الإثنين 08 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

عناق الدب الروسي يدق اسفينا بين الأسد وإيران

09 مايو 2020، 12:28 م
عناق الدب الروسي يدق اسفينا بين الأسد وإيران

تسفي برئيل

كاتب إسرائيلي

09 مايو 2020 . الساعة 12:28 م

“من كان يصدق أن عملاء المخابرات سيصلون الى شركات رامي مخلوف ويعتقلون العمال في الوقت الذي أنا فيه الداعم الاكبر لوكالات الاستخبارات هذه؟”، تساءل الملياردير السوري وابن عم الرئيس بشار الاسد، رامي مخلوف، في فيلم قصير نشره في يوتيوب، مخلوف هو من اصحاب شركة الهواتف الخلوية الكبرى في سوريا "سيريا تل"، وحسب التقديرات المختلفة هو يسيطر على نحو 60 في المئة من الاقتصاد السوري، وهو شخصية رئيسية في تمويل نشاطات نظام الاسد.

جمعية خيرية انشأها في 1999 باسم "البستان" استخدمت في بداية الحرب الاهلية في سوريا كمصدر لتجنيد وتمويل مقاتلي مليشيا خاصين باسم "قوات النمر" التي حاربت الى جانب القوات السورية ضد المتمردين على الاسد، وكجمعية خيرية حصلت "البستان" على هبات من منظمات دعم دولية وحتى من مؤسسات الأمم المتحدة، حتى عندما في تلك الفترة قاتلت قوات النمر ضد المتمردين وارتكبت جرائم حرب.

هذا الترتيب عمل بلا تشويش حتى دخول روسيا الى الساحة السورية في العام 2015، الاستراتيجية الروسية استندت في حينه على مبدأ بسيط وواضح وهو إبقاء الاسد في الحكم واجتثاث المتمردين وتأمين سيادة النظام على كل الاراضي السورية – وفي النهاية إقامة دولة تكون تحت رعايتها أو على الأقل تحت تأثيرها، التقدير في موسكو كان أنه خلال اسابيع، أو اشهر، سيكون بالامكان انهاء القضية وتحقيق هذه الأهداف.

الواقع تبين أنه مركب أكثر مما توقع الخبراء الروس، إيران كانت العنصر الفعال في داخل الساحة السورية، داعش سيطر على اجزاء كبيرة في شمال شرق الدولة – عشرات اذا لم يكن مئات من المتمردين ومن مؤيدي النظام سيطروا بصورة تقريبًا واقاموا ما يشبه الحكم الذاتي على مناطق مختلفة في سوريا.

الأكثر خطورة من ذلك، هو أن عدد مقاتلي المليشيات الموالية للنظام كان ضعف عدد الجنود النظاميين – دون الأخذ في الحسبان المليشيات الايرانية، روسيا اضطرت الى بناء استراتيجية جديدة لا تكتفي بمساعدة جوية من قوات النظام، بل استراتيجية تضمن أن استثماراتها في الساحة العسكرية ستعطيها ثمار، وبالأساس ثمار سياسية واستراتيجية، كجزء من هذه الاستراتيجية بدأت روسيا في توحيد هذه المليشيات وصهرها بقدر الامكان داخل جيش الأسد، هكذا كان مع قوات النمر التي كانت تحت رعاية وتمويل مخلوف.

هذه القوات كانت تعد على الاقل 24 مليشيا كل واحدة سميت على اسم قائدها، روسيا نجحت في لي ذراع الأسد وجعله يدمج هذه القوات في إطار الجيش، وبهذا حيدت سيطرة مخلوف عليها، في صيف 2019 غير الأسد اسم هذه الوحدة من قوات النمر الى الفرقة 25 للقوات الخاصة.

الجنود فيها اختيروا بعناية واجتازوا تدريبات على ايدي ضباط ومدربين روس، بهذا عززت روسيا الوحدات المقاتلة العاملة تحت قيادة الأسد – الأهم من ذلك هو أنها سحبت من مخلوف، حليف ايران، السيطرة على القوة العسكرية. هكذا، حرمت طهران من القدرة على استخدام "قوات النمر" كجسم عسكري، غير حكومي، من اجل أن تبني لنفسها قاعدة عسكرية موازية للجيش السوري.

روسيا أيضًا فرضت على الأسد إجراء تغييرات في بنية الجيش، واستبدال ضباط كبار وكذلك تبني تكتيك تم وضعه في وزارة الدفاع والجيش الروسي – بهدف أن تبني في الايام القادمة جيش وطني قوي، مدرب وغير سياسي، يكون خاضع للاسد لكنه موجه من قبل روسيا. هكذا من بين امور اخرى، اضطر الاسد الى اعتقال وحبس الجنرال غسان بلال، رئيس مكتب شقيقه ماهر وقائد الفرقة الرابعة، الذي اعتبر حليفاً لايران، هذا بالضبط في الوقت الذي اقترحت فيه ايران بلال ليقف على رأس المخابرات العسكرية خلافا للموقف الروسي.

حرية عمل لاسرائيل

كجزء من تدخلها في الساحة السورية، بدأت روسيا في البحث عن طرق للسيطرة على الاقتصاد السوري وعلى مصادر الدخل. صحيح أن ايران حصلت في العام 2014 على عدة اتفاقات التي تمنحها الحصرية في مجال اعادة اعمار الدولة بعد الحرب، لكن روسيا على عطاءات استخراج النفط والاستثمار في البنى التحتية، موسكو تتطلع اضافة الى ذلك الى ابعاد طهران عن مشروع اعادة اعمار سوريا من اجل تحويلها الى نموذج نجاح يمكن أن يعطيها ثمار سياسية حتى في ساحات اخرى مثل العراق وليبيا واليمن.

