الجمعة 05 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

السّخرية من أشكال الأشخاص

25 يناير 2020، 09:16 ص
السّخرية من أشكال الأشخاص

محمد خير موسى

كاتب وباحث فلسطيني

25 يناير 2020 . الساعة 09:16 ص

محمّد خير موسى

‏"تضايقني في الأقلام العربية السّخرية المبتذلة من العوانس والبدينين، يُظهرون العانس ‏‏امرأةً تعوي طولَ اليوم من أجل الرجال، والبدين خنزيرٌ لا يكفّ عن الأكل.‏

مشاعرُ ‏المرأة مقدّسة لا يجبُ أن تُعرَض بهذه الفجاجة، وليتهم جرّبوا عذاب البدين ‏العاجز ‏عن فقدان الوزن لحظة، الباقي أن يسخروا من واحد محروق أو مبتور القدم"‏

الأديب الرّاحل أحمد خالد توفيق

من أكثر القضايا التي تحضر في عددٍ من البرامج والفنون السّاخرة استهداف الآخرين ‏في أشكالهم وصورِهم سواء من خلال البرامج السّاخرة أو من خلال الرّسم ‏الكاريكاتيريّ.‏

 •  لا تشعروا بالنّقص من أشكالكم

حرص الإسلام على أن يعرف المرء قدر نفسه، وألّا يشعر بالنّقص بسبب شكله ‏ومظهره، وكان هذا من أكبر التّحديّات التي واجهت الدّعوة الإسلاميّة في تلك البيئة ‏الغارقة في الجاهليّة القائمة على الاعتداد بالذّات والانتقاص من الآخرين.‏

 

فجاء الوعيد في القرآن المكّي لمن يمارسون الهمز واللّمز، فقال تعالى: " وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ ‏لُّمَزَةٍ" الهمزة:1‏

والهُمَزة اللّمَزة هو الطّعّان المعياب فهو الذي يسخرُ من النّاس بالقول والفعل ولو ‏بالإشارة، فيرى إنسانا مصابًا بعاهة في بدنه على سبيل المثال، فيحاول أن يقلده ‏بطريقة تثير السخرية، إما بالإشارة وإما بالكلام.‏

وكذلك كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعزّز ثقة الإنسان بنفسه وشكله؛ فذات يومٍ ‏‏"أبصَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا يَجُرُّ إزارَه، فأسرَعَ إليه -أو هَروَلَ- فقال: ‏‏ارفَعْ إزارَكَ واتَّقِ اللهَ، قال: إنِّي أحنَفُ تَصطَكُّ رُكبَتايَ، فقال: ارفَعْ إزارَكَ؛ فإنَّ كلَّ خَلقِ ‏‏اللهِ عزَّ وجلَّ حَسنٌ، فما رُئيَ ذلك الرَّجُلُ بعدُ إلَّا إزارُه يُصيبُ أنصافَ ساقَيه -أو إلى ‏‏أنصافِ ساقَيه" رواه أحمد وسنده صحيح

والأحنف هو من في ساقية اعوجاج وميلٌ واضح، فهذا الرّجل كان يبالغ في تغطية ‏ساقية بطريقة لافتة فأسرع إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسأله عن سبب صنيعه، ‏فأخبره أنّه يخجل من منظر ساقيه المعوجتين فلذلك يبالغ في تغطيتهما، فأمره رسول الله ‏صلّى الله عليه وسلّم أن يظهرهما دون أيّ خجلٍ أو وجل مبيّنا له أنّ هذا صنع الله ‏تعالى الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، فشعر الرّجل بدعم نفسيّ شديد ورفع إزاره ‏وكشف عمّا كان يخجل منه.‏

 •  موقفٌ شرعيّ صارمٌ من السُّخرية بأشكال الآخرين

يلجأ البعضُ عند السخرية من الخصم إلى استهداف شكله بالسّخرية، فتراه يسخر من ‏رجل بدينٍ أو امرأة دميمة، أو يسخر من بشرة خصمه السّوداء أو من شكل عينه أو ‏أنفه أو أسنانه، أو من طوله وضخامته، أو من قصره وقزامته، وقد يصل البعض إلى ‏الاستهزاء من عاهة خلقيّة أو إعاقة جسديّة ابتلي بها هذه الشّخص المُستَهدف.‏

كان تدخُّل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم تدخُّلًا عاجلًا عند كلّ موقف يكون فيه سخريةٌ ‏من الشّكل أو المنظر.‏

ففي هذا الموقف يروي ابن مسعود رضي الله عنه موقفًا كان فيه الصّحابة يضحكون ‏ويسخرون من شكل ساقيه عندما هبّت الرّيح فكشفتهما وهو يجلس على غصن ‏شجرة

