تماماً على مبدأ فصل الدّين عن الحياة ، يَسمحُ ويُشجّعُ أصحاب هذا الاتّجاه أن يتكلّم بشأن هذا الوباء الأطباءُ والسّاسةُ وعلماءُ النّفس والاجتماع وغيرهم مِن أهل العلوم المتنوّعة، ولكنّهم يرفضون غايةَ الرّفض أن يتمّ تناول الحديث عن كورونا وقراءته و مواجهته انطلاقاً مِن الدّين ومبادئه ، معَ أنّ تطويق هذا الوباء بل هذه الجائحة يحتاج إلى جهود الجميع وقدراتهم ، بل إنَّ هنالك مِن الأبعاد ممّا يتعلّق بمواجهة هذا الوباء ما لا يمكن تحقيقه إلّا مِن خلال منظومة متكاملة بين العلم والعمل والأخلاق ممّا لا يتوفّرُ إلّا بتضافرِ جهود الجميع وفي مقدِّمتها الجهود المنطلقة مِن الفهم الصّحيح للدّين الحقّ .
• يقول دعاة فصل الدّين عن الكورونا أو بعبارة أدقّ "فصل الدّين عن الحياة" :
لا تربطوا بين الوباء وبين ما تسمُّونه فساداً للعالَم وظلماً لبعض الأعراق والأمم والشّعوب ، واتركوا التّدبير والمواجهة لأهلها مِن السّاسة والقادة ومنظّمات الصّحة ، فهؤلاء هم القادرون على المواجهة والحلّ ، ولا تُقحموا الدّين في كلَّ كبيرة وصغيرة ، بل يتجاوز بعضهم هذا الطّرح بعيداً .
• ويقول المنطلقون في فهمهم من الدّين الحقّ :
إنّ كلَّ ما يحدث في هذا الكون هو آيةٌ مِن آيات الله ، و يردّدون مع أبي العتاهية قوله( وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ .....تدلُّ على أنّه الواحد ) ، ويرون أنّ هذه الآيات هي نذيرٌ للبشر وامتحانٌ لهم ، ودعوةٌ إليهم للمراجعة والمحاسبة والإنابة ، ويطرحون في دعوتهم للمواجهة منظومةً متكاملةً تدعو إلى الأخذ بكلّ أسباب الوقاية والعلاج ، وتتوِّج رؤيتها بالدّعوة إلى الثّقة بالله والتّفاؤل و إلى أخلاق الرّحمة والتّكافل والإحسان ، تلك الأخلاق الّتي يشكِّل غيابها خصوصاً زمنَ الوباء خطراً على البشريّة أشدَّ مِن الوباء ذاته ، و كأنَّ هذه الفئة في طرحها المتكامل تردِّد مع فيلسوف الإسلام "محمّد إقبال" ، رؤيته وفهمه للكون والحياة إذا يقول :
إذا الإيمان ضاع فلا أمانٌ
ولا دنيا لمِن لم يحي دينا
ومَن رضي الحياةَ بغير دينٍ
فقد جعل الفناء لها قرينا .
• رويدكم يا سادة : إنّها ليست سلطةً يسعى الفرقاء لنيلها ، وليستْ محاصصةً سياسيةً تتصارع الأحزاب والتَّيّارات لاقتسام كعكتها ، ولكنّها المركبُ الواحد الّذي يحتاج إلى أن يساهم الجميع في إيصاله إلى شاطئ الأمان وبرِّ النّجاة ، على رسلكم، فإنّ البشريّة في ظلِّ هذه الجائحة الخطيرة تحتاجُ إلى هُداةٍ يُخفِّفُون الآلام ، ويُسلِّمُون للواحد العلّام، ويرحمُون الأنام، ويَسْمُون مُحلِّقين بعيداً عن محضِ عالمِ المادّة بالرّوح والأفهام ، داعين إلى الأخذ بكلِّ الأسباب، متوكِّلين أوّلاً وآخراً على ربّ الأرباب .
فأيّ الفريقين أقومُ قيلا ، وأهدى سبيلا ؟