الثلاثاء 07 مايو 2024
20°اسطنبول
27°أنقرة
31°غازي عنتاب
26°انطاكيا
29°مرسين
20° اسطنبول
أنقرة27°
غازي عنتاب31°
انطاكيا26°
مرسين29°
34.92 ليرة تركية / يورو
40.78 ليرة تركية / جنيه إسترليني
8.89 ليرة تركية / ريال قطري
8.62 ليرة تركية / الريال السعودي
32.35 ليرة تركية / دولار أمريكي
يورو 34.92
جنيه إسترليني 40.78
ريال قطري 8.89
الريال السعودي 8.62
دولار أمريكي 32.35
...

بلك بن بهرام بن أرتق يأسر ملوك الصليبيين: من الصفحات الغابرة في التاريخ الإسلامي

21 فبراير 2022، 04:54 م

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

بلك بن بهرام صاحب قلعة (خرتبرت)  استلم راية الجهاد بعد عمه إيلغازي ـ صاحب ماردين ـ وكان خصماً عنيداً للصليبيين، وكان يتطلع للقضاء عليهم لا في منطقة الجزيرة فقط، بل وفي بلاد الشام، وقد استهل أعماله العسكرية أثناء مرض عمه نجم الدين إيلغازي في رجب سنة (516 هـ/1122 م)  بحصار الرُّها، ولكنه لم يستطع النيل منها بعد فترة طويلة من الحصار، مما اضطره إلى الانسحاب عنها، لذا رأى الصليبيون الذين بالرُّها: أنه لا بد من الاستعانة بجوسلين صاحب الأطماع الكثيرة، وخصم المسلمين العنيد، الذي كان وقتذاك مع بلدوين ملك بيت المقدس بالبيرة مستغلين في ذلك تفرق عساكر بلك بن بهرام بن أرتق عقب عودته من الرُّها، إلا أن بلك بن بهرام استطاع أن ينصب لجوسلين ومن معه من الصليبيين كميناً عند سروج بأرض موحلة و مشبعة بمياه الأمطار، فلم تتمكن خيولهم من الإسراع بسبب هذا الوحل، في الوقت الذي سلط عليهم بلك رجاله الذين لا يتجاوز عددهم أربعمئة فارس وابلاً من السهام، فلم يفلت منهم إلا قليل، وأسر جوسلين ابن خالته جاليران صاحب البيرة في سنة (516 هـ/1122 م) .

وقد ترتب على هذا الانتصار الذي حققه بلك بن بهرام على الصليبيين ضياع قوة الصليبيين المعنوية في بلاد الشام، وازدياد حماسة المسلمين وتطلعهم إلى الوثوب على الصليبيين من كل ناحية ، حاول بلك بن بهرام بن أرتق أن يحصل من جوسلين ومن معه من الصليبيين الذين وقعوا في الأسر على تنازل منهم عن الرُّها مقابل إطلاق سراحهم، ولكنم رفضوا قائلين: نحن والبلاد كالجمال، متى عقر جمل حوِّل رحله إلى اخر، والذي بأيدينا قد صار بيد غيرنا ،( الغامدي، 1986، ص160) عندها حمل بلك بن بهرام أسراه إلى قلعة خرتبرت، ووكل بهم من يحرسهم، وتوجه سنة ( 517 هـ/1123 م)  إلى حصن كركر التابع لإمارة الرُّها بقصد الاستيلاء عليه .(بن هبة الله، 1957، ج2، ص206)

وأدرك بلدوين ملك بيت المقدس الذي أصبح وصياً على الرُّها مضافاً إلى وصايته على إنطاكية: أن من واجبه التحرك لتخليص جوسلين من الأسر، ومنع كركر من السقوط بيد بلك بن بهرام، وإفهام المسلمين بأن قوة الصليبيين لا زالت قوية باطشة، وخرج بلدوين على رأس جيشه، حتى وصل عند الضفة الشرقية لنهر سنجة أحد روافد الفرات تجاه معسكر بلك بن بهرام، الذي كان قد رفع الحصار عن كركر، وعاد لمواجهة بلدوين الثاني ملك بيت المقدس، ودار القتال بين الطرفين في التاسع عشر من شهر صفر سنة (517 هـ/ 1123 م) ، وانهزم الصليبيون بالرغم من قلة قوات المسلمين، ولم تقف أهمية الوقعة عند حد انتصار بلك بن بهرام، بل تعدته إلى أن بلدوين ملك بيت المقدس قد وقع في أسر بلك بن بهرام بالإضافة إلى استيلائه على حصن كركر، وحمل بلك أسيره الجديد إلى خرتبرت، وضمه إلى جوسلين ومن معه من زعماء الصليبيين وفرسانهم .

