السبت 04 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.92 ليرة تركية / يورو
40.78 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.62 ليرة تركية / الريال السعودي
32.35 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.92
جنيه إسترليني 40.78
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.62
دولار أمريكي 32.35
...

همهمات نفس ولواعج روح في صفحات سجلات المهجر

12 اغسطس 2021، 03:40 م

ها قد مضى عامان من تاريخ القهر المعمد بآهات البعد وزفرات الوطن المكلوم، عامان ومازالت أمواج الغربة ترمي بنا إلى عباب التشظي وشواطئ اللاشعور وفي القلب غصة وفي حنايا الروح بقيا من وجود.

جالت علينا صروف الأيام ونوائب الزمان بخيلها ورجلها فطحنتنا بنكدها وصلفها وإذ بسهام الغدر تتناوشنا من مكان قريب فسالت دماء الأنين وتناثرت أشلاء الحنين على مذابح سلامة المبدأ ووضوح المقصد.

رمتنا طائراتهم بسعير حممها وقصفتنا مدافعهم بفحيح لهيبها ونالت منا راجماتهم بحمئها المسنون واستعرت بين ظهرانينا فتنة قوم ابي رغال فسلقونا بألسنة حداد أشحة على الخير فتقطعت بنا السبل وتخطفتنا بنيات الطريق وبلغت القلوب الحناجر وظننا بالله الظنون وما كنا نعلم على وجه اليقين أننا سنُبعد ونُهجر إلا قبل يومين فقط من تلك الرحلة وذلك المسير المجهول لأمر دبر بليل بهيم ساق البلاد والعباد إلى سيف البغاة وجلاوزة المجرمين فجرفتنا أمواج تسونامي أممهم المتحدة على إذلالنا وإسكاتنا فضلا عن قتلنا وتمكين المحتلين من مدننا وقرانا التي كافحنا وبذلنا في سبيلها مهج الحياة وفلذات الأكباد لكي تبقى راية الإنسانية خفاقة مشرعةً لكل من سئم قيد العبيد فطعنتنا أيام حقدهم ومزقتنا ساعات عهرهم وهجرتنا دقائق إجرامهم فلما ضاقت بنا الدنيا على سعتها ودعنا مكة ويممنا تلقاء مدين ولسان الحال والمقال ينشد ويقول "والله إنك أحب بلاد الله إلينا لولا أن قومك أخرجونا ما خرجنا ".

وافترق القوم على أمر قد قدر، فمنهم من قال لن أبرح الأرض حتى يحكم الله وآخرون كتموا إيمانهم خوفنا من بطش قريش وغدر بني قريظة وثلة قالوا بيوتنا عورة وما هي بعورة فلحقوا ركب ابن سلول وعادوا إلى المدنية وهم ينعقون ليخرجن الأعز منا الأذل ويرد عليهم الرحمن الرحيم قولهم فيقول :" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون".

وأذِنَ الله لنا أن نصلي الظهر والعصر جمعاً و قصراً على آخر ذرات تراب مدينة القنيطرة التي ألهبتها حرارة شمس تموز وكأنها عناقٌ أخير شاءت به الأقدار بين جباهنا وبين تراب بلادنا ومن ثم دخلنا عباب البحر وكلنا ألم وأمل حب وبغض سرور وحزن و راحة وتعب ولا ندري كيف اجتمعت تلك المتناقضات مع بعضها البعض ولكن اختلطت بقهر السنين ومشقة السفر.

غادرنا البلاد وتركنا فيه شيخنا كبيرا وقد ألقت الدنيا عليه أثقل أحمالها التي تنوء بحملها العصبة من الرجال بعد ما فجع بفراق أحبته وأهليهم وذراريهم على حين غرة من الزمن وغفلة من الناس، وأختاً تقتص أثر مهدِ موسى في يمِ الخواطر وشاطئ النفوس لعل بشرى تزفها وفرحاً تنقله إلى محيط التاريخ القريب طمعاً في أن تنال ما نات أم موسى عليه السلام لكي تقر عينُها ولاتحزن، وفي زحمة تلك الأحداث التي توالت وتسارعت كنا نطمع أن نقف على الضريح المسجى في طهر من الروح والريحان فنكحل العيون برؤية التراب الذي ضم بين جوانبه آية الشمس والنور ونقبل الحجارة التي أحاطت حول القلوب ونلقي تحية الوداع ونحن لا نعلم أهو الآخير أم سيكون له أمدٌ وللأمدِ انقضاء.

وغابت شمس ذلك اليوم وغاب معها شفقها الأحمر فرُفِعَ الأذان وأي أذان! والذاكرة تعود بنا إلى بلال وقد خنقته العبرة وهو يرفع أذانه الأول بعد دفن النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر نفسه من هول المصاب، وأقيمت صلاتي المغرب والعشاء على ما يسمونه أتوستراد السلام ونحن على أدبر من منازل القنيطرة والجولان وعلى إقبال من منازل دمشق الحبيبه وتابعنا المسير وشاءت الأقدار أيضا أن نصلي فجر ذلك اليوم على أتوستراد حمص حماة وبعدها بقليل فصلت العير بنا على تخوم مورك فشخصت بنا الأبصار إلى راية شامخة يعلوها العزة والوقار ويحفها الكبرياء والبهاء وكيف لا ونحن رأينا ذات الراية نكست وأحرقت ومزقت بعهد ليس ببعيد تحت سنابك جند الفرس والعجم.

واستقبلني ومن معي الأخوة والزملاء في منظمة الأوسوم بعد أن راغوا إلى أهلهم فجاؤوا بسمين حُسن الاستقبال وكرم الضيافة حيث حطت بنا الرحال وناخت بنا المطايا ضيوفاً على أهلنا في حي القصور بمدينة إدلب الخضراء والذين لا أستطيع أن أزيد فيهم عن قول ربهم " بلدة طيبة ورب غفور ".

هذا ومازلنا في ظلمات بطن الحوت نتحسس ساعة صفاء ولحظة خشوع نفر فيها إلى الله وندعوه بأن لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين فينبت علينا حينها شجرة من يقطين ويرسلنا إلى الدنيا نُطِبَ جراحها بالتهليل والتكبير ويرد علينا أهلنا ومثلهم معهم أنه ولي ذلك والقادر علية.

اقرأ:

شاهد إصدراتنا: