الإثنين 08 ابريل 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.44 ليرة تركية / يورو
40.21 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.78 ليرة تركية / ريال قطري
8.53 ليرة تركية / الريال السعودي
31.98 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.44
جنيه إسترليني 40.21
ريال قطري 8.78
الريال السعودي 8.53
دولار أمريكي 31.98
...

..

العراق

الاشتراكية والليبرالية وماهية المجتمع

29 مارس 2021، 12:18 م

خلال قراءتي لكتاب (القراءة عمل انقلابي) للكاتب نزار قباني حيث تناول أحد الموضوعات مفهوم "الحرية" وما هي طبيعة هذه المفردة ولماذا هي موجودة من حيث الغاية والسبب على شكل مقارنة بين الأنظمة والشعوب وتفاوت والثقافات كتب فيه عن الاشتراكية:

" قد عرفت الأنظمة الاشتراكية، كيف تصقل حرية الفرد. وكيف تمنع تجاوزاته، وكيف تسيطر على غريزة الطمع المركبة فيه ... بحيث تأتي حرية المجموع أولًا، وحرية الفرد ثانيًا."

وهنا يمكن تفنيد رأي قباني وما جاء فيه حول النظام الاشتراكية، فأن الاشتراكية تجد أن للمجموعة الأولوية من الأفراد، بغض النظر عن أي فرد رئيس كان أم بائع سجائر.

إن هذا المفهوم هو واحد من المفاهيم الجيدة نسبياً والتي يعول عليها في إدارة شؤون المجتمعات والسيطرة على الشعوب. إن الإنسان بربري في الطبيعة ودموي مفترس، لذلك نجد قتل هابيل من قبل أخيه قابيل بطريقة إجرامية يقشعر لها البدن ما هي إلا صورة مأخوذة من الطبيعة البشرية، وكذلك الأنظمة الدموية التي شهدتها البلدان الأوروبية في العصور الوسطى، والحروب الدموية والمجازر التي قامت بها اليابان في كل البلاد التي غزتها، وأيضا الصين ومنهجيتها في التعذيب فهم من سنّ سنن التعذيب الشنيع في شق البشر إلى نصفين واقتلاع عينيه وإجباره على ابتلاعهن، وفرنسا التي استخدمت صلب الشخص وتقطيع أطرافه وهو حي وغيرها أمثلة كثيرة، وكل هذه الأمثلة هي دلالة على الطبيعة الدموية للبشر، لذلك عندما أطلقت تسمية الدولة على التكتلات البشرية التي تقيم فيها مجموعة من الأفراد الذين يطلق عليهم اسم "السلطة" أو "أصحاب الشأن" وكلت إليهم إدارة هذه الكتل البشرية على أن تكبح دمويتهم وتنتزع نظام الغاب من أدمغتهم وتجبرهم على السير على سكة العيش السوي الذي يضمن حقوق البشر ككل، وإن الحقوق لا تعطى إلى الفرد أولًا "حسب رأي النظام الاشتراكي" بل تعطى إلى المجتمع ثم إلى الفرد، فتتكفل بترويض كل أفراد المجتمع وجعلهم ضمن الإطار البشري الجديد "الأليف" وإجباره على انتزاع روح الشر التي تكمن فيه، وإن أي محاولة منه في إظهار طبيعته الهمجية الوحشية ستعرضه إلى نوع من الوحشية المجهزة من قبل السلطة على شكل "محكمة قضائية" والتي فيها رسالة إلى المجتمع بأن ضريبة العودة إلى الطبيعة الهمجية تعرض صاحبها إلى المجريات المتخذة في هذه المحاكم. هنا نستنبط أن الإنسان كبح طبيعته بسبب رهبة العقوبة وكبر حجمها ومنها خُلق لمفهوم الحرية مساحة تغطي مجموعة من البشر فعليهم ما عليهم ولهم ما لهم.

 انتقل قباني إلى النظام الليبرالي فقال:

"أما في الأنظمة الليبرالية، فإن الفرد يتصرف كوحش لا يتورع عن أكل كل ما يصادفه من أرض ومصانع وبشر ... وهو يعتقد أن الحرية التي يتيحها له النظام الليبرالي، تمنحه الحق أن يمد ساقيه على رقبة البشرية، ويسحق برأس ماله الخرافي واحتكاراته عظام المعذبين في الأرض ..."

ربما هنا سنختلف بعض الشيء في إلباس النظام الليبرالي بهذا اللباس الرثّ، على الرغم من معرفتنا أن كل الأنظمة ولدت بإيجابيات وسلبيات ولم يولد نظام متكامل، إلا أن الليبرالية أعطت للحرية والمساواة في قيادة المجتمعات شأنًا كبيرًا، وأن الدولة تعطي للفرد الحرية الكاملة ومن بعده المجتمع، من منطلق أن الإنسان يولد حرًا ويموت حرًا، وأعطت الحرية المطلقة للفرد في الاقتصاد الفردي، على أساس أن السلطة لا تتدخل في الشأن الخاص للفرد، وناهضت دولة الدين، ودين الدولة. وتقوم الليبرالية على إبراز سيادة الدولة لكبح العنجهية البشرية.

من الطبيعي جداً أن يكون لليبرالية مساوئ، كما للاشتراكية مساوئ وكذلك بقية الأنظمة. وهنا لم يأت المقال للاعتراض على رأي قباني على الإطلاق، بل على ما جاء به مجتمعنا كمجتمع من القرن الواحد والعشرين وسط كم هائل من الحداثة التي تجتاح العالم والظواهر القديمة، وها نحن نأخذ ركنًا منعزلًا من هذا الكوكب للانفراد بالعصور القديمة والعودة إلى العهد الأول. فنحن مجتمع عجيب بعيداً عن السلطة التي تديره كونها غير موجودة، وبما أن الطبيعة البشرية وحشية ومن يكبح هذه الوحشية هي السلطة، فهنا تكمن المشكلة فنحن لا نملك أي نوع من الأنظمة لا ليبرالي ولا اشتراكي ولا حتى دكتاتوري أو أي نظام يذكر، أذن لا يوجد ما يمنع هذه المجموعة البشرية من العودة إلى طبيعتها وهي الطبيعة الوحشية وممارسة الحرية غير المنضبطة أو يمكن تسمى الفطرية "وربما هناك معارضين حول كلمة فطرية" لكن هذه هي الحقيقة دون تلميع، لذلك يوجد من يقتل على الطريقة الصينية القديمة، ومن يعذب على أسلوب المحاكم الفرنسية العتيقة، ومجموعات تغزو مجموعات على الطريقة اليابانية الوحشية وغيرها من السلوكيات النابعة من الجوهر البشري غير المكبح. أذن نحن تقودنا الهمجية الطبيعية التي تحملها نفوسنا ومارسناها بكل ما أوتينا من قوة نعكس في ذلك ماهيتنا وعلى ما أعتقد ننوي أن نصل بها وتصل بنا إلى أوج عظمتها، فإننا بطبيعة الحال بشر مخلوقون، لذا لا يوجد نظام يردع إبداء ما في الجوهر ولا نحن من المجتمعات التي تستفيد من التجارب على العكس تماماً، لذلك النتيجة اليوم، تأخر حضاري، وثقافي، واقتصادي، وانتشار الجهل والظلم والانتهاكات، وتغلغل الغوغائية إلى جذور المجتمع، مما أدى إلى الرجوع بنا إلى العصور الوسطى التي عاشتها أوروبا والله وحده يعلم إذا كان هناك عصر تنوير أم لا.