الجمعة 05 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

أيُّ ألم أكبر! .. البحث في صور "قيصر"

23 يونيو 2020، 09:11 م

اليوم تجري أكبر وأصعب عملية بحث، في أكبر أرشيف مصوّر للقتلى تحت التعذيب في التاريخ، يجريها ذوو المعتقلين من السوريين في ما يعرف بصور "قيصر"

يبحثون عن ماذا؟ .. في الحقيقة هم يبحثون عن قتل بصيص الأمل الذي لديهم بأن يروا أحبابهم بينهم مرة أخرى، يبحثون بين صور الشهداء الكثيرة جداً، ويحتملون ما لا يطاق بينما هم كذلك، في موقفٍ تسحن فيه قلوبهم، وتحترق أعصابهم، وتضيق به أنفاسهم.

 

أيُّ ألمٍ أشدُّ من البحث في صورٍ جثث مشوّهة، وأجسادٍ ممزّعة رقّ لحمها ودقّ عظمها وفقئت عيونها وشوّهت ملامحها، إلا ألم الوقوع على صورةِ من يبحثون عنه وهو في مثل هذه الهيئة ! والحديث عن الألم ليس مثل الاكتواء به، و"لا يؤلم الجرح إلا بمن به ألمُ"، فإنك لن تستطيع تخيله إذا عايشته، ولكن حسبك أن تعلم أن رجلاً يدعى "أبو يوسف" يقيم في الشمال السوري، قضى ألماً وقهراً وكمداً بأزمة قلبية بينما هو يبحث عن ولده يوسف المعتقل منذ سبعة أعوام، لم يعلم عنه شيئاً ومات ولم يرَ صورته!

 

عليهم أن يمحّصوا ويطيلوا النظر في كلّ صورةٍ من تلك الصور، لأن الحقد الذي حرّك الجلّادين ليفعلوا ما فعلوه بالمعتقلين، جعل من الصعب أن يتعرف الوالد والوالدة على ابنهما، والزوجة على زوجها إلا بإطالة النظر والتدقيق لتمييزه.

 

يبحثون عن الحقيقة الموجعة، وكلهم أمل ألا يجدوا ما يفتّشون عنه! ولعلهم إذا علموا مصير من يبحثون عنه؛ سكنوا قليلاً واطمأنوا إلى أن فقيدهم أصبح في جوار رب كريم؛ فلن يذوق بعد اليوم سوط الجلّاد وفنونه في العذاب التي تفوق بها على أعتى الأنظمة المتوحشة في التاريخ، فلا تبزّها النازية ولا تجاريها محاكم التفتيش الإسبانية.. كل هذا التوحش لن يؤثر به مرة أخرى !

 

سيسكنون قليلاً ثم يشتعل ألم الفقد بلا أمل بالعودة، ولن تفارقهم أبدَ دهرهم تلك الصورة الأخيرة، والتي أمعنوا النظر فيها كثيراً وحفظوا كل تفاصيلها المريعة، قبل أن يعطوها حكمهم ويعلنوا عن نهاية الحلم الذي عاشوه أكثر من سبع سنوات ينتظرون فقيدهم أن يعود ... تلك الصورة تنطق وتعبر أحسن مما تعبّر به أيُّ لغة، فيفهما العربي والأعجمي .. إنها تعبر بلغة الألم الذي ذاقه كل واحد من أولئك الشهداء الآلاف الذين قضوا تحت التعذيب في سجون أقذر عصابةٍ عرفتها البشرية.

 

وما ذنب أولئك المعتقلين؟ .. ما ذنبهم إلا أنهم ولدوا أحراراً، وأرادوا يوم سمعوا هتافات الحرية تزلزل جبلاً من سنوات الاستبداد والظلم استقرّ في بلدهم، أن يكونوا في موكب "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"، يريدون الخير لوطنهم ولشريعتهم ولأولادهم وأحفادهم من بعدهم.. ذنبهم أنهم أحرار ثاروا لأجل "الحرية" في وطنٍ يرأسه العبيد، وأيّ عبيد!

كان الله في عون السوريين لم يذق أحد كما ذاقوا !