أحمد العكلة - خاص آرام:
بين كومة من القش، يجلس محمد ميري (37عاماً) ينسق الأعواد؛ ويرتبها الواحد تلو الأخر، كي يصنع منها حزمة، تأخذ شكلها النهائي، لتصبح مكنسة من القش الطبيعي المتناسق، حيث كانت وما زالت مهنته الأساسية في أوقات محددة من السنة.
في صباح كل يوم يتوجه "ميري" إلى أحد الأحياء القديمة وسط مدينة إدلب، حيث يعمل في أحد مشاغل التي تنتج مكانس القش ليعمل مع خمسة من زملائه في تلك الصنعة، يجتهد كل شخص منهم على حدة، في مهمة محددة.
وتُعد صناعة المقشات من تراث أهالي مدينة ادلب، حيث بدأ محمد العمل فيها مع أولاده عمه منذ ما يقارب 20عاماً، وما زال مواظباً على العمل فيها حتى اليوم، باعتبارها المصدر الرئيسي لزرقه والتي يؤمن من خلالها قوت يومه.
تاريخ الصنعة
يقول لـ"آرام" عن تاريخ تلك الحرفة: "تصنيعُ مكانس القش حرفة قديمة في محافظة ادلب، عمرها أكثر من مائة عام، وهي مهنة يدوية بحتة لم يطرأ أي تحديث في آلية عملها، تنتشر بشكل كبير مقارنة بالمدن المتبقية".
ويضيف "تعتبر إدلب هي المصدر الرئيسي لمكانس القش عن باقي المحافظات منذ زمن بعيد، حيث كان ينتشر فيها عدة مصانع، لكن مع بداية الثورة أغلقت عدد من هذه المصانع أبوابها بسبب عدم وجود طرقات للتصدير".
يتم صناعة المكانس على عدة مراحل، حيث تبدأ بنقع القش بالماء ليسهل التحكم به وتطويعه، ثم يتم جمعه مع بعضه ضمن حزم متساوية العدد، وبعد ذلك يتم قصها لتصبح متساوية الطول، ثم يتم شدها بواسطة أسلاك بلاستيكية متينة.
تصدير معدوم
الحاج عبد الكريم ميري (87عاماً)، أحد العاملين في صناعة القش منذ ما يُقارب 50عاماً، يشرح عن طريقة صناعة المكانس قائلاً: "نضع قطعة خشبية، ونربط على رأسها سلكاً معدنياً ونشد مجموعة من القش لتربط وتشد عدة مرات".
ويُضيف لـ"آرام"، "بعدها يُحضر دفتين من الخشب، تُحيط القش من وسطه، ويحكم ربطها من الجوانب، ويبدأ مرحلة الدق، وشد الخشبتين كي يتوازن شكل القش ليشكل جسم المكنسة، ويُحضر أخيراً إبرة ليخيط بخيط من النايلون المكنسة".
وحول عملية تصريف البضائع، يشرح الميري "في السابق كانت بضاعتنا تُصدر لدول عربية مثل الأردن ولبنان وحتى محافظات دمشق وحلب، لكن مع انقطاع الطرقات بسبب الحرب أصبحت التصدير شبه معدوم لذلك فأصبح البيع محلياً".
ويوضح أن المواد الأولية يتم جلبها من الرقة والحسكة، وتُشتري أعاود المكانس الذي يتم زراعته بكثرة في تلك المحافظات، ومن ثم تتم إعادة إنتاجه وبيعه، لكن في الوقت الحالي يعانون بشكل كبير من جلب المواد بسبب انقطاع الطرقات.
معوقات العمل
وتعتبر أبرز المعوقات التي تواجهها هذه المهنة التراثية هي عدم وجود سوق لتصريف هذه المواد في ظل عدم قدرة هذه المصانع على تصدير منتجاتها للخارج، وانخفاض أسعار المكانس في السوق، ما يؤدي بشكل تلقائي لانخفاض أسعار الأجور.
أحمد العمر، عامل آخر في أحد مشاغل القش في السوق التراثي في مدينة إدلب، يُعاني من انخفاض أجور العمل الشاق والذي يأخذ من وقته ما يقارب 9 ساعات بشكل يومي، وذلك مع ارتفاع أسعار الدولار والغلاء في أسعار المواد الغذائية والمعيشية.
يقول أحمد لـ"آرام": "نأخذ على كل قطعة نقوم بتجهيزها ما يُقارب 50 ليرة، أقوم بصنع ما يقارب 30 قطعة بشكل يومي أي ما يقارب 1500 ليرة بشكل يومي فقط، حيث أن راتبي الشهري لا يتجاوز 50 دولاراً ولا يكفي لشراء أدنى الحاجيات".
ويُضيف "لا أستطيع العمل في مهنة أخرى بسبب الوقت الطويل الذي أعمل به في المصنع، إضافة إلى معاناتي من مرض الديسك بسبب الوقت الطويل في الجلوس في صناعة المكانس، ولكن الحاجة تُجبرني بالعمل دون وجود فرص أخرى".
وتُعد مكانس القش أحد اللوازم المنزلية في جميع البيوت في الشمال السوري، رغم قدمها وانتشار المكانس الكهربائية في البيوت، حيث يتم بيعها في كافة محال الأدوات المنزلية في القرى والمدن وتشهد إقبالاً شرائياً يومياً من قبل الأهالي.