الإثنين 06 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.92 ليرة تركية / يورو
40.78 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.62 ليرة تركية / الريال السعودي
32.35 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.92
جنيه إسترليني 40.78
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.62
دولار أمريكي 32.35
...

في ذكرى الثورة .... وطنٌ بين ضفَّتَين!

15 مارس 2020، 10:14 ص

كان يقال: الاختلاف لا يفسد للودّ قضية!

لكن الاختلاف عاد في هذه القاعدة ذاتها؛ فأي خلاف هو الذي لا يفسد للودّ قضية؟ أو أي قضية يُقبل فيها الخلاف وأيها التي لا تقبل الاختلاف فلا ودّ معها إن حصل خلاف؟!

فهل هذا في نصّ من نصوص التراث الديني أو الأدبي والتاريخي؛ نعيد اليوم قراءته وتحليله، فيفترق الناس بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما معاً، أو يقع الباحثون في بعضهم لكلامٍ لأبي عبيدة والجاحظ، أو يعجزون عن تقديم فحول الشعراء ليعرفوا – وكأنها قضية مهمة! – مَن هو سيد الشعراء في الجاهلية، فيتنابزون ويحاججون! فهل هذا هو الخلاف الذي يبقى الودّ فيه بين أطرافه؟ ربما .. بل يجب أن يكون.

لكنّ الخلاف الذي يضع العقل في راحة الكفّ فلا تعرف ما تقول فيه هو الخلاف في "الوطن" .. نعم؛ الخلاف في الوطن!

ففي وطني - حيث أكثر شعبه قادة – تجد العجائب؛ فلعل عجائب الدنيا زادت عن سبع وتكدّست فيه؛ فإن طُرح اسم قائد للمرحلة أُديرت حلقة اتجاه القاسم على صفحات وسائل التواصل بين مَن يراه "المخلِّص" ومَن يهوي به في دركات "العمالة" أو "الكفر"!

وإن سقطت بلدة جمدت الدموع في المآقي وانطلقت الألسن تلوك الناس في بيعها والخيانة .. ولكن!

حتى هذه ليست بجديدة علينا؛ لكن المؤلم حقّاً إن جئت تنظر في بلدنا الأصلي "سورية"، بعيداً عن نظر كل فريق في موضع رجلَيه اليوم، تجد عجباً؛ ففي زقاق يُقام عزاء للفقدان، وفي الزقاق الآخر تجد الفرح بالعودة لحضن الوطن!

فأين الوطن؟

إن كان الفريق الأول يبكي لفقدان الوطن، والفريق الآخر يحتفل بالعودة إلى الوطن؛ فأين الوطن؟ ومَن هو المواطن؟!

فإن ابتُليت فكنتَ على مساحة "سورية الوطن" فكان لك أصحاب على امتداد أرضه تجد عجيبة أخرى؛ فيقف عظيمٌ في نظرك مع قاتلٍ وهو يتهلّل فرحاً كأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها لأنه لقاء مع القائد الذي سيفتخر بعد الانصراف بصورته معه، فينشرها مزهوّاً بنصره باللقاء؛ فتصرف عنها وجهك أدباً حتى لا تفسد صورته ببعض الرِّيق مع الحنق والالتهاب في حلقك لصورته مع قاتل أهلك!

وفي وطني – حيث العجائب – جيشٌ كنا نحسبه جيشَ البلد يدافع عنه؛ فما عرفنا له شهيداً لعقودٍ في قضية عادلة، حتى خرجنا نطلب الحرية، فخرج الجيش؛ وليته بقي في نومه! خرج ليقتلنا لا ليدافع عنا، بل جمعَ الجموع من جيوش العالم والمرتزقة ضد الشعب الذي ينتمي إليه؛ ثم يمدحه بعض أبناء الشعب الذين يُذبح أبناؤهم وإخوانهم على يده، وإن صاحَ أحد في الجوار ليرحم الحاكمُ أهلَه قيل: عدوّ خارجيّ محتلّ!

وفي بلدنا "بلد العجائب" تجد شيخاً مع المقاتلين في عين الموت يدفعون الصائل عن أرضهم وأهلهم، وهم يهلّلون ويكبّرون فيقضي مَن كُتب عليه ويمضي آخرون؛ فإن تمّ وجدت عمائم على الضفة الأخرى من "الوطن" يهلّلون كذلك ويكبّرون باسم القائد فرحاً بانكسار الأولين وانتصار الغريب على ابن الوطن، ويغرّدون – أو ينهقون – يشكرون المنتصرين باسمهم على إخوانهم! فلا تعجب للكلام لو أنه منهم فالناس أذواق وأفهام؛ لكنك تعجب لأنهم يوقّعون باسم الله عن "الوطن" و "المواطنين"!

كنا نسخر لإمام معمَّم أن بيده مفتاحاً للجنة لا يدخلها إلا من كان من جماعته، فما بالُ أكثر أبناء "الوطن" يتنافسون على هذا المفتاح – ولا وجود له في الحقيقة – ليصنّفوا الناس بين النعيم والجحيم؛ حتى تجد مَن يحلف بالله على فلان أو علّان فيقطع بمقعده من الجنة أو النار كأنما كُشف له فرآه مستقراً في ذلك المقعد! ثم لا تعرف الكاذب من الصادق في الفرز والتصنيف؛ لأن الاختلاف امتدّ فبلغ دارَ القرار من رقص لمقتول مع الملائكة في الجنان إلى اصطلاء في الجحيم مع الأبالسة المجرمين، فالحمد لله أن غابت عنا الأخرى بعلم الله، وإن كنا ننسى ضوابط الحديث عن الجنة والنار.

