الإثنين 08 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

شكرًا تركيا.. قد أدَّيْتِ الواجب.

14 مايو 2020، 09:57 ص

أوَّلُ عمل قام به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فور وصوله لمهجَره في المدينة المنوَّرة، بناء مسجده الشَّريف، وبعد بناء المسجد مباشرة، قام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، والمهاجرون هم الذين أسلموا قبل فتح مكة، وهاجروا إلى الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم في المدينة واستوطنوها، وتركوا بلادهم وأموالهم وأهليهم، رغبة فيما عند الله، وابتغاء مرضاته، ونصرة لهذا الدين. وأمَّا الأنصار فهم أهل المدينة النَّبويَّة، الذين استقبلوا الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه المهاجرين، وآووهم في المدينة، وقاسموهم أموالهم، ولم يبخلوا عليهم بشيء، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم، واصفًا حال المهاجرين: ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) الحشر: 8.
وهذه شهادة من الله عزَّ وجلَّ لهم بطهارة قلوبهم، وأنَّهم ما خرجوا من ديارهم وأموالهم من أجل دنيا يصيبونها، وإنَّما خرجوا طلبًا فيما عند الله، ونصرة لدينه، والحصول على مأوى آمن من أعدائهم، وكانوا صادقين في إيمانهم وأعمالهم وأقوالهم.
ويقول الله تعالى في كتابه الكريم، واصفًا حال الأنصار: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر: 9.
الذين تبوؤوا: سكنوا، الدار: يثرب "المدينة المنورة"، والإيمان: آمن كثير من الأنصار، عن طريق رسولِ رسولِ الله للمدينة مصعب بن عمير - رضي الله عنه - قبل كثير من المهاجرين، فهؤلاء الأنصار أحبُّوا الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه المهاجرين محبة صادقة: ( يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ )، ولم يحسُدوا المهاجرين على ما أعطاهم الله عزَّ وجلَّ من الفضل والشَّرف، لأنَّ المهاجرين أفضل من الأنصار، ولهذا قال الرَّسول صلى الله عليه وسلم: ( لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ ) رواه البخاري، وهؤلاء الأنصار كانوا كرماء مع المهاجرين، أعطوهم أموالهم، رغم حاجتهم إليها ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) ثم شهد الله تعالى لهم بالفلاح، جزاء لهم على هذه الأعمال الجليلة.
ومن ضمن الصَّحابة الذين آخى بينهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: عبد الرحمن بن عوف المهاجر، وسعد بن الربيع الأنصاري، وإليك ما دار بينهما، أمسك سعد بيد أخيه عبد الرحمن، وقال له: هيَّا يا أخي للبيت، فانطلقا معًا، فعندما دخل الأخوان منزل سعد، قال سعد لأخيه: أملك من الدنيا هذه الدَّار، يوجد فيها بيتان، بيت في الأعلى، وبيت في الأسفل، وعندي هذا المال، ولي زوجتان، فاختر أحد البيتين، والمال بيننا مناصفة، لك دينار، ولي دينار، وانظر لزوجتيَّ هاتين، فاختر أيّها تريد، أطلّقها ثم تعتد، فإذا انقضت عدتها، تتزوجها أنت، فَقَالَ عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلَّني على السُّوق، وأخذ منه دينارين، وصار يتَّجر بهما في سوق بني قينقاع، فربح مالًا، وأعاد لأخيه ما استدانه منه، فكان من الأنصار البذل والعطاء والسَّخاء والكرم، وكان من المهاجرين العفَّة والإباء والجِدُّ والعمل، وقد أكرم الله تعالى عبدَ الرحمن بن عوف بالرِّبح من التِّجارة، فخَلَّف لورثته مالاً عظيماً، حتى بلغ بعد نفاذ وصيَّته، قطيعاً من الإبل يبلغ عدده ألف بعير، وثلاثة آلاف من الشِّياه بالبَقِيع، وترك مئة فَرَس كانت تَرعى بالبقيع، وكانت له أيضاً مزرعة بالجُرْف على عشرين ناضِحاً، كانت تُدِرُّ عليه وعلى أهله قُوت كُلّ سَنَة تكفيهم، وقد كان نصيب تُمَاضِر بنت الأصْبَغ من تركته رُبع الثُّمن، وهي إحدى أربع زوجاتٍ له، كان قد طلّقها قبل وفاته، فخرجت بمئة ألف، كما تَرَك ثلاث نِسوة غيرها، فكان نصيب كُلِّ واحدة منهن من تَركته مبلغ ثمانون ألفًا، وعلى فرض بَلَغ مقدار رُبع الثُمن لكل واحدةٍ من زوجاته من تَرِكته مائة ألف درهم على الأكثر، وثمانين ألف درهم على الأقلّ، فإنّ مجموع تَرِكة عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- تكون ما يقارب (3200000) درهم على التقدير الأعلى، أو تكون على التقدير الأقل (2560000) درهم، وهو مَبلَغ كبيرٌ جداً، وتركة عظيمة القدر خصوصاً في تلك الأيام، التي كان فيها المال شبه معدوم، ومع كل تلك المبالغ التي تركها عبدالرحمن بن عوف؛ إلّا أنّه كان كثير الإنفاق، كما أنه لم يُقصِّر مُطلقاً في دَفْع زكاة أمواله، ولا دفع الصدقات والعطايا وغير ذلك مما كان ينفقه، وكان مَصدَر جميع ثروته حَلالاً.
