الإثنين 04 مارس 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.06 ليرة تركية / يورو
39.73 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.62 ليرة تركية / ريال قطري
8.37 ليرة تركية / الريال السعودي
31.39 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.06
جنيه إسترليني 39.73
ريال قطري 8.62
الريال السعودي 8.37
دولار أمريكي 31.39
...

الهجرة النَّبويَّة لأرض طيبة الطَّيِّبة

28 مارس 2020، 09:35 ص

تمرُّ الشُّهور بعد الشُّهور، والأعوامُ بعد الأعوام، ونحن في سُبات عميق ساهون، وفي ملذَّات وشهوات الدُّنيا سادرون، وعن دار الآخرة والجزاء والحساب غافلون، ومهما عشت يا ابن آدم، فإلى الثَّمانين أو التِّسعين، فما أقصرها من مدَّة، وما أقلَّه من عُمُر..
فهذا أشرف خلق الله عند الله، محمَّدٌ عليه الصَّلاة والسَّلام عاش ثلاثةً وستين عامًا، ثم فارق الحياة، كما قال الله تعالى: ( إنك ميت وإنهم ميتون ) الزمر: 30.
ومع نهاية عام هجريٍّ، وبداية عامٍ هجريٍّ جديد، تتجدَّد ذكرى عزيزة غالية على قلوبنا، إنَّها ذكرى الهجرة النَّبوية الشَّريفة المباركة، هذه المناسبة التي غيَّرت مجرى التَّاريخ، أكرم الله بها أمَّة العرب والإسلام، حيث صار لها دولة ورجال، ومواقف خلَّدها رجال، صنعهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على عينه، وربَّاهم تربية نبويَّة صالحة، فقاد بهم العالم بأسره، في فترة زمنيَّة وجيزة، ولي في هذا العام الهجريِّ الجديد 1441 وقفات، أحببت أن أسطِّرها لقرائي الكرام، عسى الله أن ينفع بها، وتجد لها آذانًا مُصغية، وقلوبًا واعية، ونفوسًا راضية، وهذه الوقفات ستكون على النَّحو الآتي:

الوقفة الأولى:

أُخرج النَّبيُّ الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم من مكَّة، وبصحبته صديق دربه: أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، بعد أن جمع كفار قريش لقتله أربعين شابًا، من كلِّ قبائل وعوائل قريش، ليضربوه ضربة رجل واحد، فيضيع دمه بين القبائل، فلا تستطيع بنو هاشم قتالهم جميعًا، فخرج من مكَّة خائفًا يترقَّب، واستأجر رجلًا مشركًا: عبد الله بن أريقط، دليلًا له على الطَّريق، نعم؛ خرج من مكَّة كارهًا الخروج، محتسبًا أجره على الله، وعندما غادر بنيان أرضه، ومسقط رأسه، منفِّذًا أمر ربِّه، وقف على تلَّة مشرفة على مكَّة، وقال: ( إنَّك لخير أرض الله، وأحبُّ الأرض إلى الله، ولولا أنَّ قومك أخرجوني منك ما خرجت، ولما سكنت بلدًا غيرك ) رواه أحمد.
كلُّ إنسان يحبُّ المكان الذي وُلِد فيه، وعاش وترعرع على ترابه، ولا يرغب ولا يحبُّ التَّحوُّل عنه بحال من الأحوال، ولكن ربَّما تلجئه ظروف سياسيَّة، أو اقتصاديَّة، للخروج والهجرة من بلده، بحثًا عن مكان يأمن فيه، ويُرزق فيه..
ونحن -السُّوريين-أخرجنا طاغية الشَّام، ومجرم وسفَّاح هذا الزَّمان: بشَّار الأسد اللَّعين، من ديارنا وأراضينا وأموالنا وضيعاتنا، فمنَّا من نزح داخل سوريا، ومنَّا من هاجر خارجها، ولا شكَّ ولا ريب أحوال كلِّ واحد منَّا يُرثى لها، ولكن علينا أن نتعزَّى بمن سلف من الصَّالحين، وعلى رأسهم خير البشر، وأحبِّهم إلى الله، فقد هاجر في سبيل الله إلى المدينة، ووجد فيها الخير الكثير، ولذلك قال الله تعالى: ( وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) النساء: 100.
وعندما شعر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو في المدينة بشوق وحنين إلى بلده، دعا بهذا الدُّعاء: ( اللهمَّ حبِّب إلينا المدينة، كحبِّنا مكَّة أو أشد ) رواه أحمد.
فحبَّب الله له المدينة، حتَّى أنَّه عندما فتح مكَّة، ودانت له جزيرة العرب كلُّها، رجع للمدينة مستقرًا بها، إلى أن وافته المنيَّة، وهو في دار الهجرة، ودفن في تراب المدينة المنورة..
 
