الجمعة 08 مارس 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.06 ليرة تركية / يورو
39.73 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.62 ليرة تركية / ريال قطري
8.37 ليرة تركية / الريال السعودي
31.39 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.06
جنيه إسترليني 39.73
ريال قطري 8.62
الريال السعودي 8.37
دولار أمريكي 31.39

قوانين سورية تسلب المواطن ملكياته العقارية.. تعرف إليها

12 اغسطس 2020، 02:32 م
قوانين سورية تسلب المواطن ملكياته العقارية.. تعرف إليها

رياض علي

قاضي سوري

12 اغسطس 2020 . الساعة 02:32 م

من المسلّم به أن الأنظمة الشمولية التي دأبت على سلب مواطنيها حيواتهم وحرياتهم وكراماتهم، لن تتوانى عن سلبهم ممتلكاتهم العقارية إمعانًا في إذلالهم وإفقارهم ودفعهم إلى التركيز على تأمين لقمة العيش دون التفكير بما يُحاك ضدهم وضد دولهم من خراب ودمار، وتُعتبر أنظمة الحكم السورية المتعاقبة من الأنظمة السبَّاقة والمحترفة في هذا المجال، خاصة بعد اعتلاء حزب “البعث” سدة الحكم عبر انقلاب 8 من آذار 1963، الذي سُمي رغمًا عن الشعب السوري بـ”ثورة الثامن من آذار”.

ومع أن الدساتير السورية المتعاقبة أكدت على قداسة وصون حق التملك العقاري، وعدم جواز حرمان المالك من هذا الحق إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل، بقيت تلك النصوص حبرًا على ورق في أكثر الأحيان، وكان دستور 1973 هو الأكثر لفتًا للانتباه بما يخص الملكية الفردية، إذ اعتبر أن وظيفتها الاجتماعية تكمن في خدمة الاقتصاد القومي بإطار خطة التنمية، ولا يجوز أن تتعارض في طرق استخدامها مع مصالح الشعب، ويبدو أن هذه المصطلحات الغامضة والفضفاضة قد ذُكرت عن سوء نية في الدستور، لفتح الطريق أمام النظام الحاكم وأذرعه بمصادرة وسلب ممتلكات المواطنين، لا سيما المعارضين منهم، وبالفعل صدرت العديد من القوانين السالبة للملكية الفردية في ظل أحكام هذا الدستور الذي جثم على صدور السوريين حتى عام 2012، حين تمت كتابة دستور “جديد” جاء نسخة شبه مستنسخة عن سابقه، باستثناء بعض الرتوش التي لم تكن قادرة على إسكات صوت الشعب المطالب بإنهاء الاستبداد وسنوات حكم الفساد والإفساد.

ومن أوائل القوانين التي ضربت بكل العهود والمواثيق الدولية والدساتير السورية المؤكدة لقدسية حق التملك عرض الحائط، قانون الإصلاح الزراعي رقم 161 لعام 1958 الذي وضع حدًا أقصى للملكية الزراعية، ومنح الحكومة الحق بالاستيلاء على المساحات الزائدة عن الحد المسموح به مقابل تعويض زهيد يحسب على أساس عشرة أمثال متوسط بدل إيجار الأرض لدورة زراعية لا تتجاوز ثلاث سنوات، وفي ظل دستور عام 1973، الذي حمل في طياته نصوصًا تحتمل أكثر من تأويل كما ذكرنا آنفًا، صدر قانون تقسيم وعمران المدن رقم 9 لعام 1974، الذي منح الجهات الإدارية الحق باقتطاع ثلث مساحة المنطقة الخاضعة للتنظيم للمصلحة العامة، وقد يصل هذا الاقتطاع إلى النصف مجانًا ودون تعويض، كما أن القانون رقم 26 لعام 2000 منح الإدارة الحق في اعتبار مناطق بعينها مناطق توسع عمراني، وأعطى الحق للجهات الإدارية باستملاكها وفق شروط معينة غالبًا ما كانت توضع لمصلحتها، وقد صدرت العديد من القوانين العقارية التي كان الهدف منها سلب المواطن ممتلكاته، ومنها على سبيل المثال قانون التطوير والاستثمار العقاري رقم 15 لعام 2008، وقانون التخطيط وعمران المدن رقم 23 لعام 2015.

ولعل أكثر القوانين إثارة للجدل وجلبًا للأضواء هو القانون رقم 10 لعام 2018، ورغم أن غايته تكمن كالقوانين السابقة في سلب ونهب الملكيات العقارية للمواطنين، فإن التوقيت الذي صدر فيه بعد سنوات من اندلاع الثورة السورية، وتوفر مساحة من حرية التعبير عن الرأي لدى السوريين، لا سيما من تمكن من مغادرة البلاد والتخلص من بطش النظام، أسهم في تسليط الضوء عليه بشكل أكبر، بدليل أن قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983 كان أكثر فداحة من كل القوانين المذكورة سابقًا، لكن سياسة الترهيب التي كانت تمارس بحق الشعب السوري آنذاك، منعته من الاحتجاج أو الاعتراض، فقد منح قانون الاستملاك جميع الجهات العامة للدولة بما فيها حزب “البعث” الحق باستملاك أي عقار جَبرًا بحجة النفع العام، مقابل تعويض زهيد جدًا، وصل إلى حد أن بعض المالكين الذين سُلبت منهم عقاراتهم بموجب هذا القانون لم يراجعو دوائر الدولة لقبض التعويض البخس، الذي غالبًا ما كان يُمنح بعد مرور عشرات الأعوام على عملية الاستيلاء، وكان تقدير قيمة العقار يتم على أساس الأسعار بتاريخ الاستيلاء، ناهيك عن بعض القوانين التي منحت الحق للمحاكم، لا سيما الاستثنائية منها، بمصادرة ممتلكات المتهمين أمامها، خاصة عندما يكون هؤلاء الأشخاص من المعارضين للنظام الحاكم، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر القانون الخاص بمكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012.

لكل ذلك، وفي حال البدء بإجراءات العدالة الانتقالية، وبناء جسور التواصل بين السوريين، والسعي لتأمين البيئة الآمنة والمحايدة التي يتحدث عنها المجتمع الدولي كبند من بنود الاتفاق السياسي المرتقب، الذي يفترض به رسم خطوط النهاية للمحرقة السورية، سيكون المطلوب من الحكومة التي ستتمخض عن هذا الاتفاق، مراجعة جميع تلك القوانين غير المنصفة، التي طُبّقت بحق كثير من السوريين، وإلغاء ما يجب إلغاؤه وتعديل ما يجب تعديله، وإصدار قوانين جديدة تحقق الاحترام التام لحق الملكية الخاصة المنصوص عليه في كثير من العهود والمواثيق الدولية.