدمت سياسات أنقرة على حساب الأكراد. على سبيل المثال، تسهّل العملية الجديدة على الحكومة الحصول على تفويض جديد من البرلمان لتمديد مهام القوات التركية في العراق وسورياً، مع التذكير بأن التفويض السابق ينتهي في الخامس والعشرين من هذا الشهر. 

التهديدات التركية الموجّهة إلى حزب العمال وقسد ليست بالجديدة، ويتم تأكيدها إثر كل عملية من هذا النوع، مع هامش من المناورة يبرر ردّ فعل أنقرة إذا قامت بعملية برية أو إذا اكتفت بالقصف من بعيد. أما في جهة الأسد، فمن الواضح أن الإسراع في استغلال هجوم حمص يشي بما هو مدبَّر سلفاً، وذلك يتعدّى عمليات القصف الفورية في إدلب وغيرها إلى إعلان الحداد لثلاثة أيام، ورافق التضخيم الإعلامي نشاط موالٍ على صفحات التواصل الاجتماعي، وكأن ثمة إعداد لعمل "عسكري بالطبع" يفوق العمليات المعتادة.

واختيار هدف الكلية الحربية في حمص له إرث معنوي، إذ يذكّر بمجزرة مدرسة المدفعية في حلب صيف 1979، وفيها قتل تنظيم الطليعة المقاتلة عشرات طلاب الضباط المنحدرين من المذهب العلَوي. بموجب هذا الاستحضار، هناك ظن على نطاق واسع أن الأسد يريد شدّ قاعدة مؤيديه بين العلويين، ملوِّحاً لهم بالخطر السُني في وقت يصعب فيه تحشيدهم لجولة جديدة واسعة من القتال من دون تعبئة استثنائية. والتلويح بالتطرف السُني قد يستهدف أيضاً باقي الأقليات المتخوّفة منه، أو قسماً منها على الأقل يُستخدم مقابل القسم الآخر.

حدوث عمليتي أنقرة وحمص على التوالي، وردَّي الفعل على الساحة السورية، يوحيان بصفقة ما. ومن المعلوم أن التكهنات راجت في العديد من المناسبات السابقة حول صفقة تحصل بموجبها أنقرة على أراضٍ تسيطر عليها قسد حالياً، في منبج أو كوباني تحديداً، مقابل حصول الأسد على مواقع جديدة في إدلب. نقطة الضعف في فرضية هذه الصفقة بمفردها أنها لا تتطلب عملاً دعائياً ضخماً من نوع الهجوم على الكلية الحربية في حمص، والأسد لا يحتاج رصّ صفوف مؤيديه لمهاجمة أماكن سيطرة الجولاني، الأمر الذي يفتح على احتمالات أوسع لاستخدام العنف.
قد تكون هناك صفقة كتفصيل يحتاج تفاهماً مع أنقرة، وفيما عداه نحن لا نعلم أين سينفجر خزان العنف. فمنذ رفعه أسعار الوقود قبل أسابيع يعيش الأسد أسوأ أيامه داخلياً، وانتفاضة السويداء تعبير عمّا يجول في أذهان معظم الباقين تحت سلطته، وكان يمكن للاحتجاجات أن تتوسع لولا استنفار أجهزة المخابرات في الساحل وحلب وسواهما. 

في غضون الأسابيع ذاتها، فشلت محاولات تقسيم المجتمع في السويداء، فشيخ العقل يوسف الجربوع توارى، بعدما أعلن موالاته وانتقد المتظاهرين، لتبقى الساحة لخطاب الشيخين الهجري والحناوي المعارض. أيضاً فشلت محاولات تركيب زعامات دينية درزية من خارج السويداء، من صحنايا وجرمانا في ريف دمشق، وكذلك استجلاب دعم درزي من أنصار الأسد في لبنان، ليفشل أخيراً في حشد أي دعم باستغلالِ موالٍ من عائلة الأطرش تحت عباءة الإمارة التقليدية. 

أي أن الأسد لم يترك الانتفاضة بلا تدخل منه على أمل أن يشعر المحتجون باليأس، كما هو الظن الشائع، وإنما واظب على محاولة تقسيم المجتمع المستهدَف تمهيداً لنهجه المفضَّل. أما في الجوار، فقد انكفأ الأسد عن استخدام العنف ضد درعا بعدما باشر فيه لحظة تجدد الاحتجاجات، وهذا لا يبقي المدينة وريفها خارج لحظة الانتقام، خاصة مع الغزل البارز بين درعا والسويداء بخلاف ما حاول الأسد تعزيزه دائماً من فُرقة بين جبل حوران وسهله. 

وما يزيد في الخشية أن حسابات موالية على وسائل التواصل نشطت بسرعة بعد هجوم حمص، لتشنّ حملة على السويداء بزعم اصطفافها مع "الإرهابيين"، رغم أن المنتفضين فيها وقفوا مساءً دقيقة صمت حداداً على ضحايا حمص وإدلب التي استهدفها طيران الأسد. كأنما نشطت تلك الحسابات بإيعاز ليؤكد من يديرها على عدم وجود موقف وسطي بين الأسد والمعارضة، حيث يُفهم التأكيد كإنذار للسويداء كي يعود أبناؤها إلى بيت الطاعة أو يلاقوا مصير "الإرهابيين". 

بالطبع إذا كانت هناك نية لاستخدام العنف على نطاق واسع فهي لا تتطلب تعبئةً طائفية فحسب، وإنما ينبغي أن تكون مدعومة أصلاً بقرار من الحليفين الروسي والإيراني، بسبب الحاجة لطيران الأول، وبسبب الحاجة الملحّة لميليشيات الثاني. ولا نبالغ في القول أن "الفصائل المعارضة" والجهادية جاهزة لتسهيل هذا المخطط، فهي لم تنفِ مسؤوليتها عن استهداف الكلية الحربية، إذا لم تكن واحدة منها مسؤولة حقاً. ومن المتوقع بقاؤها على انعدام الحساسية تجاه ما يحدث بين تركيا وقسد، رغم أن ما تقبضه أنقرة هناك يكون ثمنه كارثة إنسانية على الجهتين.

في كل الأحوال، يوحي الزخم الذي تعاطى به الأسد مع هجوم حمص بوجود ما هو مدبَّر، والمصيبة أنه دائماً كذَّبَ أسوأ الظنون فقط بإتيانه بما هو أسوأ.

اقرأ أيضاً:

قرار من جامعة حلب الحرة بعد حملة القصف المكثفة على الشمال السوري

شاهد إصداراتنا: