الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

"القُبيسيَّات" .. بين دار الأرقم وجبل الصّفا (4)‏

14 يناير 2020، 12:15 ص
مجموعة من النساء القبيسيات في سوريا
مجموعة من النساء القبيسيات في سوريا

محمد خير موسى

كاتب وباحث فلسطيني

14 يناير 2020 . الساعة 12:15 ص

    • في دار الأرقم

هناك في البيوت المتناثرة في أحياء المدن كانت القبيسيّات يجتمعن بعد أن يصلن إليها ‏بسريّة وهدوء.‏

يستحضرن نموذج دار الأرقم التي كان يلتقي فيها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه ‏سرًّا في مكّة لتبليغهم الوحي وتعليمهم آي الكتاب المجيد.‏

وهذا الاستحضار كان يحقّق نتيجتين مهمّتين للجماعة؛ فقد كان عامل جذب لكثير ‏من الفتيات اللّواتي كنّ يشعرن بأنَّ هذه اللقاءات التي تحدث بعيدًا عن أعين "الدّولة" ‏تذكّرهنّ بالجيل الأوّل من الصحابة الكرام فيرين أنفسهنّ على دربهم وطريقتهم.‏

كما أنه كان يشكّل سببًا قويًّا لتثبيت الطّالبات وتعزيز انتمائهنّ للجماعة وهنّ ‏يستشعرن عظيم المسؤوليّة الملقاة على عاتقهنّ في إحياء الدّين وتجديد الدّعوة إليه.‏

وكانت تُمارَسُ في الحلقات المنزليّة طقوسٌ تعزّز هذه "السريّة" في نفوس الطّالبات، منها ‏منع التّصوير والتّسجيل، وكانت تُبرَّر الحساسية المفرطة من التّصوير والتّسجيل خشية ‏أن تتسرّب فتلحق ضررًا بالجماعة.‏

وبعد انتشار الهواتف المحمولة غدا إدخال هذه الهواتف إلى غرفة اللقاء من المحظورات، ‏فتوضع الهواتف خارج الغرفة في احترازٍ أمنيّ تمارسه عموم الجماعات والتّنظيمات السريّة ‏في لقاءاتِها.‏

ويتكرّر التذكيرُ دومًا من الآنسات المشرفات بمفهوم أمانة المجلس وخطر إفشاء ما يجري ‏ويدور في الحلقة من حوارات ونقاشات.‏

 •  "القَطْعَة" إجراءٌ احترازيّ تفرضُه السّريَّة

والقَطعَة هو المصطلح الذي تستخدمه الجماعة للدّلالة على توقّف سيرِ الحلقات ‏وإلغاء الدّروس.‏

وكان هذا الإيقاف يحدثُ عندَ وقوع حدثٍ أمنيّ أو سياسيّ يُخشى معه زيادة النّشاط ‏الأمنيّ، وهو إجراءٌ احترازيٌّ كي لا تدخل الجماعة في دائرة الاستهداف المباشر أو ‏الملاحقة.‏

فعلى سبيل المثال كانت تحدُثُ القَطعة كثيرًا في الثّمانينات من القرن الماضي إبّان ‏المواجهة بين نظام حافظ الأسد والإخوان المسلمين، وقد تستمرّ القَطعَة شهورًا وقد ‏تجاوز السّنة كما حدث عند وفاة حافظ الأسد إذ استمرّ التوقّف عن الحلقات ما يزيد ‏على سنة.‏

والمُخوَّل باتّخاذ قرار القَطعَة هو الآنسة منيرة ومعها مجلس الآنسات الكبيرات فقط، ولا ‏يحقّ لأيّة حلقةٍ في دمشق أو غيرها اتّخاذ قرار القطعة، وفي خارج سورية فالآنسة الكبيرة ‏في تلكم الدولة هي صاحبة القرار.‏

ويتمّ إبلاغ قرار القَطعَة غالبًا بطريق المشافهة حيث تكلّف إحدى الطّالبات بالمرور ‏على بيوت طالبات الحلقة وإبلاغهنّ أنّ هناك "قَطعَة" دون إبداء الأسباب، ويمنع ‏استخدام الهواتف الأرضيّة والمحمولة في التبليغ، ويترافق التّبليغ عن القَطعَة مع طلب ‏الدّعاء للجماعة بتفريج الكرب وطلب الالتزام بوِردٍ من الاستغفار على نية التفريج.‏

 •  هل هي "سريّة" حقًّا؟!‏

إنَّ الحديث عن "سريّة" القبيسيّات في ظلّ نظامٍ أمنيّ بامتياز كنظام الأسد هو من ‏النّكات المضحكة، فعدا عن كون السّمت العام والهويّة البصريّة المُعلنةِ والمعروفة للجميع ‏فإنَّ هذا النّظام الأخطبوطيّ أمنيًّا لا يمكن أن يقبل بنموّ جماعةٍ أو نشاطها بعيدًا عن ‏أنظاره.‏

وهنا لا بدّ من التّأكيد على أنَّ السّماح من النّظام السوريّ أو غيره لأيّة جماعة دعويّة ‏بالنّشاط والعمل لا يعني بالضّرورة رضاه عنها أو تحكّمه في مفاصِلها، بل يمكن أن ‏تكون هناك حسابات أخرى تدفع لهذا منها الموازنات الدّاخليّة بين الجماعات المختلفة ‏والموثوقيّة من عدم تشكيل خطر حقيقيّ على وجود النّظام.‏

وينبغي هنا ملاحظة أنّ دعم الجماعة من قبل العلماء والدّعاة الذين يمثّلون موضع ثقة ‏عند النّظام كان له دور بالغ الأثر في السّماح لهذه الجماعة بالعمل في المنازل بطريقةٍ ‏‏"سريّة".‏