‏" عَنِ ابنِ مسعودٍ، أنَّهُ كانَ يجتَني سواكًا منَ الأراكِ، وَكانَ دَقيقَ السَّاقينِ، فجَعَلتِ ‏الرِّيحُ تَكْفؤُهُ، فضَحِكَ القومُ منهُ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: مِمَّ ‏تضحَكونَ؟! ‏

قالوا: يا نبيَّ اللَّهِ مِن دقَّةِ ساقيهِ، فقالَ: والَّذي نَفسي بيدِهِ، لَهُما أثقلُ في الميزانِ مِن ‏أُحُدٍ"  أخرجه أحمد وسنده صحيح.

حتّى في مجالسه الخاصّة كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صارمًا مع هذه القضيّة، ‏فمرّة سخرت عائشة رضي الله عنها من شكل ضرّتها وأشارت بيدها دون أن تقول ‏كلّمة، ولكنّ الإشارة إشارة سخرية من قصر ضرّتها، فكان الرّد صارمًا، ومرّة أخرة ‏قامت بمحاكاة أي تقليد شخصٍ في حركته وفعله فجاء الرّدّ لا يقلّ صرامة.‏

‏ عن عائشة قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حسبُك من صفيةَ كذا وكذا، قال: تعني ‏قصيرةً.‏

‏ فقال: لقد قلتِ كلِمَةً لو مُزِجت بماءِ البحرِ لمزجته

قالت: وحكيْتُ له إنسانًا، فقال: ما أُحِبُّ أني حَكيْتُ إنسانًا وأن لي كذا وكذا." ‏أخرجه أبو داود والترمذي وسنده صحيح

وهذه الصّرامة ليست خاصّة بالسّخرية من المسلمين، بل تشمل أيّة سخرية كانت وقد ‏جاء الوعيد الشّديد على لسان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: "مَن سمَّع يهوديًّا أو ‏نصرانيًّا دخَل النَّارَ" أخرجه النّسائيّ وابن حبّان وسنده صحيح.‏

أي من سمّع غير مسلمٍ ما يؤذيه بغير حقّ، والسّخرية من الأشكال والأبدان لا حقّ ‏فيها فهي ليست من كسب هؤلاء ولا صنيعهم ولا فعلهم ولا يدَ لهم فيها.‏

قال ابن الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: "وَسُئِلَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ غِيبَةِ ‏الْكَافِرِ؛ فَقَالَ : هِيَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مَحْذُورَةٌ لِثَلاثِ عِلَلٍ: الإِيذَاءُ، وَتَنْقِيصُ خَلْقِ اللَّهِ، ‏فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لأَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَتَضْيِيعُ الْوَقْتِ بِمَا لا يُعْنِي، قَالَ: وَالأُولَى تَقْتَضِي ‏التَّحْرِيمُ، وَالثَّانِيَةُ الْكَرَاهَةُ، وَالثَّالِثَةُ خِلافُ الأَوْلَى"‏

فابن حجر ينقلُ مؤيّدًا قول الغزالي وكلاهما من كبار أئمّة الفقه ومجتهديه بأنَّ الغيبة ‏لغير المسلم محرّمةُ لما فيها من الأذى، والسّخرية من الشّكل لعمري أشدّ إيذاء وأعظم ‏سوءًا فيكون أولى بالحرمة.‏

وبناءً على كلّ ذلك فإنَّ استهداف أيّ شخصٍ كان خصمًا أو عدوًّا بالسخرية من ‏خَلقه وشكله وبدنه سواء من سمنته أو نحافته أو طوله أو قصره أو عاهته أو عجزه أو ‏دمامته أو لون بشرته؛ من المحرّمات التي لا ينبغي لمسلمٍ أن ينجرَّ إليها أو يقع فيها ‏مهما استبدّ به الألم أو علا في رأسه الحماس والاندفاع.‏

أضف إلى ذلك أنَّ هذا من البذاءة التي يخسرُ بارتكابها أهل الحقّ معركتهم الأخلاقيّة ‏مع عدوّهم، والتفوّق الأخلاقيّ في المعارك بين الحقّ والباطل هو من القضايا التي لا ‏ينبغي أن يتنازل عنها أهل الحقّ مهما حاول الباطل استفزازهم وجرّهم إلى مستنقع ‏البذاءة.‏

وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا ‏الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ" أخرجه التّرمذي وسنده صحيح.‏

‏ ولكن هل ينطبق ذلك على "الكاريكاتير" أو الرّسوم السّاخرة والبورتريه ‏وأشباهها؟!‏

هذا ما سنعالجُه بإذن الله تعالى في المقال القادم