الوقفة الثَّانية:

عندما قدِم المصطفى عليه الصَّلاة والسلام للمدينة المنورة، قام بعدَّة أعمال جليلة، جدير بِنَا أن نلفت النَّظر إليها، ونسلِّط الضَّوء عليها:
1- بناء المسجد: 
بنى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المسجد النَّبويَّ الشَّريف، طوال مدَّة مكوثه عند أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وكان ذلك أوّل عملٍ لرسول الله في المدينة، وكان لبناء المسجد أهدافٌ عدَّة: منها التَّأكيد على ارتباط الدِّين والسِّياسة معاً، فالسِّياسة جزءٌ من الدِّين لا تنفصل عنه. ومنها تثبيت الأصل الذي تقوم عليه الدَّولة الإسلاميَّة؛ الذي يتمثَّل بالعلاقة مع الله تعالى، فهي الأساس الذي تقوم عليه أمور السِّياسة. ومنها استقبال الوفود في المسجد، والاجتماع معهم فيه، للبحث فيما يتعلَّق بأمور الحروب والإصلاحات والأسرى، وعقد الاتِّفاقات والتَّفاوضات معهم. ومنها التَّشاوُّر في أمور الغزوات قبل حدوثها. ومنها عقد مجالس لتعلُّم العلوم الشَّرعيَّة، وباقي العلوم الأخرى. ومنها الحكم بين المتخاصمين داخل المسجد، حيث كان داراً للقضاء. ومنها ممارسة بعض الأنشطة الاجتماعيَّة؛ فهو مأوى الفقراء، ومكانٌ لممارسة الأحباش لبعض الأنشطة التَّرفيهيَّة. 
2- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: آخى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين المهاجرين والأنصار، ووثَّق بينهم روابط المحبة، والألفة، والتَّكافُل الاجتماعي، على أساس الأخوَّة الإسلاميَّة، فكانت علاقاتهم بعد المؤاخاة مع بعضهم كالإخوة تماماً، يتقاسمون أمورهم، ويتعاونون مع بعضهم في أمور الخير، وما ينفع مجتمعهم، ويحبُّون الخير لبعضهم، ويؤثرون على أنفسهم، رغم ضيق عيشهم، وصعوبة أحوالهم، فكانت أخوَّتهم صادقةً وحقيقيَّةً، تقوم على الإيمان بالله تعالى، وعلى العقيدة السَّليمة في نفوسهم. 
3- المعاهدة بين المسلمين واليهود: قام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بكتابة الوثيقة، أو الصَّحيفة التي تنظِّم علاقة جميع المواطنين في المدينة، على اختلاف دياناتهم وأصولهم، فكانت بين المسلمين من المهاجرين والأنصار مع بعضهم البعض، ومع قبائل يهود بني قريظة، وبني النَّضير، وبني قينقاع، واشتُهرت باسم وثيقة المدينة، وقد سمَّاها بعض المعاصرين بدستور المدينة، واحتوت الوثيقة في داخلها على مجموعةٍ من البنود المتَّفق عليها.
4- بناء السُّوق الإسلامي: 
سعى الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم أثناء مكوثه في المدينة، إلى بناء سوقٍ إسلاميٍّ خاصٍّ بالمسلمين، مستقل عن الأسواق الأخرى؛ بسبب عدم وجود سوقٍ داخل المدينة خاصٍّ بالمسلمين ومعاملاتهم، وكان هناك سوقٌ ليهود بني قينقاع، كانوا يسيطرون عليه، وعلى العمليَّات التِّجاريَّة التي تتمُّ داخله، ويمنعون المسلمين من الدُّخول إليه إلّا بدفع الخراج لهم. 
فكان - لأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ببناء السُّوق الإسلامي، الذي يرأسه المسلمون، والقيام بوضع الأسس الخاصّة بالعمل في داخله، من حيث كيفية البيع والشِّراء، وتحديد الأسعار- أثرٌ كبيرٌ في دعم وانتعاش الحياة الاقتصاديَّة لدى المسلمين، ومنع سيطرت واحتكار اليهود لاقتصاد السُّوق.
فعلينا نحن -السوريين وقد وصلنا لبلاد الهجرة- أن نقتدي ونهتدي ونسلك سبيل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مهجره، فلا بدَّ من تأمين محاضن تربويَّة لنا ولأبنائنا وبناتنا: مصلَّيات، مراكز ثقافيَّة، منتديات اجتماعيَّة، نجتمع فيها يعلِّم بعضنا بعضًا، ولا نترك أجيالنا بدون تربية وتعليم، وعلينا أن نوظِّف ما تقدِّمه لنا الدُّول المضيفة من دعم ومساندة، بما يعود علينا وعلى أجيالنا بالنَّفع والفائدة الممتدَّة، هذا الدَّرس نأخذه من بنائه صلَّى الله عليه وسلَّم للمسجد. 
أمَّا عن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فعلينا أن نتعايش مع شعوب الدُّول المضيفة لنا بالتَّعاون والمحبَّة، وأن نزرع المحبَّة أولًا فيما بيننا، لترشح المحبَّة بعدها لغيرنا، وألا ننازع من نحن بضيافته كرائم أمواله، وأن نزعجه في أمنه واستقراره وعيشه، مطبِّقين في ذلك قاعدة: ( يا غريب !! كن أديبًا ).
وأمَّا عن المعاهدة، وصحيفة المدينة، فإنَّ لكلِّ بلد استضافنا دستورًا وقوانين تحكمه، فعلينا احترام القوانين والأنظمة المرعيَّة في البلد، وأن نكون من أشدِّ النَّاس التزامًا بها.
وأمَّا عن السُّوق، فعلينا أن نعمل ونكد، وألا نكون كسالى ننتظر المعونات والمساعدات، فقد كان الأنصاريُّ في عهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقدِّم الأموال والبيوت للمهاجر، يؤثره على نفسه، مضحيًا في سبيل إرضاء ربه، وإراحة أخيه المهاجر، وكان ردُّ المهاجر للأنصاري، كردِّ عبد الرحمن بن عوف لأخيه سعد بن الرَّبيع رضي الله عنهما: ( بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن !! دلَّني على السُّوق )، هكذا يجب أن نكون، نعيش من كدِّ أيدينا، وعرق جبيننا، ولا نطلب المساعدة والمعونة، والله هو الرزَّاق ذو القوة المتين، في كل مكان وحين، فقد قال النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: ( مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً خَيْراً مِن أَنَ يَأْكُلَ مِن عمَلِ يَدِهِ ) رواه البخاري.( كَانَ زَكَرِيَّا عليه السَّلامُ نجَّاراً )رواه مسلم. ( كَانَ دَاوُدُ عليهِ السَّلامُ لا يَأْكُل إِلاَّ مِن عَملِ يَدِهِ ) رواه البخاري.

