الحديث عن مطامع اقتصادية ، لكل هؤلاء الذين يتجمعون ويتقاتلون في أقصى الشمال الشرقي من سوريا، لم يعد تنجيمًا في فنجان، أو قراءة متسرعة وخفيفة للحدث، بل إن الخفيف هو من يقلل من أهمية الشروط الاقتصادية، في إدارة النزاعات والصراعات بين الدول .
وكما يعرف الجميع، ينام شرق الفرات السوري، على ثروة طبيعية كبيرة، قوامها النفط والغاز والمياه، هذا ناهيك عن الثروة الزراعية والحيوانية والأراضي الخصبة الواسعة.
وهي منطقة خرجت عن سيطرة نظام الأسد، منذ نحو سبع سنوات، وبكل ثرواتها التي تحت الأرض وفوقها .. لكن ما يلفت الانتباه على الدوام، أن النظام قاتل بشراسة، من أجل استرجاع جرود جرداء في مناطق شتى من سوريا، لكنه أبدًا لم يخض أي معركة حقيقية في تلك المنطقة الغنية من سوريا، مع أنه كان يجب أن تكون معركته الأولى هناك، وبالذات عندما زادت الضغوط الاقتصادية عليه، جراء تأمين النفط والغاز والقمح لحكومته وجيشه.
هذا يعني شيئًا واحدًا؛ أن النظام كان قد تخلى عن تلك المنطقة، ومنذ بداية الثورة، ضمن اتفاقيات تحت الطاولة الدولية، مقابل تركه ينعم بكرسي الحكم.
اقرأ:
- أعضاء السوريين في مناطق الأسد للبيع على الهواء مبُاشرةً
- حكومة نظام الأسد توقف استيراد الهواتف النقالة حتى إشعار آخر
- صحيفة بريطانية: لماذا لا يزال بشار الأسد في السلطة؟
- توجيه البوصلة العربية في الذكرى العاشرة للثورة السورية
وسياسات التنازل لدى بشار الأسد، لم تبدأ بعد انطلاق الثورة السورية، وإنما ميزت عهده بالكامل ومنذ توليه السلطة في العام 2000، فهو بعد ذلك التاريخ، كان تقريبًا في كل عام يتنازل عن شيء من السيادة الوطنية والنفوذ العربي والإقليمي لسوريا، ضمن استراتيجية لم تكن مفهومة لأحد من السوريين.
لقد تخلى بشار الأسد عن دور سوريا العربي، عندما انحاز لميليشيات وعصابات حزب الله، على حساب سيادة لبنان وعلاقاته العربية، ولا نريد في هذا الصدد التطرق إلى انسحابه من لبنان، بطريقة مهينة ومذلة، لأننا بالأساس كشعب سوري لم نكن نرغب بهذا التواجد، ولكن بنفس الوقت، كنا نرغب لهيبة بلدنا أن تبقى محفوظة، وأن يخرج جيشنا من لبنان مرفوع الرأس وليس مطأطئه ..
سياسات التنازل، لمن لا يدري، امتدت إلى الأردن، ولازالت الأردن حتى اليوم تحتفظ بأوراق لمباحثات في العام 2010، يطالبون فيها الحكومة السورية بعمق 5 كيلو مترات على طول الحدود، ويقولون إن بشار الأسد كان على وشك أن يوافق لولا بدء الثورة السورية في العام 2011.
ونفس الشيء في الحدود مع لبنان، الذي كان يطالب بترسيمها، مع مطالبته بمناطق جديدة من سوريا، لم يكن بشار الأسد يمانع بإعطائهم إياها، مقابل أن يحفظ ذلك سلامة كرسي حكمه.
نظرية التنازل عن الأراضي السورية والسيادة الوطنية لدى بشار الأسد، تجلت بشكل أكبر بعد العام 2011، عندما جلب كل قوى الأرض لكي تقيم قواعدها العسكرية على أرض سوريا، وتحصل على ما تشاء من امتيازات، ولكم أن تتخيلوا من كل هؤلاء الأعداء الذين يتحدث عنهم نظام الأسد ومؤامراتهم، فإن لا أحد يريد أن يسقط حكمه ..! بل على العكس؛ الكل يسعى للحفاظ عليه، بدءاً من أمريكا وإسرائيل وانتهاء بالبحرين.
لذلك، لم نعد نستغرب أن يكون هناك اتفاق بين النظام وأمريكا، على أخذ المنطقة الشمالية من سوريا بكامل ثرواتها، مقابل أن يدعوه وشأنه في الحكم.
كل تصرفات وسلوك بشار، تشير إلى أنه لم يعد راغبًا بحكم العالم -كما توقع له عضو مجلس الشعب مطلع الثورة - وإنما هو قابل بأي شيء، والمهم أن يبقى رئيسًا ولديه شعب وحكومة، ومؤامرة كونية يحاربها، وممانعة يتحالف معها .. وكل ذلك لا يتطلب منه أن يكون حاكمًا لبلد عظيم مثل سوريا .. وإنما يكفيه قصر المهاجرين والمنطقة المحيطة به.
شاهد إصداراتنا: