السبت 04 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.92 ليرة تركية / يورو
40.78 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.62 ليرة تركية / الريال السعودي
32.35 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.92
جنيه إسترليني 40.78
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.62
دولار أمريكي 32.35

مجمع يلبغا وصمة العار الدمشقية

البناء الذي أصبح سخرية السوريين وأكبر شاهد حيّ على فساد آل الأسد

19 يونيو 2021، 04:49 م
مجمع يلبغا
مجمع يلبغا

هالة القدسي

صحفية سورية

19 يونيو 2021 . الساعة 04:49 م

تطوير وتأهيل وإدارة واستثمار مع فندق ومطاعم  وصالات ألعاب ودور سينما وصالات عرض ومركز تسوق ضخم بالإضافة إلى خدمات رجال أعمال و قاعات اجتماع ومرآب طابقي،، كل ذلك في  بناء واحد.

ربما يتبادر للذهن أننا نتحدث عن مشروع  ضخم في دول الخليج أو أوروبا، ولكن هذه المرّة ،ابتسم أنت في سوريا.

إنه مجمع يَلْبُغَا أحد أهم أساطير النظام السوري وكراماته.. وسط دمشق.

فما هو السر الخفي القابع وراء هذا البرج الذي يعتبر مثالاً حياً على الفساد في زمن آل الأسد؟.

بدأت دراسة المشروع الواقع بالقرب من منطقتي المرجة والبحصة منتصف الستينيات أي مع بداية تسلم حزب البعث للسلطة.

تمت تسمية المجمع بيلبغا لأنه أُقيم على جزء من أنقاض جامع الأمير سيف الدين يلبغا والي الشام المملوكي.

ولكن في بداية السبعينيات تم هدم الجامع وشطبه هو ومَرَافقه من سجلات الآثار التاريخية ثم أعيد بناء جامع صغير عوضاً عنه بداية 2003، تم تشييده على نفقة صابر بن محمد خير حمشو ،ولكنه لا يشكل ربع مساحة الجامع القديم.

أيقونة الفساد

نامت الدراسة على الورق حتى عام 1973، حيث  بدأ إنشاء البرج من قبل مؤسسة  الإسكان العسكري الراعي الرسمي والأوحد  لجميع المشاريع في سوريا، وذلك برئاسة  قريب حافظ الأسد رياض شاليش.
ولكن البناء الذي يتألف من 11 طابقاً و يتكون من كتلتين تبلغ مساحة الأولى 4800 متر والثانية 6700 متر توقف  لدخوله في متاهة المعاناة والمشاكل التي حالت دون استمرار بنائه، كظهور المياه الجوفية تحته بسبب عدم دراسة البنية التحتية بشكل كافٍ وخاصة أن البناء يقع بالقرب من فرع لنهر بردى.
ومن الأسباب الأخرى أيضاً نقص الحديد والإسمنت نتيجة السرقات  والفساد والخلاف الحاصل على ترسيم حدوده مع محافظة دمشق.

عام 1990 عادت مؤسسة الإسكان لمتابعة إعماره وانتهت منها في عام 2004 حيث أُنفق على البناء الذي لم يُكسى حوالي 700 مليون ليرة سورية أي سبعة أضعاف الكلفة الإجمالية التي كانت مقدرة لإتمام بنائه وإكسائه.

من ديني إلى ترفيهي

تم الاتفاق على أن يكون المجمع جامعاً للكليات والمعاهد الشرعية في دمشق وأن يصبح مركز إشعاع فكري وحضاري يمثل واجهة دمشق الثقافية وعمقها التاريخي حيث كانت دمشق موئلاً لطلبة العلم من كافة أنحاء العالم.

وبقي اسم مجمع يلبغا للعلوم الشرعية مكتوباً على البوابة الرئيسية للمشروع  حتى  أواسط التسعينات.

وبعد موت باسل الأسد  تم تغيير اسمه حيث أطلق عليه اسم جديد وليس بفريد لأنه مطروق بكثرة على أغلب المؤسسات والجمعيات والمدارس وحتى ودور تحفيظ القرآن في سوريا.

ثم نال المجمع  شرف اسم جديد هو مجمع باسل الأسد للعلوم الشرعية  ولكن مع بداية الألفية الثالثة أعيد اسم مجمع يلبغا دون أن تعود له صفته الشرعية وإنما تم تحويله إلى مجمع ترفيهي.