أمَّا سعد بن الرَّبيع الأنصاري - رضي الله عنه - فقد كان من أكثر الأنصار مالًا، وخلَّف مالًا دهاقًا، بارك الله له في ماله، ببركة دعاء أخيه عبد الرحمن بن عوف له، واستشهد يوم أحد، حيث قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، عقب انتهاء غزوة أحد: ( مَن رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ) فقام خارجة بن زيد يطلبه، يقول خارجة: فنهضت أطلبه، فطفت بين القتلى، فأصبته وهو في آخر رمق، وبه سبعون ضربة، فأخبرته أنَّ رسول الله يقرؤك السَّلام، ويسألك: كيف تجدك ؟ فقال: على رسول الله وعليك السَّلام، قل له: يا رسول الله !! أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله، إن خلُص إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وفيكم عين تطرف، وفاضت روحه إلى خالقها رضي الله عنه، وعن الصَّحابة أجمعين.
أحلى كلمة، وأجمل عبارة، نطق بها رئيس دولة، وقف بصدق وإخلاص وثبات، بجانب إخوانه السُّوريين في ثورتهم، كلمة وعبارة الرَّئيس التُّركي: محمد رجب طيب أردوغان، حيث قال مخاطبًا من هاجر إلى تركيا من السُّوريين: ( أنتم المهاجرون، ونحن الأنصار ) كلمة لها دلالاتها البعيدة، عبارة فيها دفء وعطف وحنان، لفظة لها امتداد عبر تاريخ أمَّتنا العريق، والحقُّ يُقال: إنَّ تركيا قدَّمت واجبها الشَّرعي تجاهنا كسوريين، تركْنا ديارنا وأموالنا وأرضنا وممتلكاتنا، وهاجرنا لتركيا طلبًا للأمن والأمان، لأهلنا وذرارينا، من بطش أعداء الملة والدِّين والإنسانيَّة، وقد تلمَّس كلُّ سوريٍّ في ربوع تركيا كلَّ خيرٍ ونعمة، والشَّعب السُّوري شعبٌ حيٌّ متحرِّك ونشيط، سُرعان ما انطلق يعمل ويسعى لكفاية نفسه وعياله، وساهم المهاجرون السُّوريُّون في تنمية وبناء الحياة الاقتصاديَّة بتركيا، ففتح المهاجرون السُّوريُّون آلاف الدَّكاكين، في كافَّة المدن التي سكنوها، وبلغ عدد الشَّركات السُّوريَّة المئات، والتي تأسَّست في تركيا، خلال عام 2018م ارتفع بنسبة 85 بالمئة، أي أنه يعادل ما نسبته 11.8 بالمئة، من إجمالي عدد الشَّركات الأجنبية في تركيا، فلم يرضَ المهاجر السُّوري، بل أنفت نفسه أن يتلق المساعدات المقدَّمة له، وقال قولة عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه- : ( دلُّوني على السُّوق ).
أصبحت تركيا اليوم ملاذًا آمنًا للمظلومين، وأمًّا رؤومًا للمضطهدين، ولا غرو في ذلك، فقد كانت راعية للمسلمين في العالم، قبل قرن من الزَّمان، وكانت تحكم نصف الكرة الأرضيَّة المأهولة بالسُّكان، وما ضاع المسلمون وضعفوا؛ إلا عندما سقطت الخلافة العثمانيَّة، لأسباب عدَّة، ومن أهمِّها وجود الخونة والدُّخلاء والعملاء في الأمَّة، كأمثال أبي رغال، والشَّريف حسين، والظَّاهري، ولورانس العرب، وغيرهم.
ختامًا أقول:
شكرًا تركيا حكومة وشعبًا، فقد أدَّيت الواجب الشَّرعيَّ المطلوب منك، تجاه من هاجر إليك من سوريا، واستمرِّي على ذلك بلا توقُّف ولا تردُّد، ولا يضيرك كيد الكائدين، والمعوقين، والبطالين، الذين لا يتعدَّى تفكيرهم أرنبة أنوفهم، واطلبوا -إخواني الأتراك - المقابل من ربِّكم، لتنالوا أجركم وثوابكم عند الله وافرًا، وثقوا ثقة تامَّة أنَّ إخوانكم المهاجرين السُّوريين، يدعون لكم صباح مساء، ولن ينسوا لكم وِقفتكم معهم في محنتهم وقضيتهم.
كما أتوجه لأهلي وشعبي السُّوريِّ، الذين يُقيمون على أرض تركيا، فأقول: كونوا عند حسن الظنِّ بكم، عيشوا مع إخوانكم الأتراك، كما عاش الصَّحابة الكرام من المهاجرين والأنصار، فهم قدوتنا وأسوتنا، لا نتدخل في الشَّأن التُّركي، فأهلها أدرى بشؤونهم منَّا، لا ننازعهم في أمور دينهم ودنياهم، ولو لاحظت شيئًا ما، فبالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تجادل ولا تماري معهم، ادفع بالتي هي أحسن دائمًا وأبدًا، والله كريم أن يعجِّل لنا بالفرج، وأن نعود إلى ديارنا سالمين غانمين منتصرين فرحين، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيَّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.