النجاح في سوريا تطور ليصبح طموح استراتيجي حيوي، الذي استهدف أن يعرض امام دول الشرق الاوسط بديل مناسب عن النفوذ الامريكي، ولكن كان واضحا لروسيا بأنها وحدها لن تستطيع الحصول على رأس المال الضخم الذي قدر بمئات مليارات الدولارات والضروري لعملية اعادة الاعمار، بالأحرى، عندما يكون حضور ايران وحزب الله في سوريا يشكل عائق امام استثمارات اجنبية من اوروبا ومن الولايات المتحدة.

من اجل تسريع ابعاد ايران عن مراكز القوة وتشجيع انسحابها من سوريا، سمحت روسيا لاسرائيل بالعمل تقريبا بصورة حرة، إن لم يكن بصورة منسقة جيدًا، ضد اهداف لايران، وبصورة لا تدعو للدهشة، هي حتى لم ترد على الهجمات الستة الاخيرة التي نسبت لاسرائيل مؤخرا. روسيا صمتت ايضا على اقوال وزير الدفاع نفتالي بينيت الذي قال بأن اسرائيل لن تكتفي منذ الآن بصد التمركز الايراني في سوريا، بل هي تنوي طردها بشكل كامل من سوريا.

ولكن الهجمات الاسرائيلية ليست العامل الوحيد الذي أدى الى تقليل التواجد الايراني، فروسيا أبعدت ايران عن التدخل في الاتفاقات التي وقعتها مع تركيا حول وقف اطلاق النار في محافظة ادلب، المعقل الاخير لحضور المتمردين المكثف، بالأساس الحركات الاسلامية مثل حركة تحرير الشام (جبهة النصرة في السابق)، وهي ايضا لا تشرك ايران في الاعمال الشرطية التي تقوم بها الشرطة العسكرية الروسية في مناطق كثيرة في سوريا.

صداع الكرملن

من أجل زيادة الضغط على الأسد من اجل الدفع قدما بالخطة السياسية، بدأت موسكو بمطالبة الرئيس السوري بأن يدفع مقابل جزء من التكلفة التي تتحملها كجزء من المساعدة العسكرية، ومثلما في عائلات المافيا عندما لا يملك "دافع الضرائب" نفسه أي أموال، فان العائلة طلب منها أن تهب لمساعدته، روسيا "عرضت" على الاسد أن يجبر رامي مخلوف على دفع ثلاثة مليارات دولار. وعندما رفض الاخير بذريعة أنه ليس لديه هذا المبلغ، عرضت روسيا على الاسد اثباتات بأنه يوجد لدى إبن عمه ما يكفي من المال.

الافلام القصيرة التي بثها أبناء مخلوف وهم يعرضون سياراتهم الفاخرة في دبي اثارت عاصفة في سوريا، واستخدمت ايضا كدليل على اموال مخلوف، بالنسبة للأسد كانت هذه فرصة لتصفية الحساب مع إبن عمه الذي راكم امواله بفضل كونه إبن العائلة الصحيحة.

مخلوف حتى كان على وشك المواجهة مع زوجة الرئيس أسماء التي تترأس لجنة محاربة تبييض الاموال في سوريا. وقد وجهت لمخلوف تهمة عدم دفع الضرائب، ومعظم املاكه صودرت وعماله تم اعتقالهم وهو نفسه نجح كما يبدو من مغادرة الدولة والانضمام لى أولاده.

قبل وقت قصير من تفجر قضية مخلوف بدأت وسائل الاعلام الروسية بنشر مقالات مسيئة ضد الاسد، فقد وصف كعاجز عن ادارة دولته، وكأنه يدير نظام فاسد وأن من الافضل لروسيا التخلص منه، وقد أحسن الكسندر شوميلم الصنع، وهو دبلوماسي سابق ويترأس معهد ابحاث اوروبا والشرق الاوسط في موسكو الممول من قبل النظام الروسي، عندما كتب بأنه "يجب على الكرملن التخلص من وجع الرأس السوري. المشكلة هي مع شخص واحد هو الاسد".

وفي وكالة الانباء الروسية "تاس" بملكية الدولة، نشر مقال كتب فيه "روسيا تخاف من أن الاسد ليس فقط غير قادر على قيادة الدولة، بل هو يمكن أن يجرها الى سيناريو افغانستان".

هذه المنشورات طرحت بصورة طبيعية التقدير بأن روسيا بدأت تتنصل من الأسد وبناء قيادة جديدة تستند الى حكومة خبراء تشارك فيها كل التيارات والفصائل من كل الطوائف، بحيث تطبق الدستور الذي تقترحه روسيا، حكومة كهذه تستطيع حسب رأي روسيا أن تحظى بالشرعية الدولية التي يمكن أن تشكل المحرك لتمويل هبات وتبرعات لاعادة اعمار سوريا تحت عيونها المفتوحة ويدها التي تنبش لموسكو، ولكن هذه الخطة يمكن أن يتبين بأنها غير مناسب.

روسيا تعرف ربما اكثر من أي جهة اخرى في سوريا كم هو صعب بناء تحالف متفق عليه من المليشيات والحركات والفصائل المستعدة لقلع الواحدة عين الاخرى، ما زال يجب عليها حل مشكلة ادلب لضمان سيطرة النظام على جميع أراضي الدولة، وعليها أن تقوم بعمل سحري يتمخض عنها زعيم قوي ومتفق عليه بدلاً من الأسد، ربما يكون المكبس الضاغط الذي تستخدمه روسيا الآن على الاسد يستهدف تدجينه وجعله يقدم تنازلات لقوى المعارضة كي تستطيع روسيا استكمال العملية السياسية.