سيرتيل في يلبغا

عام 2004 طرحت وزارة الأوقاف البرج للاستثمار من أجل إكسائه بعد أن أعادت اسمه القديم ووقّعت عقدين: الأول مع شركة ميسكا السعودية مقابل 240 مليون ليرة والثاني مع قصر الملكة الإماراتية مقابل 475 مليونًا.

وتزامن ذلك مع محاولة ابن خال بشار الأسد  رامي مخلوف السيطرة على البرج ولكن وزير الاتصالات آنذاك عمرو سالم  ووزير الأوقاف وقتها محمد زياد الدين الأيوبي وقفا ضده.

وبعد فترة اتضح لوزير الأوقاف أن العقود التي وقعتها وزارته  لإكساء البرج  كانت مزيفة، والشركتين السعودية والإماراتية كانتا وهميتان وتم إنشاؤهما من قبل أشخاص سوريين أرسلهم النظام لتوقيع العقد مع الوزارة.

وهنا كان  لا بد من الانتقام من الوزيرين المعارضين لاستيلاء مخلوف على البرج، فالأيوبي خضع بعد الاعتراض للتحقيق متهماً بقضايا فساد، كتعيين أئمة وخطباء مساجد لقاء منافع مادية وشخصية.

بالإضافة إلى تهم أتت  على رأسها تهمة إبرام عقود حول مشروع إعادة تأهيل مجمع يلبغا، حيث لُفّق له إدعاءٌ من شركة الأجنحة الملكية الإماراتية بأنها تعرضت للنصب من قبل وزارة الأوقاف السورية متمثلة بوزيرها الأيوبي.

أما الوزير سالم فكانت عقوبته أنه خضع للتحقيق أيضاً في قضية لدى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ووجهت له تهمة الفساد المالي على خلفية عقد أبرمته شركة "بوكو" الصينية مع مؤسسة الاتصالات للعمل على تقديم خدمة "نظام الفوترة والترابط" في المؤسسة.

وبناء على ذلك صدر مرسوم رئاسي بإقالة الوزيرين.

ومع تعيين وزير الأوقاف الجديد محمد عبد الستار السيد الذي حل محل الأيوبي طرحت وزارة الأوقاف المشروع للاستثمار ولكن المناقصة لم ترسُ على أحد  وأحيل المشروع لطيّ النسيان.

العثور على المنقذ الُمخَلِّص

 بداية 2017 هدد حسين عرنوس وزير الإسكان السابق للنظام ببيع البرج في المزاد العلني إن لم يتم استثماره خلال عام ونصف، فعادت وزارة السياحة في عام  2018 لطرح استثماره رغم أنه يتبع لوزارة الأوقاف ولكن تبادل الأدوار بين حكومات الأسد أمر شائع.

وأخيراً وجد نظام الأسد شخصاً مناسباً ومقرباً منه فرست مناقصة استثماره بصفقة مليارية عام 2019 على  صاحب شركة "نقطة تقاطع" رجل الأعمال وسيم القطان.

أبرم العقد  لمدة  48 عام مقابل مبلغ بدلِ استثمارٍ سنوي بقيمة مليار وسبعمئة مليون ليرة سورية على أن يحوله إلى مجمع سياحي وتجاري خلال 4 سنوات فبدأت ورشات العمل بإكساء المجمع الذي لم ينته حتى اليوم وإنما فقط تم افتتاح مرآب للسيارات تحته يتسع لحوالي 500 سيارة.

أما من طرائف القصص التي حصلت خلال نصف قرن من أجل بناء برج يلبغا أن جيلين من موظفي الحراسة أحيلا للتقاعد قبل افتتاحه وذلك لانتهاء مدة خدمتهم قبل انتهاء بنائه.

وما زال مجمع يلبغا حتى تاريخ كتابة التقرير هيكلاً إسمنتياً بِنِيَّةِ برجٍ، يشكل عورةً في مرجةِ دمشق أهمِ نقاط العاصمة السورية إذ تعاقبت عليه الأجيال ولاتخفى قصته عن كبير أو صغير فيها.

وهكذا تحول يلبغا إلى معلم من معالم المدينة الذي يضرب به المثل بسخرية عن فن دراسة العمارة السورية في القرن الماضي، ليبقى البرج عاراً ينتصب عارياً وسط دمشق منذ نصف قرن من الزمن ينتظر انتهاء فساد نظام الأسد وحكوماته المتوالية.