الوقفة الثَّالثة:

لقد أدَّت المرأة المسلمة دورًا بارزًا في الهجرة النَّبويَّة، فكانت عائشة وأختها أسماء رضي الله عنهما نعم النَّاصر والمعين في أمر الهجرة؛ فلم يخذلا أباهما أبا بكر رضي الله عنه مع علمهما بخطر المغامرة، ولم يفشيا سرَّ الرِّحلة لأحد، ولم تتوانيا في تجهيز الرَّاحلة تجهيزًا كاملًا، إلى غير ذلك ممَّا قامتا به، وغيرهما الكثير من مواقف النِّساء المسلمات، في حادثة الهجرة، وقبلها وبعدها.
فالمرأة نصف المجتمع، والنِّساء شقائق الرِّجال، والمرأة هي الأمُّ والأخت والزوجة والخالة والعمَّة، ولذا اعتنى الإسلام بالمرأة عناية خاصَّة، تناسب حالها وضعفها وقدراتها، فنظرته متوازنة، فلا يكون هناك إفراط في الانطلاق بها، دون مراعاة لقدراتها، ومناسبة المناط بها لهذه القدرات، ولا يكون هناك تفريط في الجمود بها عن أداء دور بحيث يصل إلى التَّهميش، وربَّما الإسقاط والإلغاء، فتكون العاقبة؛ تجهيل يؤخِّر ولا يقدِّم، بل يعطِّل ويعوق.
وفي ثورة الشَّام المباركة، برزت فيها نساء ماجدات، وخنساوات كثيرات، كنَّ خير معين لتثبيت المجاهدين، ولا زلن صابرات محتسبات، رغم القهر والقصف والدَّمار، مؤمنات بقضيتهنَّ العادلة، مدافعات عن حياض الدِّين والعرض، رأيناهنَّ معنا يؤدِّين واجبهنَّ أكثر من بعض الرِّجال، أينما اتَّجهت في ساحات النِّضال والجهاد تجدهنَّ، في مخيمات النُّزوح يرعَين أبناءهنَّ وبناتهنَّ تربية وتعليمًا، في المدارس معلمات فاضلات قدوات، في المراكز والمساجد محفِّظات لكتاب الله، لذا رسالة أوجهها لكافَّة ثوارنا أقول: ادعموا أنشطة النِّساء الهادفة النَّافعة ماديًا ومعنويًا، وقدِّموا لهنَّ كلَّ ما تستطيعون، فهنَّ حارسات قلاعنا من الدَّاخل، والقلعة إذا خلت من حرَّاس داخلها هَوَت وسقطت.

الوقفة الرَّابعة:

