السبت 04 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.92 ليرة تركية / يورو
40.78 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.62 ليرة تركية / الريال السعودي
32.35 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.92
جنيه إسترليني 40.78
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.62
دولار أمريكي 32.35

الوسطية والاعتدال في حب النبي صلى الله عليه وسلم

16 ديسمبر 2020، 10:32 ص
الوسطية والاعتدال في حب النبي صلى الله عليه وسلم

الدكتور أكرم كساب

باحث في الفكر الإسلامي

16 ديسمبر 2020 . الساعة 10:32 ص

المسلم في حبه للنبي صلى الله عليه وسلم مطالب بالتوسط والاعتدال، فلا يجوز له أن يزايد في حب رسول الله ولا أن ينقص منه، فنحن منهيون في كل شيء عن الإفراط والغلو كما أننا منهيون كذلك عن التفريط والتقصير.

أين مرتبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

ولهذا فإن المسلم الحقيقي هو الذي ينزل في حبه على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا أن من رفع رسول الله من منزلة النبوة ومرتبة الرسالة إلى مرتبة الألوهية أو الربوبية فقد ظلم وتعدى، ومن جعل رسول الله دون منزلة النبوة ومرتبة الرسالة فقد فرّط وقصر، وكلا طرفي الأمر ذميم.

ومرتبة الرسول صلى الله عليه وسلم الحقّة: هي المرتبة التي وضعها الله له، فهو بشر لكنه ليس ككل البشر، وإنما كما قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ....}الكهف:110.

وها هو صلى الله عليه وسلم يقر ببشريته التي يعتريها ما يعتري البشر فيقول:" إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِيِ[1]» . ويقول لأم سلمة::"أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي، أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ، مِنْ أُمَّتِي، بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ، أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[2]".

النبي صلى الله عليه وسلم لا يرضى بالتفريط:

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بتفريط يصدر من واحد من أصحابه، لأن هذا التفريط يعدّ نقصا في إيمان صاحبه، قد يتنازل الرسول عن حق من حقوقه الدنيوية، لكن ما إن ارتبط الأمر بقضية شرعية فإنه صلى الله عليه وسلم لا يقبل بهذا أبدا، ومن ذلك: ما رواه عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسبرَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ»[3].

وغضب النبي صلى الله عليه وسلم ممن اعتراض على قسمة قسمها بين الناس؛ وقال له: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي[4]".

ولا يرضى صلى الله عليه وسلم بالإفراط:

وكذلك لم يرض صلى الله عليه وسلم الإفراط أو المغالاة في الحب الموجه تجاهه، لأنه يرفض طرفي الأمور، ولذلك رأيناه ينكر على من جعله يعلم الغيب، فعن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ"[5].

ولما أشار عليه بعض أصحابه بالسجود له رفض وأبى، وأعلنها صريحة أن السجود عبادة، وأنها لا تنبغي إلا للخالق سبحانه؛ حيث قال أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَجَدَ لَكَ هَذَا الْبَعِيرُ وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالسُّجُودِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَسْجُدَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ، لَوْ سَجَدَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا[6]".

ورفض المغالاة في المدح والثناء فقال: قوله صلى الله عليه وسلم:"لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ"[7].ولما قال له رجل: أَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السَّيِّدُ اللهُ "، قَالَ: أَنْتَ أَفْضَلُهَا فِيهَا قَوْلًا وَأَعْظَمُهَا فِيهَا طَوْلًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِيَقُلْ أَحَدُكُمْ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَسْتَجِرُّهُ الشَّيْطَانُ[8]".

وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من جعل له مشيئة مع مشيئة الله سبحانه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَاءَ اللهُ، وَشِئْتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَجَعَلْتَنِي وَاللهَ عَدْلًا بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ[9]".

وأنكر كذلك صلى الله عليه وسلم الاستشفاع بالله على أحد من خلقه،فلما قال له أعرابي: اسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟» وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ[10]".

ولهذا يُرفض تماما ما أفرط فيه البوصيري في (بردته). فيقبل ما كان مدحا مقبولا، مثل قوله:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم

وقوله:

وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محَّضاك النصح فاتهم

ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

ونرفض ما كان فيه من شطحات مثل قوله:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم

إن لمتكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل: يا زلة القدم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم

الحق سبحانه لا يرضى بالتقصير في حق نبيه:

بل الناظر لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى أن الحق جل وعلا لم يرض بأن يقصر المؤمنون في حق نبيه ومصطفاه، بل كان القرآن ينزل يعاتبهم إن بدت منهم أفعال أو أقوال لا تجعل النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه الذي وضعه ربه له. فعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: " كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ - قَالَ نَافِعٌ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلاَفِي، قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2] " الآيَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: «فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ[11].

ومن ثمّ رأينا الحق سبحانه ينادي عباده المؤمنين بقوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] قال القرطبي: يريد: يصيح من بعيد: يا أبا القاسم ! بل عظموه كما قال في الحجرات { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات: 3]، وقال سعيد بن جبير و مجاهد: المعنى قولوا يا رسول الله في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم وقال قتادة: أمرهم أن يشرفوه ويفخموه[12].

وقال سيد قطب موضحا ما يجب أن يكون من توقير تجاه النبي صلى الله عليه وسلم: فلابد من امتلاء القلوب بالتوقير لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تستشعر توقير كل كلمة منه وكل توجيه. وهي لفتة ضرورية. فلا بد للمربي من وقار، ولا بد للقائد من هيبة. وفرق بين أن يكون هو متواضعا هينا لينا؛ وأن ينسوا هم أنه مربيهم فيدعوه دعاء بعضهم لبعض.. يجب أن تبقى للمربي منزلة في نفوس من يربيهم يرتفع بها عليهم في قرارة شعورهم، ويستحيون هم أن يتجاوزوا معها حدود التبجيل والتوقير[13].

المراجع:

 


[1] رواه البخاري في الصلاة (401) ومسلم في الأقضية (1713).

[2] رواه البخاري في الصلاة (2458) ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (572).

[3] رواه البخاري، وسبق تخريجه.

[4]رواه البخاري في المغازي (4351) ومسلم في الزكاة (1064).

[5] رواه البخاري في المغازي (4001).

[6] رواه الطبراني في الأوسط (9/81).

[7] رواه البخاري في أحاديث الأنبياء (3445) عن عمر.

[8] رواه أحمد (16307) وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم.

[9] رواه أحمد (1839) وقال مخرّجوه: صحيح لغيره..

[10] رواه أبو داود في السنة (4728 ) وضعفه الألباني في ضعيف أبي داوود (1017).

[11] رواه البخاري في التفسير (4845).

[12]الجامع لأحكام القرآن/ القرطبي ( ج12/294).

[13] في ظلال القرآن (4/ 2535).