في "وطني رحمه الله" كثيرون تائهون اليوم؛ فصابرون يتردد في صدروهم شكّ في استحقاقنا النصر مع عدم الرضا عن قادة العمل، وتمادى قلة آخرون فوصلوا في بحار التِّيه إلى الإلحاد والطعن بالله لشدة ما رأوا وعانوا؛ وهذا ضلال بحقّ! وقصور في قراءة التاريخ!

فأية ثورة أزاحت عن "الوطن" حكماً ضرب جذوره في العالم كله كما فعل نظام الأسد، وانتهت في أيام أو سنوات قليلة؛ إلا إن اقتنعنا أن الثورة الليبية انتصرت وانتهت بمقتل القذافي! أو أن الثورة المصرية انتصرت وانتهت بإزاحة مبارك! أو أن العراق انتصر بمقتل صدّام! أو أن الجزائر انتصرت ثورتها بإزاحة بوتفليقة وتقديم آخر من رجاله!

إن كنا ننظر لحكّام اليوم بعينٍ أرقّ من نِظرتنا لكُليب وجسّاس وما أثارا من الحرب لحمىً افترضه بالقوة وناقة رعتْ فيه، أو ننظر إليهم أنهم أرحم من حُجر وقد قتّل بني أسد بالعصا حتى عُرفوا أنهم عبيد العصا لأنهم حاولوا التمرّد عليه، أو ما فعله كبير المناذرة من استبداد حتى اخترع يوماً للسعادة وآخر للبؤس لفرط جنون العظمة والاستبداد ... إن كنا ننظر لحكّام اليوم على أنهم أقل تمسّكاً بالسلطة وأرحم بشعوبهم من أولئك فالخطأ فينا نحن، وما كان لنا أن نقوم بثورة!

لكن المشكلة تعود فينا في أبناء "الوطن" لنعرف ماذا نريد؛ نريد القائد أم الوطن؟ نريد السلام أو الدماء؟ نريد أهلنا وإخواننا أم الأغراب يملكون رقابنا وينهبون ثرواتنا؟ وننسى أن "وطن" عظيم من قبل "القائد العظيم"؛ بل لعل القزم صار عظيماً لأنه اغتصب هذا "الوطن"، وما القائد وأبوه والعصابة كلها بأكثر من حرف علّة في معجم الوطن!

ولعلنا نحتاج – وما أكثر ما نحتاج! – أن نتذاكر تعريف الوطن!

فهل تلك عجيبة أن نختلف في حدود الوطن أيضاً؟! إنها كذلك حقاً؛ فالوطن أكبر من أن يُحاط بتعريف، لأنها تاريخ ممتد على قرون وأنظمة وحكومات ترجع في بطن التاريخ آلاف السنين، وهو أرض كلها "مفيدة" بساحلها وجبالها وسهولها الخضراء وبصحرائها؛ ألا يكفينا ما تآكلنا منها في غفلة منّا منذ عقود حتى نقطع ما بقي فنوزّعه أو نشهد على توزيعه كأننا "شاهد ما شاف حاجة"! وهو ملايين الناس بين مسلمين ومسيحيين وعلويين من عربٍ وأكرادٍ وتركمانٍ وسريانٍ يعرف كل صادق حجمه في رقعة الوطن؛ ولا يتطاول ليكبر رغماً عن التاريخ الصادق بدعاوى الكاذبين المبطلين، يجمعهم "الوطن" الذي كان أجمل ما يكون حينما كان هو الأعلى في الحسابات؛ فهو فوق القائد وفوق الطائفة والعشيرة لأنه باختصار "الوطن"!

وحيث لا أملَ بانحسار الخلافات وعودة الودّ بين أبناء الوطن؛ فكأننا وكأنهم نسير مع نهرٍ على ضفّتَين؛ فالمهم لنا جميعاً إن كنا نؤمن بأهمية "الوطن"، ونخاف حقاً من تدمير المدمَّر أكثر؛ أن نُراجع انتماءَنا .. أن ننظر في مواقفنا وقناعاتنا: ما الذي يحكمها؟ ولأي شيء ولاؤنا اليوم؟

لِنُوقنَ أن الجسر الرابط بين الضفّتَين هو الوطن، ولا يمكن للجسر أن يمتدّ إلا من الطرفَين؛ بل من الذراعَين لأننا – شِئنا أم أبَينا، اتفقنا أم اختلفنا – جسدٌ واحدٌ، فهل تُرى سنقول قريباً: جسدٌ واحدٌ في بلدَين! أم أنّ "الوطن" يغدو أوطاناً!

من المضحك المبكي في "وطني رحمه الله" أننا درسْنَا لعنَ سايكس وبيكو سنوات؛ لأنهم قطعوا بسكين دولهم رقعة وطننا الكبير، وتركوا لنا قطعة منه رضينا بها وصارت لنا "الوطن"، فبقي لهما ذِكر السوء يُلعنان بما فعلاه باسم دولتَيهما؛ لكنّ العجيب في قضية "وطن العجائب" أننا لم نعد نعرف كم من "سايكس" و "بيكو" يقطعون الكعكة، وعلى أية مائدة تُقدَّم؛ والأكثر عجباً أن نرضى بما يُقسم لنا ونكرر ما وقع لنا منذ أكثر من قرن، فنعلن من جديد خارطة "الوطن الجديد"، وفوقها نسخر من عقول بعضنا فنقول: "وطن مفيد"!

وما أجمل ما غنّاه التونسي:

"خذوا المناصب والمكاسب .... بس خلّوا لي الوطن!!"