الأحد 07 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

بين ياسر خلف الفارس وحافظ بشار الأسد

06 اغسطس 2020، 01:14 م
بين ياسر خلف الفارس وحافظ بشار الأسد

إبراهيم العلوش

كاتب سوري

06 اغسطس 2020 . الساعة 01:14 م

خطفت عصابة قبل أيام الطفل ياسر خلف الفارس في محافظة الرقة، ووجده أهله في اليوم التالي مشنوقًا على واجهة أحد المباني المدمرة، وقبل أيام أيضًا أعلنت الحكومة الأمريكية حزمة من العقوبات تضمنت اسم حافظ بشار الأسد، فما الذي يجمع هذين النموذجين من الجيل الجديد في سوريا؟

حافظ الحفيد البالغ من العمر 19 عامًا مرشح من قبل عائلته لوراثة سوريا، بعد والده الذي دمرّ ثلاثة أرباع المدن السورية، وتعمل والدته بنشاط من أجل أن تجعل هذا التوريث حقيقة داخلية ودولية، كما فعلت عائلة الأسد عندما نقلت الحكم من حافظ الأسد إلى ابنه بشار.

بينما لا أحد يعرف شيئًا عن والدة الطفل ياسر خلف الفارس في الرقة، ولعل الجيل الجديد من عائلة الأسد لم يسمع بمدينة مثل الرقة، المدينة المهملة في مزرعة الأسد التي تحتفي بدمشق وبحلب وباللاذقية، وبالقرداحة أيضًا حيث يوجد قبر حافظ الأسد.

فاجأت العقوبات الأمريكية حتى والدة الحفيد أسماء الأسد، ذلك الحفيد الذي ولد وفي فمه ملعقة من الذهب، وكان طوال الوقت محاطًا بجمهور من المادحين والمهللين منذ أن فتح عينيه على الحياة، وكانت الإدارة الأمريكية قد ضمت اسم أسماء الأسد على قائمة العقوبات قبله، بعد أن برز اسمها كبديلة لرامي مخلوف، صرّاف عائلة الأسد وخازن أموالها التي جنتها عبر عقود من احتكار الاقتصاد والسياسة، واحتكار حتى حركة المجتمع السوري.

ياسر خلف الفارس هزّت جثته أهل الرقة، وتداول السوريون صورته عبر العالم، وجعلوه أيقونة للعذاب السوري، ورمزًا إلى ما وصل إليه السوريون من بؤس ودمار أكمل إنجازه الأسد الأوسط. فالرقة المدينة، التي كان يعيش فيها المغدور، كان قد بدأ بشار الأسد بتدميرها منذ العام 2012، وكانت المدفعية تقصف ضواحي المدينة ليل نهار، لتكمل الطائرات وصواريخ “سكود” والبراميل المتفجرة تدميرها، ولتفتح الطريق أمام تنظيم “الدولة” وإرهابييه الذين كان يستضيف قادتهم بشار الأسد، وقد أعلن العفو عنهم (بمنتهى الرحمة!) مع تصاعد المظاهرات المطالبة بالحرية وبوقف حكم المخابرات المستبد ضد السوريين.

في نفس الوقت وفي أثناء ممارسة أعمال ذلك الدمار، كان الطفل حافظ بشار الأسد يعيش برفاهية في قصور والده التي ورثها عن جده بعد أن استولى على موارد السوريين منذ عام 1970، وفي نفس الوقت الذي كانت فيه المدارس تقصف بالرقة، كان حافظ الحفيد يشترك في مونديال علمي في أمريكا اللاتينية، وكانت والدته تصر على أن يكون الأول في المونديال ولو زورًا، فهو بنظرها ليس مجرد طفل مثل كل أطفال الدنيا، عدا عن رفضها القاطع لأن يكون مجرد طفل سوري، أو أن يكون مثل ياسر خلف الفارس مثلًا!

قد يكون الفتى حافظ غير آبه بكل ترتيبات العائلة، ومن الجائر تحميله جرائم والده وجده، ولكن القرار الأمريكي تضمّن اتهامًا بإدارة حسابات باسمه، سواء من قِبله أو من قِبل من ينوب عنه لدعم نظام الاستبداد في سوريا، خاصة أن والدته قد عملت سابقًا في عدة مصارف.

أما والدة ياسر خلف الفارس البالغ من العمر 12 عامًا، فهي بالكاد تسهم بإعالة عائلتها الفقيرة، وتدير ما تبقى لديها من غذاء من أجل إطعام أطفالها في زمن الحرب الذي يرفض بشار الأسد إيقافها إلا بعد أن يركع السوريون أمامه وأمام داعميه الإيرانيين والروس، ويعلنون ندمهم عن المظاهرات وعن الاحتجاجات، ويسلّمون أولادهم لفروع المخابرات لمحاسبة كل من شارك في مظاهرة أو من ابتسم او فرح بشق صوره أو بتكسير تماثيل والده.

لولا هذا الخراب وهذا الإرث الكارثي، كان من الممكن أن يكون حافظ بشار الأسد مثل أي طفل سوري، وكان من الممكن أن يكون في نفس الجامعة التي كان سيدرس فيها ياسر أو يصبح معيدًا أو أستاذًا جامعيًا مثله مثل كل سوري يكسب رزقه من عمله ومن علمه، وكان من الممكن أن يذهب بزيارة مع طالبه ياسر إلى الرقة، لو لم تكن الرقة مدمّرة من قِبل نظام والده، ذلك النظام الذي تخطط

عائلة الأسد ووالدته من أجل توريثه له بكل تاريخه وبكل جرائمه، وكأنما الوالدة الطموحة لا تزال مصرّة مع عائلة الأسد على التخطيط لشنق حافظ الحفيد بهذه الترِكة من الدمار والخراب، تمامًا مثلما فعلت العصابة التي شنقت ياسر خلف الفارس في الرقة.