وهكذا خلت إمارات الصليبيين، الرُّها، وإنطاكية، ومملكة بيت المقدس من زعمائها الذابِّين عنها، مما أدى إلى تدهور وضع الصليبيين في الجزيرة وبلاد الشام، ولكن القوى الإسلامية في بلاد الشام لم تستطع وقتذاك أن تنتهز هذه الفرصة والانقضاض على إماراتهم، والقضاء على شأفة الصليبيين .(الغامدي، 1986، ص160)

أ ـ محاصرة الصليبيين لحلب: أما بلك بن بهرام بن أرتق فإنه بعد أن جمع أسراه في قلعة خرتبرت توجه إلى حرَّان للاستيلاء عليها في ربيع الأول من سنة (517 هـ/1123 م) ، بهدف التقوي بها، فتم له ذلك وكان بلك بن بهرام يطمع في الاستيلاء على حلب من سليمان بن عبد الجبار عقب استيلائه على حران، لأنه كان يدرك أهمية حلب الاستراتيجية، وأنه لن يحقق أية نتيجة حاسمة على الصليبيين ما لم يضم حلب إلى إمارته، كي تكون له قاعدة في بلاد الشام، يستطيع من خلالها التحرك في ميدان فسيح، وليتفرغ لقتال الصليبيين ،( خليل، 1980، ص268) لذلك فرض بلك بن بهرام على حلب الحصار، حتى اضطر من بها إلى تسليمها إليه في صباح يوم الثلاثاء، غرة جمادى الأولى سنة (517 هـ/1123 م)  .(ابن الأثير، 1978، ج8، ص633)

وأما جوسلين صاحب الرُّها الذي هرب من الأسر فقد استطاع تكوين جيش من صليبيي بيت المقدس وإنطاكية، واتجه به صوب حلب وضيق على من بها من المسلمين، ولم يكتف بهذا، بل أقدم على نبش قبور الموتى من المسلمين في البلاد المحيطة بها، وظل محاصراً لها حتى شهر رمضان من السنة نفسها (517 هـ/1123 م) ، ولما لم يستطع النيل منها عاد إلى تل باشر، على أن حلب لم تسلم من حصار الصليبيين بعد عودة جوسلين إلى تل باشر، بل تعرضت لحصار آخر من صليبيين إنطاكية، أدى إلى قطع الصلة بينها وبين غيرها من البلاد الإسلامية في بلاد الشام، تلك البلاد التي كانت تزودها بالمؤن .

وجد بلك بهرام بن أرتق إنه لا بد من الاستعانة باق سنقر البرسقي صاحب الموصل، وبظهير الدين طغتكين صاحب دمشق، لرفع الظلم عن أهل حلب، ولإنزال ضربة بالصليبيين يستطيع بعدها بلك بن بهرام العودة إلى حلب، وإقرار الأوضاع بها، فوصل إليه سنة (517 هـ/1123 م) كل من صاحب الموصل آق سنقر البرسقي، وصاحب دمشق طغتكين على رأس قوتهما، فعبر بهم الفرات، ونزلوا على عزاز، ولكن الصليبيين الذين كانوا قد تجمعوا بها تمكنوا من طرد المسلمين، فعاد كل منهم إلى بلده، ودخل بلك بن بهرام حلب في سنة (518 هـ/1124 م) ، وتخلص من بعض المناوئين له، وقضى على فوضى قطاع الطرق، وتزوج بإحدى بنات رضوان بن تتش لتوثيق صلته بالسلاجقة، واتخذ من حلب عاصمة له من بلاد الشام، وقاعدة إنطلاق لتوجيه الضربات ضد الصليبيين، ولم يكتفِ بهذا بل نقل إليها أسراه من حران، واعتقلهم في قلعة حلب.

ب ـ مقتل بلك بن بهرام: لم يمهل الأجل بلك بن بهرام، وبينما كان يحاصر الفرنجة عند قلعة منبج وافته المنية بسهم طائش أصابه فقتله لايدري من رماه، واضطرب عسكره، وتفرقوا، وبمقتله فقد المسلمون فيه رجلاً أثبتت أعماله: أنه زعيم وقائد حاول جمع كلمة المسلمين في الشام والجزيرة ضد الصليبيين، ويمكن القول: إنه بمقتل بلك بن بهرام سنة (518 هـ/1124 م)  انتهت مرحلة قيادة الأراتقة لحركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين، على الرغم من أن حسام الدين تمرتاش بن إيلغازي قد استطاع الاستيلاء على حلب عقب مقتل بلك بن بهرام، إلا أن حلب لم تتمتع في أيامه بأوضاع مستقرة، بل فسدت أحوالها وضعف أمر المسلمين بها حيث ألهاه الصبا واللعب عن التشمير والجد والنظر في أمور الملك، ولم يقف حسام الدين عند هذا الحد من الخمول وعدم المبالاة بجهاد الصليبيين، بل قبل وساطة أبي العساكر سلطان بن منقذ صاحب شيزر في إطلاق سراح بلدوين ملك بيت المقدس، الذي كان في أسر بلك بن بهرام ،(الغامدي، 1986، ص162) الأمر الذي أدى إلى ازدياد حماس الصليبيين في النيل من المسلمين، وهذا بالطبع كان له أثر كبير في تصدي الصليبيين بصلابة لحركة بعث فكرة الجهاد الاسلامي في المرحلة التالية، التي قادها كل من آق سنقر البرسقي صاحب الموصل، وظهير الدين صاحب دمشق .(الغامدي، 1986، ص 163)

 

 

 

 

 

ملاحظة هامة:

استند هذا المقال بشكل كبير على كتاب " الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي" لمسفر الغامدي

مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، مؤسسة إقرا، القاهرة، 2006، صص 715-719

ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ط دار الفكر، بيروت، 1398 هـ  1978 م.

كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله، زبدة الحلب في تاريخ حلب، تحقيق سامي دهان، ط دمشق، 1370 هـ  1951 م.

مسفر الغامدي، الجهاد ضد الصليبيين في الشرق الإسلامي، دار المطبوعات الحديثة، الطبعة الأولى 1406 هـ  1986 م.

عماد الدين خليل،الإمارات الأرتقية في الشام والجزيرة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1400ه-1980