وهنا يمكننا التّأكيد على أنَّ هذه السريّة هي سريّة تعيشُها الطّالبات والآنسات في ‏مخيلتهنّ وسلوكهنّ، كما أنّها سريّة تُمارَسُ على المجتمع المحيط، لكنّها لم تكن على ‏الإطلاق جماعةً سريّة على أجهزة النّظام المختلفة فهي في مدى نظرِه وتحت رقابته ‏الصّامتة.‏

ولذا فإنَّ وصف القبيسيّات بأنّهنّ "جماعة سريّة" هو وصف يجافي الحقيقة ويخالف ‏الواقع والمنطق، والأدقّ وصفًا لهنَّ أنّهنّ "جماعة مغلقة" أي تمارس صورة السريّة بهدف ‏تحقيق الانغلاق على الذّات يما يحفظ وجودها وكيانها لا بما يضمن سريّتها.‏

 •  إلى مساجد دمشق

استمرّت الدّروس في المنازل حتّى عام 2005م، وبعد حراكٍ على مستوى مؤسسات ‏النّظام قاده كلّ من د. محمّد سعيد رمضان البوطي لدى الأجهزة الأمنيّة ود. محمّد ‏حبش في مجلس الشّعب الذي كان عضوًا فيه يمكن القول بأنّ مرحلة الدّعوة العلنيّة قد ‏بدأت فعلًا.‏

فقد أكّد د. البوطي أنّه وبرفقة عدد من العلماء أبلغوا الأجهزة الأمنيّة بأنّ هذه ‏الجماعة عملها مستقيم ووطنيّ ليسَ فيه أيّة شائبة، وأكّدَ أنّهنّ لا علاقة لهنّ بالسياسة ‏على الإطلاق، وهذا يقتضي منحهنّ موافقات للتدريس في المساجد والعمل في العلن ‏وفي هذا أصلًا مصلحة النّظام نفسه قبل مصلحة الجماعة.‏

أمّا د. محمّد حبش فيقول في إحدى مقالاته الدّفاعيّة عن الجماعة: "وخلال خدمتي في ‏مجلس الشّعب تبّنيتُ مبدأ إخراج القُبيسيّات من الغموض إلى العلانية، وكان موقفي ‏يستند إلى قناعتي بأنّ المجموعة هي في الواقع مجموعة تعليميّة ناجحة لا تمتلك أيّ ‏برنامج سياسيّ، وأنّ ممارسة إرعابها ومحاصرتها قد يدفع كثيرًا من أبناء الجماعة ‏للتطرّف، وبالفعل فقد تمكّنت من الحصول على عددٍ من الرُّخص لشيخات قبيسيّات ‏لممارسة العمل العلنيّ في المساجد في سوريا، وكان ذلك بداية خروجهن إلى العلانية ‏منذ عام 2005" ‏

الملفت في تصريحات الشّيخين البوطي وحبش أنّه يوحي بأنَّ الانتقال من المنازل إلى ‏المساجد كان مطلب الجماعة، وهذا مخالفٌ للحقيقة التي تؤكّد بأنَّ الجماعة كانت ‏ترغب بالبقاء في النّشاط المنزلي غير أنَّ جهودًا بذلت من المشايخ أنفسهم مع الآنسة ‏منيرة والآنسات الكبيرات لإقناعهنّ بالانتقال إلى العمل العلنيّ في المساجد.‏

وقد كانت الآنسات يطمحن إلى الجمع بين العمل المسجديّ والحلقات المنزليّة لكنّ ‏تلك الرّغبة كانت بعيدة المنال، حيث ضعفت اللّقاءات والحلقات المنزليّة إلى حدِّ كبير ‏غير أنّها لم تتوقّف على الإطلاق.‏

 •  التزاماتٌ مسجديّة جديدة

وفعلًا شرعت القبيسيّات بالحلقات والدّروس المسجديّة في دمشق وغيرها من ‏المحافظات السوريّة بينما بقي النّشاط المنزليّ هو الأصل في بقيّة البلدان.‏

وهذا الانتقال إلى المساجد ترتّبت عليه تبعات جديدةٌ على الجماعة أهمّها وأوّلها هو ‏الدّعاء للرّئيس بشّار الأسد في نهاية كلّ درس باسمه الصّريح، وهذا أمرٌ مفروض على ‏جميع الخطباء والمدرّسين في مساجد سوريّة وعدم فعله يؤدّي إلى المنع من الخطابة أو ‏التّدريس، وكانت القبيسيّات يفعلنه في نطاقات مختلفة فكان يغيب في الحلقات ‏الخاصة ويحضر في الحلقات المفتوحة.‏

كما ترتّب عليه الالتزام بتعميمات وتعليمات وزارة الأوقاف، وقد حُرمت من العمل ‏المسجديّ بعض الآنسات اللّواتي ينتمي لأسرهنّ شخصيّات إخوانيّة إذ كان ذلك ‏سببًا في رفض منحهنّ الموافقة الأمنيّة اللازمة.‏

كما فرض هذا الانتقال إلى المساجد جوًّا جديدًا من انفتاح الجماعة على شرائح ‏جديدة من الطالبات تخالف الضّوابط الصّارمة التي وضعتها الجماعة في مرحلتها ‏السّابقة ممّا فرض عليها التّخفيف من شروط الالتحاق بالجماعة، والتخفّف من ‏الضّوابط الموضوعة للسّلوك أو المظهر العام.‏

ولكن ما هي المرتكزات الفكريّة والدّعويّة والشّرعيّة التي تقوم عليها جماعة القبيسيّات؟ ‏وما هي مناهج الحلقات؟

الإجابة عن هذه الأسئلة بإذن الله تعالى في المقال القادم

المصدر: موقع الجزيرة مباشر

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي آرام ميديا