كان للشَّباب دور لا يستهان به في الهجرة النَّبوية، فمن ذلك:
نام عليُّ بن أبي طالب ليلة الهجرة في فراش النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد قال له عليه الصَّلاة والسَّلام: ( نَمْ عَلَى فِرَاشِي، وَتَسَجَّ بِبُرْدِي هَذَا الْحَضْرَمِيِّ الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَنْ يَخْلُصَ إلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ مِنْهُمْ )، خلَّفه وراءه ليقوم بردِّ ودائع وأمانات كفَّار قريش، التي كانوا أودعوها عنده، لأنَّه الصَّادق الأمين.
وكان عبد الله بن أبي بكر يقوم بتوصيل الطَّعام والشَّراب للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ووالده، كما كان يأتيهم بأخبار المشركين.
وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر، يرعى غنم أبي بكر قريبًا من غار ثور، يحلب لهم الشِِّّياه، ويُشربهم الحليب الطَّازج، وفي عودته من الرَّعي، يجعل الغنم تمشي على أثر أقدام عبد الله بن أبي بكر، كي يمحو أثر أقدامه.
والنَّاظر المتأمِّل في ثورتنا المجيدة، أنَّها بدأت بشباب صغار السِّن ( حمزة الخطيب وزمرته ) الذين كتبوا على جدار مدرستهم: الشَّعب يريد إسقاط النِّظام، فالشَّباب هم عروق الأمَّة النَّابضة، وعلى أكتافهم يقوم عزُّ ومجد أمَّتنا من جديد، وقد كان أكثر حملة الإسلام الأوائل في أوَّل زمن البعثة من الشَّباب: فهذا الصِّديق رضي الله عنه لم يتجاوز السَّابعة والثَّلاثين، وهذا عمر رضي الله عنه لم يتجاوز السَّابعة والعشرين، وهذا عثمان رضي الله عنه لم يتجاوز الرَّابعة والثَّلاثين، وعلي رضي الله عنه لم يكن تجاوز العاشرة، وكذلك بقية العشرة رضي الله عنهم: طلحة بن عبيد الله لم يتجاوز الرَّابعة عشر، والزُّبير بن العوام لم يتجاوز السَّادسة عشرة، وسعد بن أبي وقاص لم يتجاوز السَّابعة عشرة، وسعيد بن زيد لم يتجاوز الخامسة عشرة، وأبو عبيدة لم يتجاوز سبعاً وعشرين، وعبد الرحمن بن عوف لم يتجاوز الثلاثين، فأعمارهم كلُّها متقاربة.
ولذا لا بدَّ من العناية المطلقة بجيل شبابنا، ورفدهم بكلِّ أسباب الدَّعم المادي والمعنوي، وخاصَّة من يقفون في ساحات الوغى مدافعين عن الدِّين والعقيدة، والأعراض والأموال، ندعمهم بكافة قدراتنا وطاقاتنا وإمكانياتنا، لأنَّهم أملنا بعد الله تعالى، وويل للمخذِّلين والمعوِّقين، الذين يجلسون على الأرائك، ويطعنون بالمجاهدين والثُّوار..

الوقفة الخامسة:
هناك دروس عامَّة نأخذها من الهجرة النَّبوية الشريفة، وهي:
1- التوكُّل على الله حقَّ توكُّله، بحيث  يصل لحدِّ اليقين التَّام، والصَّبر على تحمُّل الأذى في سبيل الله، فبالصَّبر واليقين تنال الإمامة في الدُّنيا والدِّين، وهذا نجده في مواقف النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في كافَّة مراحل هجرته.
2- التَّضحية والفداء لأجل الدِّين، وتقديم الغالي والنَّفيس في سبيل نصرة الدِّين، حتى لو كان المقابل الأرواح والمُهَج، يجود بالنَّفس إن ضنَّ البخيل بها... والجود بالنَّفس أقصى غاية الجود.
وهذا وجدناه في الفدائي والاستشهادي الأوَّل في الإسلام: علي رضي الله عنه عندما نام في فراش النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
فكلُّ كسر الدِّين يجبره، وما لكسر قناة الدِّين جبران.
3- اشتغال كافَّة أفراد الأسرة في خدمة الدِّين، سرور وسعادة وفخر وعزٌّ ومجد، وهذا نجده في أسرة أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه، فقد اشترك عموم أفراد أسرته في بدء أحداث الهجرة، وهذا فخر بقي لهذه العائلة طوال الدَّهر.
4- حرص النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على حفظ أموال المشركين، وتكليف علي رضي الله عنه بردِّها، ولَم يقل إنَّهم كفَّار وأموالهم مهدورة، وهم أخرجوني كارهًا من بلدي، فآخذ أموالهم أستعين بها على إقامة دولتي في المدينة.
5- تبادل المصالح بين المسلمين والكفَّار، فيما لا يخلُّ بالضُّروريَّات الخمسة في الإسلام لا بأس بذلك، فقد استعان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعبد الله بن أريقط كخرِّيت يدله على الطَّريق للمدينة، وهو رجل مشرك، استأجره لهذا الغرض.
أكتفي بهذا القدر، مع أنَّ الدُّروس والعبر في هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام كثيرة..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.