الخميس 04 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98

طوفان وأكاذيب ودموع

15 أكتوبر 2023، 04:10 م
طوفان وأكاذيب ودموع

صبا مدور

إعلامية سورية

15 أكتوبر 2023 . الساعة 04:10 م

لم تكن الحملة الإعلامية الغربية المكثفة ضد حركة حماس، غير مسبوقة، فقد حدثت من قبل مع العراق وصدام حسين عشية حربي تحرير الكويت 1991، وغزو العراق عام 2003، كما حدث منذ نحو عامين ضد روسيا وبوتين، وفيها جميعا بدا الغرب موحدا ومتماسكا، والإعلام (الحر) منقادا بطريقة تدعو للتساؤل فعلاً إن كان هناك ما يكفي من الحرية لظهور الصوت الآخر.

واقعيا، بإمكان الخطاب الغربي ومنه وسائل الإعلام، أن يسيطر على المجال العام الدولي، بسرعة ومهارة واحترافية عالية، وأن ينشر رؤاه من خلال إغراق إعلامي يحيط بالجمهور من كل جوانبه، حتى يتأكد من اختراق وعي الأفراد، لا سيما في الغرب ذاته، حيث يكون إبقاء الراي العام في دائرة البرامج السياسية للنخب، مهماً وجوهريا لتحاشي أي موانع شعبية من الصعب تجاوزها دون خدش المظاهر العامة للديمقراطية.

منذ اليوم التالي لبدء عملية طوفان الأقصى، تجند الإعلام الغربي ومجمل الخطاب السياسي للحديث بصوت واحد، دعما لإسرائيل وتنديدا بحماس، وكان هناك محور أساسي جرى التركيز عليه بشكل مباشر ومتكرر، هو (وحشية حماس)، وقد أسرف السياسيون الغربيون مثل بايدن وسوناك وشولتس وماكرون في وصف تلك (الوحشية) والتركيز على بعض تفاصيلها مثلما فعل الرئيس الأميركي الذي تحدث عن (قطع رؤوس أطفال واغتصاب نساء) قبل ان يعود البيت الأبيض ليوضح أن الرئيس لم يطلع بنفسه على ذلك، لكنه كرر ادعاءات وردت من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

بالطبع لم يكن لهذا (التوضيح) أهمية تذكر، فقد سرى إدعاء بايدن وسط الراي العام، وتلقفه الاعلام المؤدلج، وأعاد ترديده سياسيون وكتاب ومغردون كأنه واقع لا جدال فيه، لا سيما وانه أصلا جاء في سياق من فيضان الاتهامات، التي تعود إسرائيل لتجديدها كلما بان كذب بعضها، كما فعل نتينياهو في اليوم التالي لكلمة بايدن.

والحقيقة أن أخطاء حماس الإعلامية ساهمت في منح الخطاب الغربي هذا، أدوات تساعده، ويتعلق الامر بالصور الأولى التي بثتها حماس في يوم 7 أكتوبر، ومنها اقتياد الرهائن والأسرى، ومشاهد جثث الإسرائيليين، فضلا عن التهديد الخاص بقتل رهينة مقابل قصف إسرائيل كل موقع بلا تحذير. مثل هذا المنطق لا يخلق ذعرا لدى حكومة إسرائيل، فنتيناهيو ربما سيكسب لو قتلت حماس أسراها، حيث ستضيق خناق الاتهامات حول نفسها، وتحظى إسرائيل بالتخلص من عبء الاسرى والرهائن، ويتحقق لها خيار (هانيبال) القائل إن جنديا ميتا أفضل من جندي أسير. 

وفي خضم هذا الاستخدام الدعائي المحض، استعرض الخطاب الغربي لغة الجسد بشكل منهجي، حتى لكأن السياسيين الغربيين ينهلون من ملقن واحد، فيظهر سوناك وهو يخبئ دموعه، وكذلك بايدن، فيما يبكي كيربي وتدمع عينا نتنياهو، ويبدو الجميع في حالة من الحزن البالغ على الضحايا الإسرائيليين، ليكون منطق (الانتقام) من غزة مبررا ومقبولا، ذلك أن ما أظهره (حزنهم) سيبرر دعوتهم للانتقام ومنح إسرائيل صكاً مفتوحاً بلا روادع ولا حدود.

ترافق ذلك، مع سياق إعلامي غربي واسع برفض وانتقاد وإدانة كل من يتحدث بمنطق مختلف، بل يشمل الأمر، حتى السياسيين الغربيين (التقدميين) الذي تحدثوا عن الاحتلال الإسرائيلي بوصفه سبب لكل ما يحصل، أو أولئك الذي يفضون منطق الانتقام الإسرائيلي الذي يستهدف المدنيين في غزة بعقاب جماعي هو بحد ذاته من جرائم الحرب، أما مؤيدو حماس فقد كانت هناك دعوات لمحاكمتهم، بل وسادت بالفعل مخاوف من الاستهداف القانوني بدعوى معاداة السامية بحق كل من يفعل ذلك، أو أن يشارك في مظاهرات دعم أهالي غزة المدنيين.

وإذا كان الكثير من المسلمين والعرب، بل وحتى الغربيين أنفسهم قد عبر عن تعاطف انساني طبيعي مع الضحايا في غزة، ومنهم من رفض استهداف المدنيين الإسرائيليين مثلما تعاطف مع الفلسطينيين، فإن ذلك كله ليس مقبولا، لأنه يمكن أن يؤثر على الصورة العامة لإسرائيل كدولة ديموقراطية (وحيدة) في المنطقة، وكي لا يكون لأي من ذلك تأثير على الرأي العام الغربي، يمكن أن يشكل ضغطا على الحكومات هناك، ومن ثم على إسرائيل لوقف عمليات القصف واسعة النطاق.

ولا ندري بالضبط إلى أين يمكن أن تمضي علاقة الغرب مع ملايين العرب والمسلمين القاطنين فيه، فهم عند هنري كيسنجر أصبحوا (مجموعات ضغط) داخل دول الغرب، وأن احتفالهم بعمليات يوم 7 أ أكتوبر هو أمر (مؤسف) يبين (الخطأ الفادح الذي ارتكبته دول الغرب عندما سمحت لعدد كبير من الأشخاص بدخولها). هذا المنطق لكيسنجر لن يكون بعيدا عن منطق يميني أكثر تطرفا في الغرب، سيتخذ من تعاطف العرب اللاجئين والمهاجرين الطبيعي مع اشقائهم الفلسطينيين المدنيين سببا لإبعادهم أو التحشيد ضدهم بشكل عنصري.

وبكل الأحوال، فإن الطوفان الإعلامي الغربي المؤيد لإسرائيل، يجدد رؤية تاريخية حول علاقة الغرب مع إسرائيل، وحول ما يمكن أن يصل إليه العرب في علاقتهم بهذا الغرب، أو في طريقتهم بإدارة أزماتهم وتقديم أنفسهم وبناء قدرات إعلامية ونفسية توازي كل هذا الحشد والهجوم.

المصدر: المدن

اقرأ أيضاً:

شاهد إصداراتنا: