الجمعة 19 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

دبابة وثلاث انقلابات

17 يوليو 2020، 11:25 ص

ليلة الرعب

 كانت ليلة صعبة على كل عشاق الحرية في المنطقة، إن الذي جعلنا نتابع بخوف وهلع أحداث الانقلاب في تركيا  ونحن لسنا أتراكاً، أننا شعوب سرقت أيادي العسكر أحلامنا مرارا وتكرارا، فبتنا نخاف على اي نموذج يمنحنا الأمل في أننا أيضاً سنحقق ما حققه، التجربة التركية بصيص أمل يؤنس وحدتنا في ليل الضعف الذي طال.

هل ستتكرر مأساة الجزائر ومصر في تركيا؟، هل ستعود تركيا من جديد الى حضن العسكر؟، أسئلة طرحت كثيرا تلك الليلة والحقيقة أنه لا وجه للمقارنة بين انقلاب الجزائر وانقلاب مصر وانقلاب تركيا.

دبابة الجزائر

 في الجزائر استطاعت الجبهة الاسلامية أن تكسب  تأييد الأغلبية الساحقة من الشعب، لكنه تأييد فتي غير مؤطر أو مهيكل لأن الأحداث المتسارعة لم تمنح  الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولا الصحوة الاسلامية عامة مهلة الأعداد، تأييد عاطفي يشبه الحب من اول نظرة، لكنه حب لم يذق حلاوة العشرة التي ذاقها الشعب التركي من انجازات اردوغان، تأييد شعبي بدون مساندة من أي مؤسسة سيادية وجد نفسه يواجه دبابة الدولة العميقة المؤيدة من سيد ما وراء البحار الأشقر، في سنوات لم يكن لصرخة البسطاء اعلام ينقلها.

دبابة السيسي 

أما اخوان مصر فهم ضحية التسرع في التقاط ثمار ثورة لم تكمل مسيرتها، ثورة تركت للدولة العميقة قيادة  أهم الأسلحة: الإعلام، الأزهر، القوات المسلحة ،المخابرات، أمن الدولة، القضاء، اختار الاخوان ومعهم أغلب النخب السياسية بمختلف توجهاتها الصفقات السياسية كحل سريع ظنوا أنه سينقذ مصر من مخاطر الثورة المفتوحة، وغادروا ميادين الثورة قبل انتهاء المعركة فخسروا شريحة هامة من طلاب الحرية الذين لا لون ولا أيديولوجية لتحركهم الثوري، شباب تمسكوا بالميادين وتعالت صرخاتهم تحذر من تدخل العسكر  في الشأن السياسي، فاتهموا باللاوعي وتركوا لوحدهم في مواجهة العسكر، فكانت تلك بداية الانهيار الثوري، بداية تمزيق الصف الثوري لتتحول هذه الشريحة النقية إلى القشة البيضاء التي استغلها الانقلاب الأسود  لتسويق نفسه كثورة، مدعوماً بإعلام وأزهر وعسكر وبوليس ومخابرات وقضاء الدولة العميقة.

الشارع المصري انقسم فعلياً بين مؤيد للخسيس ومعارض له، مؤيد تحميه الدبابة وكل المؤسسات السيادية،  ومعارض تقتله الدبابة وكل المؤسسات السيادية، وعي التيار الإسلامي في مصر وتجذره  في عمق المجتمع المصري عبر المساجد والجامعات والنقابات والجمعيات الخيرية والمجتمع المدني لم يكن كافياً لمواجهة انقلاب يسيطر على قيادة مؤسسات الدولة ويتلقى الدعم التام من المجتمع الدولي.

الدباية التركية 

أما أردوغان وحزبه فأظنهم تعلموا الدرس من تاريخ النكبات المحلية والاسلامية والعالمية، وأحسنوا سحب البساط بنعومة من تحت أرجل العسكر ليهيمنوا على قيادة أهم مؤسسات الدولة، وهي قيادة الأركان، والشرطة، والمخابرات، والإعلام، فأوردوغان لم يفشل الانقلاب بشعبيته وحدها بل لأنه رجل دولة، والتعامل الرزين مع الانقلاب يؤكد أن هناك  خطة معدة بخبرة وحكمة ودراسة ودراية تامة بمعطيات الواقع وكواليسه، لمجابهة الانقلابات المحتملة في تركيا التي تملك تاريخاً حافلاً بالانقلابات.

 تركيا التي أصبحت قوة تخيف أرباب الهيمنة وأسياد احتكار القوة الدولية، خطة رسمتها سنين من المراوغات الحكيمة من حزب سياسي لجنرالات لا يفهمون إلا لغة القوة، لتوصل كرة التمكين إلى شباك أهم مراكز القوة التي يحتاجها نظام سياسي ليتحكم في زمام الأمور.

نعم خرج الشعب التركي بكل أطيافه ليس دفاعاً عن أردوغان كشخص، بل عن اختياره، عن الدولة المدنية التي أنهت الهيمنة العسكرية، عن الديموقراطية التي تحترم إرادة الشعب، المعارضة التركية بما فيها التيار العلماني المتشدد دافعت كذلك عن الشرعية وخرجت ضد الانقلاب لأنها تدرك أن الدبابة ليست رفيقاً للديموقراطية ولا شريكاً فيها، لأنها أيضاً تجرعت مرارة حكم العسكر.

إنها الشرعية الحقيقية التي لا تبنى بالخطابات الشعبوية والوعود الكاذبة ولا التضليل الإعلامي، بل ترسخ  بالثقة المتبادلة بين الشعب ومؤسساته السيادية للحفاظ على المكتسبات الديمقراطية. 

التحديات أمام تركيا لا تزال كبيرة، لكن فشل الانقلاب فيها قد غير حتماً صورة الانقلابات العسكرية في المنطقة، وأعاد للشعوب المظلومة الأمل في تحقيق التغيير بعدما انطفأ بريقه إثر انتكاسة الربيع العربي، وهو ما سيدفع قوى الظلام للعمل على إعادة الأحداث إلى حضن تلك الانتكاسة من جديد، رقبوا المزيد من الأحداث في المنطقة ككل.